لك ان تتخيل ان درجتين فقط تحرم عشرات الآلاف من طلاب الثانوية العامة من الالتحاق بكليات القمة،ليجدوا احلامهم التي عاشوا وقاتلوا من اجلها علي مدار عام كامل قد تحطمت واصبحت سرابا، ولا يوجد امامهم سوي الالتحاق بالجامعات الخاصة، ولكنهم يصعقون بمجرد الدخول الي صالات التقديم بتلك الجامعات، ليجدوا ان اسعار تلك الكليات جنونية ، فقد وصل الحد الادني للرسوم الدراسية لكلية الطب علي سبيل المثال 60 الف جنيه، وطب الاسنان 45 الف جنيه وكلية الصيدلة 40 الف جنيه، والاعلام والتجارة والاقتصاد 30 الف جنيه سنويا. مما يعني ان ثمن شهادة الطب تصل 420 الفا والاسنان 270 الفا والصيدلية 240 الفا والكليات النظرية اكثر من 120 الف جنيه. وكأن تلك الجامعات الخاصة قد رفعت شعار «لابناء الاغنياء فقط»، دون ان تنظر الي المستوي العلمي للطالب.. «الأخبار» تفتح ملف الجامعات الخاصة وجنون الاسعار الذي اصابها في ظل ارتفاع تنسيق القبول بكليات القمة الحكومية كما تناقش مدي التزام تلك الجامعات الخاصة بمعايير الجودة ودور وزارة التعليم العالي في مواجهة الاستغلال والارتفاع الجنوني في المصروفات. بداية جولتنا كانت بجامعة اكتوبر للعلوم الحديثة والاداب الواقعة علي طريق الواحات بمدينة 6 اكتوبر، توجهنا الي المبني الذي يتم به تقديم طلبات الالتحاق، كان المشهد مثيرا للدهشة نتيجة للاعداد الكبيرة من قبل الطلاب وبصحبتهم ذويهم للتسابق علي التقديم ،التقينا بعدد من الحاصلين علي الثانوية العامة وكذا عدد من الطلاب الدارسين بكليات الجامعة. كان اول لقاء مع احمد فتحي طالب بالسنة الرابعة بكلية تجارة انجليزي، قال انه فضل الدراسة في جامعة خاصة لارتفاع مستوي جودة التعليم مقارنة بالجامعات الحكومية، واضاف انه حين تقدم للالتحاق بالجامعة كانت مصاريف الكلية قد بلغت 13 الف جنيه، ولكن هذا العام ارتفعت المصروفات الدراسية لهذه الكلية الي 17 الف جنيه حيث ان المصروفات تزيد بنسبة 5٪ كل عام وهذا يسري علي جميع الجامعات الخاصة ، مضيفا ان ما يميز هذه الجامعة ان الطالب سيحصل علي شهادة تخرج في الجامعة، بالاضافة الي شهادة اخري من احدي الجامعات الخارجية ببريطانيا، مشيرا إلي ان هذه الشهادة لها رسوم اخري وتختلف قيمة هذه الرسوم حسب نوع الكلية، فبالنسبة لطلاب هذه الكلية تصل قيمة رسوم شهادة التخرج البريطانية في العام الواحد 310 جنيهات استرلينية اي ما يعادل 3.500 جنيه مصري، فيما اكد زميله محمود محمد انه عقب التحاقه بهذه الكلية كانت تقبل 65٪ تقريبا، بينما الان لا تقبل تقدير اقل من 75 ٪، مضيفا انه راض علي مستوي التعليم في كليته لان الاساتذة علي مستوي عال من الكفاءة والخبرة. متفوق ولكن! كما التقينا بوالدة طالب رفضت ذكر اسمها، قالت انها من محافظة الغربية وحضروا الي هذه الجامعة للتقديم لنجلها، وروت ان نجلها حصل علي تقدير 93٪ في الثانوية العامة تخصص علمي علوم وبسبب ارتفاع تنسيق كليات القمة حيث وصل الحد الادني للمرحلة الاولي علمي علوم الي 96.7٪، وبالتالي من الصعب الحصول علي فرصة الالتحاق بأي منها في المرحلة الثانية حيث ستكون جميع كليات القمة ليس بها مكان، واضافت ان نجلها يتمني ان يلتحق بكلية الصيدلة حيث ان الجامعة وضعت تنسيقا داخليا بها، وان شرط الالتحاق بكلية الصيدلة في الجامعة هو الا يقل التقدير العام عن 90٪، وبكلمات ممزوجة بحرقة وألم قالت والدة الطالب: «يعني رغم ان ابني جاب تقدير 93٪ معرفتش افرح وكذلك اي اسرة حصل ذويهم علي تقديرات مرتفعة، لان ببساطة اللي جاب 90٪ زي اللي جاب 96٪، والنتيجة ان الاتنين معرفوش يدخلوا جامعة حكومية، وكأنهم متفوقون مع ايقاف التنفيذ»، واوضحت ان قيمة المصروفات الدراسية لهذه الكلية تبلغ 46 الف جنيه في العام الواحد. 1٪ فقط ابراهيم عبد العزيز عاشور تخرج من الثانوية العامة بتقدير 95.85٪، حضر الي جامعة اكتوبر للعلوم الحديثة لسحب اوراق الالتحاق بكلية طب الاسنان، بعد ان فشل في الالتحاق بها باي جامعة حكومية بسبب ارتفاع تنسيق القبول بالجامعات، وتساءل والده: هل يعقل ان تتحمل الاسرة مبلغ 50 الف جنيه في السنة علي اقل تقدير في العام الواحد نظير الحاق نجلها بكلية صيدلة خاصة بسبب ان تقديره يقل 1٪ فقط؟. تعليم فاشل! في السياق ذاته ابدي د. محمد حامد استاذ بكلية الاداب جامعة عين شمس استياءه من منظومة التعليم في مصر، متسائلا: «يعني ايه كليات قمة، يعني ايه يكون الحد الادني للتنسيق 97٪ علمي علوم، ويعني ايه طالب يكون تقديره العام 100٪ ؟ فهذا معناه ان في مصر عباقرة، اذن فلماذا سبب تدهور التعليم في مصر»، كما ابدي استياءه من عمليات الغش وتطورها بشكل مخيف التي اصبحت ظاهرة سنوية ،كما تساءل: كيف يحصل طالب علي تقدير 99٪ ويصبح من اوائل الجمهورية وهو لم يكن يذهب الي المدرسة طوال العام ؟ مؤكدا انه لا بد من وقفه من قبل الدولة، واضاف ان نجله ادهم يشكوا من عدم حصوله علي حقه مؤكدا انه ظلم في عمليات تصحيح اوراق اجاباته، واضاف انه حضر مع نجله للتقديم له في كلية علوم الحاسب بالجامعة لكي يريح ضميره، منوها ان المصروفات الدراسية لهذه الكلية في العام الواحد تصل الي 31 الف جنيه ، هذا غير ما رسوم طلب الالتحاق وقدرها 500 جنيها لا تسترد، بالاضافة الي مصاريف ادارية اخري ورسوم شهادة التخرج البريطانية، منددا بالارتفاع الجنوني لمصروفات الكليات الخاصة، مشيرا إلي ان كثيراً من الاسر لا تستطيع ان تتكفل بمصاريف ترم واحد لاي كلية خاصة وفي نفس الوقت لا يستطيعون ان ينظرون الي نجلهم المتفوق الذي حصل علي اعلي التقديرات في الثانوية العامة ولم يتمكن من دخول الكلية التي كان يحلم بها حيث يصبحون عند مفترق طرق، وطالب د.محمد وزير التعليم العالي د. السيد عبدالخالق بضرورة تغيير منظومة التعليم في مصر، حيث يجب ان يخضع اي طالب تخرج من الثانوية العامة رغم حصول الي تقدير عال لاختبار قياس قدراته ومستواه العلمي وسيكون هذا من العدل لاي طالب، فيجب القضاء الي الدروس الخصوصية. البحث عن مكان استكملت «الأخبار» جولتها بجامعة خاصة اخري وهي جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، نفس المشهد يتكرر امام اعيننا من حيث الاعداد الكبيرة من الاهالي الذين حضروا الي الجامعة للتسابق علي التقديم لذويهم، كل من التقينا به من الاهالي كانوا قد ذهبوا لاكثر من جامعة للتقديم لذويهم خوفا منهم علي الاعتماد علي جامعة واحدة وتكون النهاية عدم قبولها للطالب، كان اول من التقينا بها اسرة مكونة من4 افراد حضرت في هذا اليوم للتقديم لابنتهم وتدعي اروي، تعجبت في البداية من علامات الحزن والغضب التي لم يستطع افرادها اخفاءها علي وجوههم، ولكن زال اندهاشي حين علمت من والد الطالبة ويدعي عادل قاسم ان ابنته حصلت علي تقدير 96.4٪ علمي علوم ولن تتمكن من الالتحاق بكلية الصيدلة في اي جامعةحكومية، وقال بكلمات يتخللها الالم والحسرة انه لم يكن يتخيل ان تلتحق ابنته بجامعة خاصة، فقد كانت متفوقة في الثانوية العامة وكنا علي يقين انها سوف تلتحق بكلية الطب او الصيدلة، وعندما قمنا بالتظلم في مادة الجيولوجيا فوجئنا بوجود سؤالين كانت اجابتهما صحيحة ولم يقم المصحح باعطاء درجات علي السؤالين وهذين السؤالين يقدران بدرجتين ونصف الدرجة اي اكثر من 1٪، وهذا الرقم لو اضيف علي التقدير العام فسوف يغير مصير ومستقبل ابنتي طوال حياتها، ولكن ماذا نفعل وفلا املك سوي قول «حسبي الله ونعم الوكيل»، اما والدة اروي فعبرت عن مدي حزنها وألمها من هذا الامر، قائلة: «تحطمنا، ومن وقتها وانا شايفه الدنيا سوداء»، فلم يكن امامنا سوي ان تلتحق بكلية صيدلة خاصة حتي ولو بعت كل ما املك في حياتي من اجل سعادتها وتحقيق حلمها، مشيرة إلي ان قيمة المصروفات الدراسية في العام الواحد 41 الف جنيه هذا بالاضافة الي مصروفات ادارية وصيانة معمل وكمبيوتر وباص والتي تصل تقريبا الي 7 الاف جنيه، بينما تصل قيمة المصروفات لكلية الطب الي 60 الف جنية. استياء وعن مستوي وجودة التعليم بالجامعة، التقينا بعدد من الطلاب مازالوا يدرسون، رنا مجدي طالبة بالفرقة الرابعة بكلية اللغات والترجمة، قالت: «بصراحة هخرج من الكلية زي ما دخلتها، فلم استفد شيئا، حيث التحقت بهذه الكلية من اجل دراسة لغة اجنية، واخترت اللغة الايطالية والاسبانية، ولكن طوال السنوات الاربعة لم اتمكن من اجادة اي منهما بشكل متقن، مشيرة إلي انها حين التحقت بالكلية كانت رسومها تبلغ 12 الف جنيه تقريبا، بينما تصل هذا العام الي 16 الف جنيه، فالتعليم هنا الاعتماد علي الدراسة النظرية اكثر من الجانب العملي.