مها عبدالفتاح في المواقف المكروهة سياسيا التي تستفز وتقهر لا رد فعل لدينا بل دائما مجرد كلمات نصدر بها بيانات: "نطالب". "نرفض". "نشجب". وما شابه من مترادفات عاجزات لا قرارات ولا خيارات بمنع ومنح ، لا فعل ولا قطع ولا حتي تلويح بتهديد ما ولا شيء يسند او يثير الانتباه ..! اذن واقعيا ردود أفعالنا هي كلمات في بيانات ولا تساوي الورق الذي سطرت عليه، فلا وزن لها ولا قيمة ولا تودي ولا تجيب، لا تباع ولا تشتري في سوق الدول، مجرد تعبيرات جوفاء ممنوعة من الصرف .. قرار عربي جماعي أو حتي فردي وجريء ويسمع ويرد علي تجاوز شديد أو موقف عدائي ويكون بحجم الموقف. رحم الله الملك فيصل وجزاه خير الجزاء، فلا ينسي له ما فعل عام 1973. السطور السابقة من تتابعات خواطرعقب قراءة تعقيب لكاتب أمريكي ربط فيه بين أساليب السياسة الدولية في عمومها بمعلومة شائقة استمدها من أصول ترويض الافيال .. كيف استطاع العقل البشري ترويض أقوي الكائنات قاطبة وهي الافيال فاستمدت منها السياسة فن ترويض الدول وربما النفوس أيضا... العقل البشري وضع يده علي الفيل وهو بعد صغيرالسن فأحكم وثاقه وشده بحبل متين ربطه بوتد في الارض .. يبدأ الفيل الصغير يعافر ليحل وثاقه دون جدوي، فيعاود ويعاود قدر طاقته ويكررمحاولة اثر محاولة دون جدوي.. اخيرا وبعد محاولات شاقة ومتصلة ييأس فيستسلم... أدرك بالتجربة أن ما من نتيجة لمحاولاته ولا فكاك له من قيوده وهكذا كسروا نفسه وحطموا معنوياته وارادته، ففقد اصراره وافتقد غريزة المقاومة.. يكبر الفيل الصغير وينتفخ بقوة بدنية هائلة ولكنه بقي مفتقدا لارادة المقاومة.. نفدت.. انمحت وحل محلها طبع الاذعان بعدما تشرب الفشل مرارا وشب عليه. بقيت التجربة عالقة متمكنة منه فقد تم ترويضه وانتهي امره. هذا درس وجدته ينطبق لحد كبيرعلي ما يحدث مع العالم العربي الذي يبدو تماما وقد تم ترويضه.. تم ترويض نحو 300 مليون عربي بنحو أو آخر، بكل مقدراتهم ، بمصادرهم الاولية ، وجغرافيتهم السياسية واهميتهم الحيوية ، فلا غرابة اذن أن قسموهم الي 22 دولة، و الآن يحاولون اعادة تقسيمهم مرة أخري ليتحولوا الي شراذم وكيانات متنافسة متناحرة متآمرة علي بعضها البعض ... اذن بدون أن نتغلب علي هذه ال من مشاعر الافيال ذات القوة المهولة والعجز المفرط، عن ذلك شعور بالقهر والاتكال ، فلا يجوز لنا أن ننتظر حلولا تأتينا.. لا من ادارة أوباما او غيره.. لا تتوقعوا أن نجد يوما رئيسا أمريكيا يقول لاسرائيل عليك أن تخضعي للقانون الدولي، أو عليك ان تسحبي المستوطنين وتفككي المستوطنات ... لن يوجد مثل هذا الرئيس، فاذا كانت اسرائيل تمارس المساومة وتجيد (التنطيط) علي أكتاف ممثلي جناح الحكم التشريعي في الكونجرس وتساومهم علي وجودهم السياسي فاننا - نحن الافيال العرب - نستطيع أن نساوم ونتبادل ونلاعب علي ما هو أهم وأخطر