سعر الريال السعودي اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالتزامن مع إجازة البنوك وبداية موسم الحج    مصرع أكثر من 29 شخصا وفقد 60 آخرين في فيضانات البرازيل (فيديو)    ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على منزلًا شمال رفح الفلسطينية إلى 6 شهداء    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    الخضري: البنك الأهلي لم يتعرض للظلم أمام الزمالك.. وإمام عاشور صنع الفارق مع الأهلي    جمال علام: "مفيش أي مشاكل بين حسام حسن وأي لاعب في المنتخب"    "منافسات أوروبية ودوري مصري".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    10 أيام في العناية.. وفاة عروس "حادث يوم الزفاف" بكفر الشيخ    كاتبة: تعامل المصريين مع الوباء خالف الواقع.. ورواية "أولاد الناس" تنبأت به    اليونسكو تمنح الصحفيين الفلسطينيين في غزة جائزة حرية الصحافة لعام 2024    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    العثور على جثة سيدة مسنة بأرض زراعية في الفيوم    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    أيمن سلامة ل«الشاهد»: القصف في يونيو 1967 دمر واجهات المستشفى القبطي    بركات ينتقد تصرفات لاعب الإسماعيلي والبنك الأهلي    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    مصطفى شوبير يتلقى عرضًا مغريًا من الدوري السعودي.. محمد عبدالمنصف يكشف التفاصيل    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    محمد هاني الناظر: «شُفت أبويا في المنام وقال لي أنا في مكان كويس»    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    رسميًّا.. موعد صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    ملف رياضة مصراوي.. هدف زيزو.. هزيمة الأهلي.. ومقاضاة مرتضى منصور    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    الأرصاد تكشف أهم الظواهر المتوقعة على جميع أنحاء الجمهورية    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    أول ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    الغانم : البيان المصري الكويتي المشترك وضع أسسا للتعاون المستقبلي بين البلدين    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    خالد منتصر منتقدًا حسام موافي بسبب مشهد تقبيل الأيادي: الوسط الطبي في حالة صدمة    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
نور علي نور
نشر في الأخبار يوم 20 - 10 - 2015

يأتي الضوء إلي الانسان، وأحيانا يبحث الانسان عن الضوء، يخرج للقائه، لاستكشاف تجلياته، هكذا سعت إلي طريق ذي ثلاث شعب
من أين، إلي أين؟
لكل الموجودات بداية، لذلك يحق لنا التساؤل عما لا يمكن إدراكه، أو استيعابه، أو فهمه بالممكنات المتاحة: هل يمكن تحديد لحظة ما في زمن ما بدأ فيها الضوء الأول؟
لكن، هل تحددت قسمات الزمان وعلاماته بميلاد الضوء أم العكس، وإذا استطعنا تحديد لحظة ولد فيها الضوء، فهل يمكن تعيين موضع ما في جهة ما؟، إذا كان ثمة بداية فهذا يعني لحظة، ولايمكن للزمان أن يوجود بدون الاقتران بمكان، إلي أي جهة يمكن أن نولي وجهتنا؟
الضوء الأول، الانبثاقة الأولي، بدء التدفق عبر الكون والمكونات، لحظة فتق النهار من الليل، لولا الظلمة ماكان نور، ولولا النور ما تعرفنا إلي الظلمة، متي بدأ الفتق؟ ومتي يرتق فتستوي الظلمات والنور؟
حيرة تؤدي إلي أخري، وطالما بقيت الحيرة تتوالد التساؤلات، لكن اذا تعددت فهذا يعني صحة المعي وتوهج الأمل بامكانية الوقوف علي إجابة.
أول ضوء
في المنطقة الحرجة، حيث يتواجه الجيشان، المتأهبان للنزال، يحتشد آلاف البشر في موضع بعينه بغية الشروع في الالتحام، الانقضاض، والماهر من يختار اللحيظة المناسبة لمباغتة خصمه، وحتي يتم ذلك يستمر الحرص والترقب، يكون الاستنفار عند أول ضوء وآخر ضوء، أول ضوء بداية حد فاصل، كذا آخر ضوء.
