أيها الأخوة المواطنون: جلست أتابع بالأمس المظاهرات التي انطلقت في يوم جمعة الغضب. وسمعت الهتافات المدوية التي وردت علي لسان الملايين من المواطنين المصريين في ميدان التحرير في القاهرة وفي ميدان القائد ابراهيم في الاسكندرية وفي العديد من الميادين في الكثير من المدن المصرية في السويس والمنصورة والمحلة وطنطا والسويس وغيرها . وجلست أفسر ما جاء فيها من مطالب واكتشفت انني بالفعل غاب عني أن أتابع بنفسي ومن دون وسطاء ما يفكر فيه شباب مصر وما يعاني منه شعب مصر. وكم ساءتني تلك المشاهد البشعة لقوات الأمن المركزي التي استخدمت ضدكم كل أنواع السلاح لفض مظاهرة ميدان التحرير باستخدام خراطيم المياه ثم قنابل الغاز المسيل للدموع ثم الرصاص المطاطي وأخيرا الرصاص الحي . وتابعت بكل الغضب حالة الغياب الأمني في كل أنحاء الجمهورية في ظل فلتان أمني مقصود ومؤامرة لن أستريح ولن يهدأ لي بال إلا بعد معرفة المسئولين عنها ومحاكمتهم بتهمة الخيانة العظمي أمام محكمة عسكرية علنية ليس فقط علي حالة الفزع واطلاق المجرمين من البلطجية وقطاع الطرق والمساجين من مختلف السجون المصرية ولكن في ظل قرار غبي بإلغاء الاتصالات عبر الهواتف المحمولة وقطع الاتصالات عن طريق الشبكة العنكبوتية الانترنت. وقبل الحديث عن الرسائل التي تلقيتها منكم بطريق غير مباشر والقرارات التي اتخذتها بهذا الشأن دعوني أعتذر لكم ايها الشعب العظيم عن تلك الخطايا التي ارتكبت في حقكم وبخاصة قرار اطلاق الرصاص المطاطي أو الحي فقد صبغ هذا القرار فترة حكمي كلها بدماء طاهرة وأنا أتحمل المسئولية الكاملة عنها . وأتقدم بخالص التعازي لأسر هؤلاء الشهداء من ضحايا الجنون الأمني البوليسي وبخالص الاعتذار لأهالي المصابين وسوف أكلف الحكومة الجديدة بضرورة تقديم تعويضات مناسبة لأسر الضحايا . وبدلا من اضاعة الوقت أقول انني استطعت إجمال مطالبكم في أولا: محاسبة المسئولين عن تزوير الارادة الشعبية في الانتخابات التشريعية لمجلسي الشعب والشوري والتي أدت بكم الي الشعور بالقهر والاحباط وضياع الأمل في المستقبل. ثانيا : خيبة الأمل في التعديلات الدستورية خصوصا تلك المتعلقة بإلغاء الاشراف القضائي الكامل علي الانتخابات وهو ما أدي الي لجوء الحزب الوطني الي التزوير الفج. ثالثا : عدم حسم قضية تعيين نائب للرئيس علي مدي نحو ثلاثين عاما وهو ما يزيد من القلق علي المستقبل وهو أيضا ما جعل الحديث يكثر عن قضية توريث الحكم لابني الأكبر جمال . رابعا : عدم وجود اية أبعاد اجتماعية في استراتيجية عمل الحكومة السابقة برئاسة الدكتور أحمد نظيف . خامسا : الخلط الخاطيء بين السلطة والمال من خلال وجود الوزراء وكبار المسئولين من رجال الأعمال في الحكومة. سادسا : سياسة القمع التي اعتمدتها وزارة الداخلية علي مدي السنوات الماضية من جانب جميع أجهزتها وتدخلها في مختلف مناحي الحياة بشكل مرفوض. سابعا : الخلط الخاطيء بين الحزب الوطني الحاكم والدولة بشكل جعل منه حزبا سلطويا ديكتاتوريا. ثامنا : عدم اتخاذ قرارات عملية لمواجهة المفسدين الحقيقيين والفاسدين الاصليين. واصدقكم القول إنني وجدت نفسي كمن أفاق فجأة علي صورة سوداء شديدة السواد منعني من تبين ملامحها - ولنكن صرحاء - عامل التقدم في السن بعد ثلاثين عاما حملت فيها علي عاتقي أحمالا تنوء منها الجبال والحالة الصحية التي تدهورت مؤخرا خصوصا بعد فقدي لحفيدي الذي كنت متعلقا به ايما تعلق وكذلك عامل اعتمادي علي أصحاب الثقة وليس أصحاب الخبرة والكفاءة في ادارة شئون الدولة مما أدي الي مجموعة من الأخطاء السياسية أعرف تحديدا من يتحملها. ومن هنا فإنني فقط أرجو من أبناء الشعب المصري العظيم أن يغفروا لي وأن يتذكروا بداية الظروف التي توليت فيها السلطة في مصر وهي ظروف أنتم تعلمونها قبل غيركم وأننا كنا ندخل من مشكلة الي مشكلة ومن أزمة الي أخري فمن ينسي سنوات الارهاب التي استمرت طويلا وأبعدتنا عن التفكير في