أولاً.. باب الحريات في الدستور هو أفضل ما جاء في دساتير مصر. ولقد كان أفضل ما جاء بهذا الصدد هو تحقيق ما ناضلت أجيال عديدة من أجله، وهو إقرار مبدأ عدم الحبس في قضايا النشر وما يتعلق بحرية الفكر والتعبير.. الآن يحبس إسلام بحيري لأنه قال رأيا قد يختلف معه كثيرون، ولكنه رأي لابد أن يسمعوه، وأن يناقشوه، وأن يوافقوا عليه أو يعترضوا.. وليس أن يطالبوا بحبس من قاله. ثانياً.. ندرك جميعا ان الجمود الفكري قد قادنا إلي فكر "الدواعش". وتصبح الدعوة إلي تجديد هذا الفكر فريضة وطنية ودينية في نفس الوقت، حتي لا يعاد المجتمع إلي كهوف القرون الوسطي في ظل تغييب العقل واعتبار كل اجتهاد رجسا من عمل الشيطان.. ولهذا يسجن إسلام بحيري لانه قال رأيا يخالف ما جاء به مفكر آخر منذ قرون!! ثالثاً.. يدعو رئيس الدولة إلي تجديد الخطاب الديني ولا يمل من ذلك. فإذا حاول البعض السير في هذا الطريق، انقض عليهم دواعش الفكر ليصادروا أي اجتهاد، ولكي يغلقوا طريق العقل، ويحافظوا علي الأمة سجينة أفكار مضت عليها قرون وتجاوزها العصر، ولم تعد تتفق مع مصالح العباد والبلاد. رابعاً.. إسلام بحيري مجتهد.. يخطئ ويصيب. ولكن الأفكار لا تواجه بالسجن بل بأفكار أخري. ومن غير المعقول ان يحدث له ما حدث بحكم تعديل في قانون العقوبات تم قبل أكثر من ثلاثين سنة لمواجهة التطرف الديني واستغلال المنابر والمساجد في إشاعة الفتنة والإضرار بأمن الوطن. المادة المقصودة وهي 98 من قانون العقوبات.. يستخدم الآن مع من يدعون لتحكيم العقل وتنقية التراث مما يسيء للإسلام أو يساعد علي خلق عصابات التطرف، أو يجعل الجمود الفكري هو سيد الموقف بكل نتائجه التي يعاني منها العالم الإسلامي كله. خامساً.. هل من المعقول أن نكون اليوم أكثر انغلاقا مما كنا عليه منذ مئات السنين حين كنا نسير بقاعدة أن "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"؟! وهل من المعقول ان يغيب الوعي حتي عن حقيقة ان الأزهر الشريف يقوم منذ قرون بتدريس المذاهب الأربعة رغم اختلاف الأئمة في الكثير من الآراء، ودون ان يتهم أي منهم ب"ازدراء الأديان" كما نفعل الآن مع كل فكر مخالف أو أي اجتهاد مطلوب بعد ان أودي بنا الجمود الفكري إلي مواجهة عصر الدواعش واختطاف الخوارج للدين الحنيف. ليست قضية إسلام بحيري وحده بل قضية الخيار بين الجمود الفكري الذي قاد الأمة إلي ما هي فيه من تخلف وارهاب باسم الدين الحنيف.. أو إطلاق العقل وحرية الفكر والانتصار لصحيح الإسلام بعيدا عن فتاوي القتل ودعوات التكفير وطريق العنف والإرهاب. الخيار واضح .. والسؤال : أي طريق يختار.