علامتان، فارقتان، مؤديتان، منبهتن، لابد من التزام الحذر عندهما، يلزم كل متأهب، متحفز مكانه.
«الوضع سكون..»
بقدر التزام الموقع، بقدر توقع الهجوم، لزمن طويل اعتاد المتواجهان وثبة أحدهم مع انبلاجة النور الأولي، أو سلافته الأخيرة.
أول ضوء بالنسبة للنهار الذي يصعب تحديد موقفعه بالنسبة لدورات الفلك، لكنه ليس النور الأول، انما هو اشارة إلي المصدر، ليس المصدر المعاين، المرئي، الماثل بقدر طبقا للمقادير المقدرة، الشمس مصدرنا، يقطع نورها المسافة التي تفصلنا عنها في ثماني دقائق، انه نتاج لهيبها المضطرم، عرض ناتج عن أتونها المتأجج، لشدتها لايمكننا التحديق اليها بحواسنا الباهتة، دوران كوكبنا حول نفسه يحدد اول ضوء منها وآخر ضوءلها، كذا دورانه حولها، لكنها ليست إلا وهج ميسور فتنجلي لنا الموجودات.
يسري النور في الساكن والمتحرك، في الحي والجماد، منه تحدد الافعال والمبادرات، ويكون التحفز.
رحيل النور
النورراحل أم مقيم؟
يقول المتفحصون، العارفون الباحثون عن القوانين التي تحكم الكون: للضوء سرعة، أمكنهم قياسها، وتحديد السرعات طبقا لنوعية الضوء، فما ينبثق عن النور أضواء متعددة، لايمكننا الا ادراك نوع واحد منه، يتناسب مع قدرات حواسنا المحدودة، فنري به أو يرانا، الضوء المعروف لنا ما نراه بأعيننا، ويسمي بالضوء الموتي، وهو جزء من منظومة كبري نابعة عن النور الأول، ما نعرفه ينتقل بمويجات شديدة الضآلة، ومثله أضواء لايمكن لحواسنا ادراكها، يسميها أهل العلم، اشعة اكس، اشعة جاما، الضوء فوق البنفسجي، وثمة موجات اطول للاشعة تحت الحمراء لايمكننا التعرف علي هذه المويجات إلا بأجهزة معلومة، لكن الضوء الذي يكشف لنا الفروق ويحدد الموجات، لاينتقل كمويجات فقط، انما كجسيم ايضا، اذن الضوء يعمل كموجة وكجسيم معا، الفارق الوحيد في الطريقة التي نرصده بها،جسيم الضوء يعرف ب «الفوتون»، والأمر مبسوط، مفصل، في مؤلفات أهل الاختصاص، منهم نعرف أن الضوء ينبعث من أجرام توجد في اعماق الفضاء السحيق البعيد عنا، بعضها قريب منا، شمسنا، يصلنا ضوؤها في دقائق ثمانية، ثمة شموس أخري أكبر حجما، تقدر المسافات الفاصلة بسرعة الضوء، منها ما يقع علي بعد آلاف السنين الضوئية، أو الملايين، ومنها ما يصلنا ضوؤه مع زواله، بلوغه الفناء الأتم، فكأننا نري العدم، وكأن آخر ما يبقي من الموجودات الضوء، فيمكن لنجم انفجر وتلاشي أمره ان يستمر ضوؤه راحلا إلي ما لا نهاية، إلي متي اذن؟ إلي أين؟ اين مستقر الضوء الراحل؟
واذاكان الضوء يرحمن مصدر إلي متلق، أو ينعكس علي أجرام سابحة مثل القمر والكواكب المعتمة، فإلي أين المستقر؟ لابد من مستودع، لأن ما يرحل، يعني أنه مسافر من موضع ولابد انه بالغ موضعا آخر، بدأ سفره في زمان ومكان، ومتجه إلي زمان ومكان يتلاشي امره عنده كما تلاشي مصدره.