وأفعل وأشد مفعولا بكثير، وهو ما بايدينا من مقدرات .. فلا امريكا ولا العالم يفهم غير منطق المساومة والمبادلات، هذا مقابل ذاك، أعطيك كذا وتعطيني كيت، أترك لك هذا وأمرره لتمرر لي هذا أمامه ... لن تنعدل سياسة من تلقائها ولن تعدل موازينهم وتتوقف عن الكيل بمكيالين، ولن نجد رئيسا امريكيا يواجه اسرائيل بالقوانين الدولية الا اذا ما توافرت له من الاسباب ما يبرر ذلك أمام شعبه بل وتدفعه دفعا! سبق أن شهدت بعيني رأسي القلق اشد القلق بل الفزع ينتاب المجتمع الامريكي من مقدرة الافيال العربية مرتين سأظل اذكرهما ما حييت وان لم يكللا وللأسف بالنتائج المرجوة لأن الافيال وللأسف الشديد لم تحسن ادارة الموقف في النهاية، بل احدي الواقعتين ادت الي تداعيات كوارث ما تزال الامة العربية تعاني منها حتي الآن. المرة الاولي حدثت اثر مفاجأة غزو صدام للكويت عام 1990 وحالة الارتباك الشديد التي أعقبت في واشنطون بنحو لا تكاد تصدق الا ممن عايشها هناك ، ثم المحاولات التي بذلت لاقناعه بالانسحاب طواعية مقابل عرض أمريكي بطرح جميع مشاكل الشرق الاوسط علي مائدة التفاوض وقد اعلنها جيمس بيكر صريحة من الكونجرس بعد أيام معدودة من الغزو العراقي للكويت.. وكنا كصحفيين عرب هناك متفائلين في البدء اذ خطر لنا من هناك أنها قد تكون خطة عملية ومتفقا عليها بين العرب للدفع الي حل الصراع مع اسرائيل... وكان اسحق رابين يزور واشنطون ايامها وشهدناه يتحدث يومها وكأنه يولول ناعيا اسرائيل وهو يعلن توقعه أن تكون هي الضحية المطروحة علي مائدة التفاوض بنص تعبيره.. ولكن صدام كان في واد آخر، يفكر في مجده الشخصي وغروره الذي زين له أن أمريكا لن تجازف بالقتال مرة اخري بعد فيتنام لتعيده الي حدوده في العراق و... أنتم ادري بالباقي. اما المرة الاخري فكانت يوم أرسي عطاء دولي في نيويورك علي شركة اماراتية ، لتتولي لتشغيل احدي المواني لامريكية الكبري ، فقامت قيامة الكونجرس ورفض بنحو مشهود ورفض ارساء العطاء بنحو غير معهود لما في ذلك من تعريض أمن أمريكا للخطر وحدث ذلك في منتصف التسعينيات اي قبل الاحداث اياها في 2001... غضبت دول الخليج للتصرف غير المسبوق واعتبرته اهانة لا تليق.. ثم جاءت الانباء باجتماع محافظي البنوك المركزية في دول الخليج وأعلنوا عن الاستعداد لاصدار قرار بتنويع عملة الاحتياطي المهول فلا يقتصر علي الدولار ...العالم كله تابع رد الفعل هذا بينما ارتباك وهزة عمت واشنطون ونيويورك أعقبه تصرف سريع من الادارة، واتصالات تمت علي أعلي مستوي، وتطييب للخواطرالعربية ثم.. بالكرم العربي المعهود مع الخواجات تم احتواء الازمة. مقابل ايه؟ لا تعرف. حدث عدول عن المعاملة بالمثل. ولم نعرف ان قدمت واشنطون أي مقابل سياسي! انما لماذ ا هذا الموضوع الآن؟ لأننا صرنا أضعف واهون وأقل تأثيرا بكثير مما كنا عليه في وقت سابق.