في أوقات التحولات الاجتماعية والاقتصادية العشوائية، وفي شيوع النظم الفاسدة ونهب الثروات والدخول الطفيلية، يلجأ بعض الناس لمسايرة الواقع المؤلم الذي يعيشونه، الي تسمية الأشياء بغير مسماها الحقيقي، هربا من حياة الفقر والجوع.. او تجنبا لصدام متوقع، أو سعيا وراء تحقيق مكاسب محتملة، لذلك نري البعض يسمي النفاق بالذكاء الاجتماعي، وهذا الفصيل من الناس في حقيقة امرهم يراؤون.. فالنفاق هو النفاق تحت اي مسمي، في كل زمان ومكان، فالنفاق والمداهنة رذيلة من أحقر الرذائل. التي نهي الله عنها، واذا وصف بها انسان جلبت له الخزي والعار، وأصبح موضع الاحتقار والازدراء من أهله ومن بني وطنه والمنافق كما اوضحت قواميس اللغة العربية، هو من يظهر خلاف ما يبطن، يضمر العداوة، ويظهر الصداقة.. ولقد واجه الرسول الكريم سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم عقب هجرته من مكة الي المدينةالمنورة، هربا من النفاق من اعنف ما عرفه التاريخ من حروب النفاق، وكان بنو اسرائيل هم سادة هذه الرذيلة وسادة حروب التهويل والدعايات المغرضة علي الاطلاق. وعلي مر العصور.. والآيات القرآنية التي تتحدث عن النفاق والمنافقين وخطرهم علي المجتمع وعلي البناء الاقتصادي والاجتماعي كثيرة، لما يمثله المنافق والمنافقون من خطر داهم في جميع مجالات الحياة. وعلي تماسك الامة ووحدتها، فقد جاء ذكر النفاق والمنافقين في سور كثيرة، منها البقرة.. وآل عمران.. والنساء.. والمائدة.. والانفال.. والتوبة.. والاحزاب.. ومحمد.. والفتح.. والحديد، والحشر بخلاف السورة المسماة باسمهم: المنافقون. وشاركت اليهود في هذه الرذيلة طوائف كثيرة منها الاعراب الذين وصفهم القرآن الكريم في سورة التوبة بأنهم أشد كفرا ونفاقا، كما وجد نفر من اهل المدينة مردوا علي النفاق لضعف ايمانهم وقلة حيلتهم، وقد حدد الله صفات المنافقين فقال سبحانه وتعالي في سورة التوبة آية 76: »المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون ايديهم، نسوا الله فنسيهم، ان المنافقين هم الفاسقون!!.. صدق الله العظيم، من هنا نجد ان المنافق لا مبدأ له ولا عقيدة، كالحرباء يتلون بكل لون، يميل مع كل ريح، جريا وراء مطامعه واغراضه الرخيصة، وشعاره.. »دارهم ما دمت في دارهم، وأرضهم ما دمت في ارضهم، وجارهم ما دمت في جوارهم«. واذا كان المنافق يظهر عكس ما يبطن، فالانسان المؤمن لايكذب فقد ربي الاسلام المؤمنين علي الصدق والنقاء والشفافية، ونظافة اللسان، من قول الزور، وعلي الحرص علي إسداء النصيحة لمن يطلبها، احقاقا للحق ونصرة المظلوم. ولقد اخذا لنفاق في العصر الحديث الوانا واشكالا متعددة منها نفاق كل صاحب سلطة، وايهامه بصفات ما انزل الله بها من سلطان، او ممالأة الشعب بوصفه الشعب المعلم، او الشعب القائد، ويكثر النفاق ويزدهر عندما يسند الامر لغير اهله، ولايسمع لأهل الفكر الصحيح رأي... ويصبح الامر اكثر ايلاما عندما يأتي النفاق من بعض حملة الاقلام والفن والثقافة المفترض فيهم انهم قادة التغيير ودعاة الاصلاح، عندئذ تكون الطامة الكبري، فيصبح النفاق احد اشكال الدعارة، وهي اشد ايلاما من دعارة الجسد، وكلاهما خزي وعار، وكلاهما شر مستطير، لأن دعارة الفكر كاسحة لايقف شرها علي شخص او شخصين، انما يمتد تأثيرها الي الملايين الذين يقرأون لهذا المرائي او يستمعون اليه عبر الاثير والفضائيات.. وتأمل معي واعجب ولك ان تحزن وتأسي من قول احد هؤلاء المنافقين، وما اذكره مجرد امثلة عشناها، عندما وقف يوما خطيبا امام أحد الحكام يقول: اذا كان موسي عليه السلام قد شق البحر بعصاه فأنت قد حولت مجراه.. واذا كان عيسي عليه السلام قد احيا ميتا فأنت قد احييت امة.. ناهيك عن اوصاف اطلقها المنافقون وطلاب الحاجات علي حكام آخرين، مثل : كبير العائلة.. او صاحب الضربة الجوية التي حققت نصر اكتوبر. واغفلوا المنظومة العسكرية بأكملها، التي ادت واجبها الوطني بكفاءة واقتدار واستشهد في سبيل اداء الواجب آلاف وآلاف .. ولاشك ان التربية السليمة، والتعليم الجيد هي خط الدفاع الاول ضد النفاق والكذب.. هذه الانات الاجتماعية المدمرة للشعوب، وكل النكسات والهزائم التي نزلت بالامة عبر تاريخها الطويل والسلوكيات الرديئة، التي شهدناها ويشهدها الوطن هذه الايام، من اعادة تدوير المواقف.. من اقصي اليمين الي اقصي اليسار.. بعد ان خطت ثورة الشباب اولي خطوات النجاح لتحقيق الحرية والكرامة والعيش الكريم لأبناء مصر، وكل ما ارجوه للثورة وللثوار ان يحترسوا من الافاعي.. فالأفعي لا تلد الا ثعبانا.. وقي الله مصر وشعبها من سمومهم وشرورهم.