إذن من أين إلي أين؟
هل يندمج في النور الأعظم؟
هل يمضي إلي فناء فيه، فلا يفني الضوء الا ضوء أشد منه، ولا ينهي الأشد الا الأفعل والامضي، الغاية القصوي التي ما هي الا البداية الأولي، فمعروف أن الامور اذا استدلت إلي أصولها فنيت، واذا ارتدت الفروع إلي الأصول ذوت، إذن.. إلام مسار الضوء؟ والي أين؟ هل نمضي به؟ أم يمضي بنا؟ كيف يمكن أن نستوعب مع محدوديتنا هذه؟، كان يمكن للضوء أن يرحل من أول إلي آخر، من مطلق إلي مطلق، من نور إلي نور، لاتتبدي دلالاته، ولا تعرف مدجاته، إلا أن الانسان الذي خلق ضعيفا، رأي به وحاول في اتجاهه، لعل وعسي!
ترحال النور
يرحل النور من مبتدأ لا نعرفه إلي منتهي نجهله، وما بين القوسين يدركنا وندركه، يتحقق ونتحقق به، فالنور يسري حتي يلقانا ونلقاه، نحتاج اليه لنبصر ونري، ويحتاج الينا ليفعل ويوجد، والرؤية به من خلال ابصارنا المقيدة بقدرات محدودة لاتكون إلا بقبس منه، بوشيجة منه، فكماأوضحنا، بعض ما ينتسب إليه لايمكننا إدراكه، يمر بنا ويتخللنا ولانراه، ولانري به، ما نبصر به، ما يبصرنا الضوء، يسطع أحيانا فنعشي، ويخفت حينا فنحدق بالبصر مدققين، يشتد حينا ويلين حينا، نعيه ونغفل عنه، عيون تمتلئ به ولاتعيه، وعيون تريه ما لايراه غيرها، تبصر به الموجودات، تنتبه إلي الفروق، إلي الاصول والظلال، إلي الاسس والفروع، وكان ممكنا أن تذوي تلك الرؤي الخاصة، لولا جهد الانسان لمحاولة تقييد اللحظة الفانية، تثبيتها إلي حين، فلا شيء يبقي ابدا إلا وجهه الكريم، كثيرة مجاهدات الضوء التي عرفتها، مبدعون أوتوا القدرة علي الحوارمع النور، استيعابه، فهمه، التعبيرعنه. جلهم لجأ إلي الألوان، والألوان كلها منبعثة من النور، إنه الأصل لكل هذا التنوع الخصب، أحيانا يسفر لنا الخالق عن بعض من السر، تلك اللحظات التي تعقب نزول المطر، اذ ينجلي بعض من ثقيل الغمام، يصل الأفق الداني بذري السماء ذلك القوس الكوني، مجمع الألوان، ماثل للعيون وغيرمتاح ادراكه، قوي، واهن، هذا التنوع كله من الأبيض، الابيض أصل الألوان، مثل الألف في الحروف، قائم بذاته، متوحد، مكتف، لايحتاج إلي الحروف الأخري، لكنها لاتكون الا به، كذلك الواحد في العدد، وهكذا الابيض لب النور، ولكن اذا قلنا بالنور فقط فلايكتمل المعني، لابد من ذكر الظلمة، فالابيض والاسود صنوان، رغم الضدية الماثلة، الكامنة، وما بين كليهما أمة من الدرجات والفيوضات اللونية.
هذا عين ما أدركته عبر المجاهدة والتأمل، انها محاولة استيعاب الضوء لتفهم الكون ولنفسره ايضا، عندما تقع عيناي علي صورة بقدر تطلعي إلي دقائقها وشموليتها بقدرما أفكر في صاحب النظرة الذي أدرك ورأي ما لم ير غيره، اجتهد وسعي فوقف علي ما لم يبصره آخرون حتي وان مثلوا معه، وتطلعوا من عين الموضع، لكن أني لهم مكونات الرائي؟ هذا ما نشهده عبر تلك اللحيظات الدقيقة التي أمسكت بها البصيرة خلال مجاهدتها مع الضوء لينظم ديوان النور.
