حزني شديد علي ما فعله الإرهابيون في باريس وفي أهل باريس وفي فرنسا. لم أتوقف عند أي مناقشة أو تفسير. شملني الحزن العميق ووجدت نفسي أسال من الذي لا يحب باريس حتي تفعلون ذلك كله أيها المجرمون. من باريس جاءت الثقافة إلي مصر في العصر الحديث أكثر من أي دولة أخري في العالم. من فرنسا جاء العلماء في كل فروع المعرفة الروحية والمادية وعلي أفكارهم قامت نهضتنا الحديثة. قناطر محمد علي والمصانع الحربية والجيش المصري والعمارة المتوسطية العظيمة. من فرنسا جاءت صيحة اسماعيل باشا أن يجعل مصر قطعة من أوربا. من فرنسا عاد رفاعة الطهطاوي شيخ البعثة المعمم بأفكاره العصرية عن التعليم والديموقراطية. من فرنسا جاءت فكرة شوارع القاهرة ومصر الجديدة أن تكون مثل شارع الريفولي العظيم في باريس. من فرنسا عاد علي مبارك وطه حسين وتوفيق الحكيم وغيرهم ليبنوا نهضتنا العصرية. الي فرنسا كان مصطفي كامل يسافر ويخطب ويهز العالم في خطاباته ضد الاحتلال البريطاني. بل من فرنسا جاء نابليون بونابرت غازيا حقا لكنه ترك وراءه علما وعلوما وكتبا وعلماء جعلوا الحضارة المصرية القديمة حديث العالم. كثير جدا يمكن قوله عن تاريخ التحاور والتداخل الثقافي والتأثر بفرنسا وعلومها وفكرها وأدبها وفنها التشكيلي. إلي باريس سافرت أول مرة في عام 1994 فماكدت أصل إلي الفندق حتي تركته ونزلت أمشي في الشوارع تحف قدماي في الأرض وأقف أقرأ أسماء الشوارع وأتذكر الكتب التي قرأتها والروايات والأدباء العظام والمفكرين والعلماء المصريين الذين مشوا علي نفس الأرض وغرفوا من معارفها وعلومها وعادوا ليجعلوا حياتنا نورا تماما مثل فرنسا حتي جري ماجري من تحول علي البلاد وابتعدنا عن أوربا والبحر والمتوسط فامتلأت حياتنا بالعشوائيات. الإرهابيون البؤساء وهم بالفعل بؤساء رغم أفعالهم الشنيعة. هؤلاء يتصورون أن العالم سيضعف أمامهم. يتصورون أن فرنسا ستنهار أمامهم هم عملاء الجهل والتخلف والشيطان. سينتهون مثلما انتهت كل الحركات الإرهابية والخارجة عن التاريخ الإنساني وسيصبحون ذكري تافهة لايذكرها أحد إلا باللعنات وستظل فرنسا وستظل باريس رافدا عظيما للفكر والفن والأدب والحضارة. انشغلت بالاطمئنان علي أصدقائي لكني شعرت أن كل من مات أصدقائي. أنا الذي كنت أمشي أو أجلس فما يكاد من هو أمامي أو جواري يعرف اني كاتب حتي يبدي احتراما لا أرأه إلا عند الذين يعرفون معني ان تكون كاتبا أو فنانا. فمابالك وانت قد ترجمت أعمالك إلي لغته. ما أكثر الحكايات التي جاءتني من قراء لا أعرفهم لكنهم وقد عرفوا أني مصري بحثوا عمن يعرفني من دور النشر والهيئات الثقافية ليكتبوا لي مقدرين ما أكتب. سافرت كثيرا لم أجد مشقة بين الناس ولا في أي شئ أفعله. لم أقابل شخصا مسؤولا يكذب.وقتك كله لايضيع في شئ هدرا أبدا. تجد المساعدة حين تريد. تجد الرأي الصواب. يتوافر لك كل الوقت وكل ماتفعله في موعده ومكانه وزمانه. من الذي لايحب باريس وهو يمشي في شارع السان جيرمان ويجلس علي مقاهيه الشهيرة التي تزينها أسماء الأدباء العظام. من الذي لا تأخذه السعادة إلي السماءوهو يقف أمام نوتردام دي باري. وهو في السان ميشيل وهو في المتاحف العظيمة من اللوفرإلي سنتر بومبيدو. وهو يقف أمام برج إيفل. وهو في مونمارتر. وهو يقطع نهر السين علي السفينة الجميلة. آلاف الصفحات لاتكفي للحديث عن الجمال فما بالك إذا كنت سافرت إلي لاروشيل وكان وبواتييه وفيل نيف سير لوت وتولوز وغيرها من عشرات المدن الرائعة. أيها الإرهاب القذر ستموت وتهلك وتبقي فرنساوباريس عاصمة الدنيا.