ترويض الأفيال هذا في السياسة الدولية الحديثة جاء تشبيها لأحد كتاب الغرب وقرأته من وقت بعيد إنما مازال عالقا بذهني، وجدت فيها معلومة شائقة وفي الصميم وتطبق بممارسة علم الترويض النفسي مع ذوي المقدرات العالية في السياسة أو المقدرات التي يراد تعطيلها أو ترويضها وفق ما يراد... فكيف استطاع العقل البشري أن يروض الافيال تلك التي هي أقوي الكائنات الحية علي الأرض قاطبة ؟!... عندما حدث ووضع العقل البشري في خدمة المراد تحقيقه في السياسة الدولية، طبقوا ما يحدث عند ترويض الفيل... يبدأون بالدولة الفيل منذ البدء الفيل هنا وهو في السن الصغيرة، يحكم وثاقه بحبل متين ثم يربطونه بوتد شديد في الأرض.. يبدأ الفيل الصغير يعافر بكل قوته ليحل وثاقه دون جدوي، يعاود قدر طاقته ويظل يكرر محاولة إثر أخري بلا نتيجة ثم أخيرا بعد محاولات شاقة ومتصلة يستسلم. يدرك بالتجربة المتواصلة أن ما من فكاك من قيوده.. يكبر الفيل الصغير وينتفخ بقوة بدنية هائلة بينما تكون الارادة والفعل قد توقفتا لديه... هذا النموذج ينطبق لحد كبير علي ما حدث مع العالم العربي.. ! اتبعوا مثل ذلك الترويض سياسيا مع نحو 300 مليون عربي بمقدراتهم الجيو- سياسية الاقتصادية ، ولا غرابة أن قسموا العالم العربي إلي 22 دولة متنافسة أو متناحرة فاستطاعوا مع الولاياتالمتحدة ترويض العرب جملة بأن تمكنوا من تقييد مصادرهم الطبيعية مع مقدراتهم الاقتصادية وأهميتهم الاستراتيجية جملة! ولا غرابة الآن في ألا يكتفوا بتقسيم عالمنا العربي إلي 22 دولة بل ما يزالون يحاولون إعادة تقسيمه أكثر لتتحول هذه المنطقة إلي شراذم وكيانات متآمرة علي بعضها البعض ! إنما لماذا هذا الموضوع الآن..؟. لأن بين أيادي العرب من المقدرات مما يضع كثيرا من الأمور في نصابها عندما اللزوم ! كمثال لا ينسي، سبق أن كتبت فيه أكثر من مرة وعما أعقبه لديهم من شديد القلق الذي انتاب المجتمع السياسي الاقتصادي بين واشنطون ونيويورك، عندما حدث وصدر ما ينم عن عزم قافلة الأفيال العربية أن تزاول رد الفعل بالمقابل ازاء موقف سياسي تجاهها ما كان بمقبول حدث عندما أرسي عطاء دولي علي شركة اماراتية لتشغيل إحدي الموانئ الامريكية الكبري فما أن أعلن النبأ إلا واعترض الكونجرس بنحو غير معهود بزعم ان يكون في ذلك تهديد للأمن القومي ! غضبت دول الخليج لهذا الموقف واعتبرت انه لا يليق بدولة مثل الامارات العربية المتحدة.. واجتمع محافظو البنوك المركزية لدول الخليج وأعلنوا اتفاقهم علي قرار بتنويع عملة الاحتياطي المهول دون الاقتصار علي الدولار... ! حدث رد فعل شديد الوطأة في واشنطون ونيويورك ربما لم يلحظه سوي المتابعين عن كثب، فما حدث من حالة الارتباك الشديد والتحرك السريع داخل إدارة دبليو بوش، والاتصالات التي تمت علي أعلي المستويات وتطييب الخواطر الخ.. أدي إلي احتواء الأزمة وإن لم يعرف ما الذي قدمته واشنطون أو تراجعت عنه بالمقابل..! غالبا هو الكرم العربي مع من يستحق ومن لا يستحق هو الذي تغلب في النهاية ! سبق أن عاودت وسأعاود لهذا النموذج من سياسة المقابل فلربما تصل الرسالة الموجهة منا فينا أو منا إلينا فتشير إلي قدر المقدرات التي في حوزة الأفيال العربية ! نحن الافيال العرب نستطيع أن نفعل الكثير والكثير جدا بما في ايدينا من مقدرات ودعكم الله يخليكم من مواصفات المعتدلين والمتحالفين ودمتم.. هذه أمور لا تدخل حيز الاعتبار في المواقف أو القرارات الحاسمة ! بدون أن نتغلب علي الشعور بالاتكال علي الولاياتالمتحدة وبغير فك القيود الوهمية لا تنتظروا منهم مراعاة لمصالحنا فلا أمريكا ولا العالم عموما يفهم غير منطق المصالح والمضار وهذا مقابل ذاك ولا اعتبار لمن لا حول ولا قوة له.. هذا منطق السياسة فلا شيء بدون لا شيء. سبق أن عبرت مع غيري مرات عما نتطلع إليه من سياسة عربية موحدة وتكون متحررة من القيود والجمود والغموض، فلا قطيعة دائمة ولا جفاء بلا نهاية ولا تبعية لغير مصالحنا... فلا أمريكا ولا العالم يفهم غير منطق المساومة وتبادل المصالح وهذا مقابل ذاك، أعطيك كذا فتعطيني كيت، أترك لك هنا لتمرر لي هناك... هذا هو منطق السياسة : خذ وهات، ولن ينعدلوا معنا من تلقائهم، ولا الكيل بمكيالين بموازينهم، بدون ممارسة أدوات تبادل مصالح بمصالح.. الدبلوما سية الامريكية في مأزق بالشرق الأوسط لأكثر من سبب، والسياسة الخارجية العربية تكاد تكون في حالة بلورة جديدة في مواجهة مواقف صعب من جراء سياسة امريكية خرقاء، وتحاول حاليا إيجاد عدة ركائز مستجدة لها في المنطقة منها علاقة علي طريق الاكتمال مع ايران وفي وقت غير بعيد، لو تحققت فقد تساعدهم في تخطيط يراد به استكمال زعزعة الاستقرار المتبقي في المنطقة وإعادة رسم حدودها من جديد ! كياننا وقوتنا مع.. رهن تجمع الأفيال العربية أقوي كائنات الأرض ! ثم كلمة أخيرة : الولاياتالمتحدة تلك لا تعمل حسابا لغير القوي القادر بمعني الذي يستطيع أن يضر وينفع وليس من يؤخذ علي علاته طوال الوقت !