ثلاث شعب
يأتي الضوء إلي الانسان، وأحيانا يبحث الانسان عن الضوء، يخرج للقائه، لاستكشاف تجلياته، هكذا سعت إلي طريق ذي ثلاث شعب.
الطبيعة التي لم يقر بها بشر.
العمارة التي أقامها بشر.
البشرأنفسهم.
أحينا تري الإنسان في المكان، ممر صغير تحدوه الحشائش، يمضي إلي البحر، فكأنه قبس من الجسد الانساني، أو اشارة إلي الممر الذي تسلكه الحياة في بدايتها وتكونها وميلاد نهايتها.
وأحيانا ترصد في الموضع المحدد بجدران وأعمدة وتعيين مسارات الضوء، رسائل خفية تستعصي فك شفراتها الا لمن أوتي القدرة علي أن يفهم.
وأحيانا تري في وضع انساني، داخل مقهي، أو في قارب علي سطح بحيرة أو في مطلع نهار، تري فيه اقترابا من التفسير، اقترابا وليس ادراكا، لأنه لوحصل الادراك الكامل بطل السعي، ولكم يحتاج الأمر إلي تفصيل لندرك بعضا مما ترينا إياه.
الضوء المتنوع
الضوء واحد، لكنه متعدد، ذلك أن جوهره واحد، لكن مصادره متعددة، موزع عليها، الشموس، النجوم الأقاصي، لكن أيا كان المصدر فهو واحد يسري من اللامكان واللازمان إلي اللانهاية التي يصعب تحديدها أو الوقوف عليها.
أقرب مصدر الينا الشمس التي يدوركوكبنا في فلكها، النجم الملتهب بنيران كونية يشع ما يمكن لعيوننا أن تبصر به، عيوننا وسيلة، انما هي نتاج أيضا للضوء بقدرتها علي تلقيه واستيعابه والابصار به.
يصل الضوء إلي الموضع الذي نعيش عليه وسنموت فيه، كوكبنا، فيتنوع الاصل، تعترضه الغيوم فيرق، وتصفو السماء فيشف، وطبقا لظروف عديدة بعضها ندركه وكثير لم ندرك اسراره بعد، يتنوع، يترقرق عند الزوايا، عند التقاء اليابسة بالبحر، عند ادراك الموجة للموجة، عند انعكاسه علي عرض البحر حيث الشواطئ تبدو، عند إدراك شواشي النبات من شجر ونخيل وحشائش في عمق الغابة أو علي الشاطئ أو علي جانبي الدغل أو في ممرات حقيقية او لاعتراض المسار بواسطة بناء من نحت الطبيعة أو تشييد الانسان.
من لحظة إلي لحظة يتنوع، الضوء في هذه اللحيظة غيره في التالية، لكنه في جميع الأحوال واحد، والفعل الانساني يجاهد لاقتناص الضوء، لتثبيت الاشياء، الموجودات كما تبدو به ومن خلاله، وما يجيش في النفس ينعكس علي الحضور، هكذا يمكن لنا أن نخمن مايجول، ما يعتمل اذ الضوء عند شاطئ بحر، أو ما بين الماء والهواء حيث تمثل الاشياء كلها، أو عند محاولة تأطير الضوء، أو للإمساك بجوهر التباين،فالظلال ضرورية كما أن النور أساسي لها، لا يمكن أن توجد بدونه، النور ظل، والظل نور.
النور المطلق
إنه ذلك الجوهر الذي لا يمكن تحديده أو الامساك به أو تعيينه، راحل ابدا من الأزل إلي الأبد، يشع من هناك،من هنا، من جرم كوني كبير، من مصباح صغير، يبدو للناظرين قويا، منبلجا أو ساطعا، أو خافتا، لكنه واحد.
ربما يدرك الانسان جوهره في وريقات شجر انفصلت عن اصولها، تناثرت فوق ارض مزروعة أو غصن شجرة عتيق، أو عند اختلاف لون المياه طبقا للعمق، والموجودات في الفراغ.
احيانا يشرق النور من داخل الإنسان، لحظة بزوغ فكرة أو اكتمال خاطرة، يكتمل النور الداخلي عند الابصار بالنور السارح من بعيد إلي بعيد، فتبدو الأبصار المحدودة رهافة الوجود.