العودة الي القوانين الطبيعية واستمرار حالة الطواريء في مصر ولا ننسي ايضا الظروف العصيبة التي عاشتها مصر والعالم العربي بل والعالم كله خلال السنوات الثلاثين الماضية من أزمات سياسية واقتصادية وكوارث طبيعية . وحتي لا أطيل عليكم فإنني أعلن عليكم في هذه اللحظة التاريخية الفارقة مجموعة من القرارات التي أتخذتها استجابة لمطالبكم التي تحولت الي صراخ من قلوبكم وعلي رأسها اتخاذ قرار بتقديم اللواء الحبيب العادلي وزير الداخلية الي المحاكمة العاجلة بتهمة الخيانة العظمي بالانسحاب من كل المواقع الأمنية في وقت واحد وبعدها اليكم هذه القرارات : أولا : تكليف الفريق أحمد شفيق بسرعة تشكيل حكومة تخلو تماما من رجال الأعمال في اي من مواقعها وابعاد أية شخصيات تكون قد دخلت في مواجهة مع مطالب الشعب منها. ثانيا : تعيين اللواء عمر سليمان نائبا لرئيس الجمهورية وتكليفه بإجراء حوار موسع مع كل القوي المعارضة بما فيها جماعة الاخوان المسلمين وغيرها . ثالثا : استبعاد المهندس أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطني عن موقعه وعن عضوية هيئة المكتب ومنعه من السفر وتجميد كل أرصدته في البنوك واستبعاد كامل هيئة الحزب الوطني بمن فيها الأمين العام صفوت الشريف وجمال مبارك الأمين العام المساعد ورئيس لجنة السياسات ومفيد شهاب وزكريا عزمي وعلي الدين هلال. رابعا : تعيين الدكتور حسام البدراوي أمينا عاما للحزب الوطني الديمقراطي وأمينا للجنة السياسات ومعه مجموعة من الوجوه السياسية البعيدة عن استغلال النفوذ في هيئة مكتب الحزب الوطني. خامسا : تشكيل لجنة من جميع قوي المعارضة ومعهم ممثلون عن شباب الثورة لوضع خطة عملية بقرارات تستهدف تحقيق كل المطالب بما في ذلك التعديل الدستوري للمواد 76 و77 و88 واية مواد أخري ووضع الوسائل الدستورية لتحقيق ذلك . سادسا : التطبيق الفوري لأحكام القضاء الاداري والادارية العليا المتعلقة بإثبات بطلان الاجراءات الادارية في تلك الانتخابات واسقاط العضوية فورا عن كل من جاء بانتخابات ثبت بطلان اجراءاتها لأن ما بني علي باطل فهو باطل ثم مطالبة وزارة العدل بسرعة الفصل في الطعون المقدمة في نتائج الانتخابات وقيام المجلس علي الفور بتنفيذ أحكام القضاء . سابعا : الافراج الفوري عن كل المعتقلين السياسيين من السجون المصرية ومنحهم الحرية الكاملة لممارسة كل الأنشطة السياسية بدون أي تدخل من أية سلطة بغير صحيح القانون . ثامنا : التحرير الكامل للاعلام المصري الرسمي ودعوته الي البعد عن عمليات التعتيم المقيتة والتعامل بشفافية واتاحة الفرصة أمام مختلف القوي السياسية لابداء آرائها بحرية كاملة عبر وسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية التي تعتبر ملكيات عامة للشعب المصري . الأخوة المواطنون لقد حاولت جاهدا أن تكون قراراتي معبرة عن كل تطلعاتكم مؤكدا أن بقائي علي رأس الدولة مشمول بمهمة واحدة ومحددة هي الاشراف علي كل اجراءات تسليم السلطة بطريقة دستورية سليمة من أجل وضع أساس يسمح للوطن الغالي بالانتقال بمشيئة الله تعالي الي المكانة التي يستحقها ضمن أعظم دول العالم. لقد عشت خادما لهذا الوطن وأتمني أن تنتهي حياتي خادما لهذا الوطن الحبيب . بسم الله الرحمن الرحيم " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك علي كل شيء قدير".. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ملحوظة : كان هذا هو نص الخطاب الذي توقعت ان يلقيه الرئيس حسني مبارك ظهر السبت 29 يناير علي أقصي تقدير.. ووقتها كان يمكن أن تتوقف كافة مظاهر الثورة والتظاهر .. ولكن الرئيس اتخذ مواقف وأصدر قرارات بالقطعة هي ببساطة تعني انقلابا كاملا وثورة غير مسبوقة في أسلوب واستراتيجيات الحكم لكنها فقدت قيمتها رغم كل الجهود التي بذلها ويبذلها نائب الرئيس عمر سليمان ورئيس الوزراء الفريق أحمد شفيق لأنها فقدت وصف الصدمة وأصبح الرحيل فقط هو الباقي.. بكل أسف.