تأطير الضوء
ما من نور مقيم، دائما يرحل، يعبر، أحيانا يحاول الانسان تأطيرالضوء، وسيلته إلي ذلك البنيان، العمارة، اذ تقوم الجدران، تتخللها الكوات، النوافذ، يخيل للبصر أن المسار قد حاد.
تتبعت عبر العمائر القديمة مسارات الضوء في معبد ابيدوس، دندرة، قبة قلاوون، البنيان الفريد لابن طولون، منذ أن بدأ تشييده، وللضوء مسالكه، عبر فتحات الجدران، أحيانا يتحدد، عمود نافذ يتبع الميل الكوني المحدد، يكشف ذرات الغبار الهائمة، يخيل لمحدود البصرأن الشعاع يبدأ وينتهي، ان الجدران تؤطر النفاذ، والحقيقة أن هذا الضوء النافذ ليس إلا جزء من النور الكلي، القديم، الجامع.
ترمز القباب إلي السماء، وعند اكتمال عمارتها يحاول الفنان المسلم استحضار النور، بدونه لا يمكن ادراك التفاصيل أو تمام التمييز، في المسار يضع الانسان شرائح الزجاج الملون، اصفر، ازرق، احمر، اخضر، تترقرق لمحات الضوء فوق الاعمدة الحاملة، او الارض المنبسطة، المغطاة برقيق الرخام، انه ماء الضوء الملون، لا يمكث الا لمدة محدودة، فالفلك يدور، وما من شيء يثبت علي حاله، لوجري ذلك لصار عدما، الألوان تمتزج، تتداخل، تنتقل من موضع إلي موضع، يخيل للانسان حسير البصر أنه يؤطر الضوء في مكان، والحقيقة أن النور يؤطر الكافة.
يخيل للانسان انه يلون الضوء، والحقيقة أن النور من خلال ما يعترضه يكشف عن بعض مكنونه، فالنور لايصبح أحمر لأن الزجاج لونه أحمر، ولكن لأن الأحمر كامن في الضوء، وبمرور الألوان من الأحمر-مثلا- تنتفي كلها عدا الأحمر فيكون ظهوره.
أحيانا تتجاور الظلال، تنبسط خلال الأروقة، ومن فرجة خفية ينفذ بعض من النور، فيكاد المرئ ان يدرك، أن يقف علي شفا، لكنه لا يلم الا بقبس، لعل الفن والتأمل يصون لنا بعضه.
ذاكرة الضوء
لقائي بالموسكيتا من أهم محطات عمري وترحالي، الموسكيتا أي المسجد في لقائي الاسبانية، واني لمورد بعض ما رأيت في قرطبة، بعد عبوري باب النخيل إلي المسجد المهجور من أهيل مودته:
بمجرد اجتيازي المدخل، أواجه صمت الأعمدة الضاج بالحنين، انتبه إلي سفري عبردرجات الضوء، عبر حالاته المتغيرة، المتقلبة، انها ذاكرة الضوء ومراحله منذ وجود الومضة الأولي.
مع تمام ولوجي جري استسلامي لذلك النور الخافت، المؤثر، الفياض بشجن الكون، نور هادئ خالص من الكدورات، يلغي ماعداه، يتخلل الاطراف ويلغي الشعور بالجسد وما يحوي، شيئا فشيئا أطفو ولا أخطو، غير أن ما حيرني تساؤلي عن مصادره، عن منابعه، وطول سعي لم أكف، حتي أيقنت أنني مواجه بأمر لم أعهده، وأنني بعده غير ما كنت عليه قبله، الأعمدة نحيلة، اقطارها متقاربة، يمكن اعتبارها أنوثية أو ذكورية، تنبئ بهما معا فهي جامعة.
تفد الأشعة منبعثة من الحجر، صادرة عن مسام لا تري، صخر مجوهر، لون يلد لونا، لكل قوامه وامكانياته، الأصفر والأحمر والازرق أصول لاتستحدث، أما الابيض والأسود فلاسبيل، وما من شعب مؤد اليهما. مع الامعان في الولوج تختفي الالوان الاصلية، يمكن الاستدلال علي حضورها، في توالي الأطياف، لكن كلها لا معني لها الا بالابيض، بالنور.
لكن ما لم أقف عليه، ما لم اقرأ عنه، ما لم يخبرني به أحد، ذلك الكون غير المنظور، يبدأ من هنا وينتهي هناك، الضوء هنا كون متكون مكون يكتفي بعناصره، اذ أعتم الخارج بقي علي حاله، اذا أظلمت المصادر لم يكف، اذا قام حجر انبعث منه، اذا أوصد باب صدر عنه، اذا عشيت عين بدا لها كما تريد، كما يهوي صاحبها.
أنثني إلي شخوص الأعمدة، متفرقة، شاخصة، ناظرة، حتي المناطق العلوية او المعتمة فثمة ايماءات واردة منها وضرورة، إظلامها الخفيف جاء بترتيب مقصود، فلو أن الضوء سري من المركز إلي كل الأطراف، لو أنه قصد النواحي كلها وسائر الزوايا والاركان لما أمكن رؤيته أو الابصاربه أومعرفة الظل من نقيضه، فالنور لا يعرف بالنور، انما بالعتمة.هكذا.. لا يمكن إدراك القوة الا من خلال الوهن، والسطوع عبر الخفوق، كلاهمالازم، وبدون الامتثال لا يمكن ادراك أو فهم تلك الزرقة، والحمرة، والشقرة الصهباء، وسكينة الحجر المتراص. أمضي في السجود صوب لب القصد، وجوهر الوقت، مستوعبا المكان كله عندي، بأقسامه ومدارجه ومراحله، وكل تلق ممكن واستيعاب محتمل، أضمه ويضمني، غير أن التمام يعني دنو الرحيل، ألم يقل السابقون اذا اكتملت الراحلة ذهبت؟
يتماس مرفقي بمقدمة ركبتي، علي مهل أزداد اقترابا من هيئة الطائر، تتزايد عندي الرفرفة، أعي خفتي وبدء اقلاعي، أغمض عيناي لليسر والنشوة الفاعلة، كلاهما لم أعهده من قبل، أسري عبر الضوء، يصبح الموضع كله في متناوله، انفذ من سائر الكوات.
فراغ يفيض بتلك الشقرة الضوئية، بريقات ضوئية تبثها شمس أصيلية محدقة، وعند الأصيل يدنو الابيض من الاسود، ينبئ النور بالعتمة الدانية، الموشكة، وبقدر التضاد يكون الاحتواء.
أبيض وأسود
الابيض والاسود أصل الالوان رغم أنهما ليسا بلون كما قال بعضهم واكدوا، اقول بعد إمعان، الابيض والاسود، اصل الموجودات، مجمع الألوان كلها حيث يخيل اليهم انه لا لون، هؤلاء لم يروا.
كمون
ليت الضوء يدرك ما يمر به ذاكرة الضوء في ترحالها كاشفة.
أدركت سريان النور في الوجود كافة، فماذا يعني تسمية هذا الشاطئ، او تلك الزاوية، اوهذا الركن من المقهي الذي يجلس اليه بعض البشر، أوهذه النقطة من الصين التي تبحر عندها سفينة نهرية تمتزج بالضوء، فنتساءل، حقيقة أم وهما؟
النور محيط، نافذ في أدق الجزيئيات، فماذا يعني التخصيص أو التعيين؟، لقد ادركت فلم اسم الاشياء بمسمياتها، نحن الذين نري وننسب هذا إلي ذاك، وذاك الينا، فما نحن الا مبصرون بالنور، والي النور نسعي، والنور الذي نبصر به، ويكشف لنا الموجودات، هو نفسه يشدنا، بل يعمينا اذا زاد عن حده، واذا تجاوز مقداره، وعندئذ يتساوي القرب بالبعد، والأول بالآخر. اذا ما دققنا بالبصر الحسير الذي ينقلب لحظة المواجهة والاستيعاب إلي بصر حديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.