وطن أمام المذبح، وطن بكل تاريخه ومواقفه وقضاياه ورجالاته مسلميه ومسيحييه أمام المذبح، وسواء كان هناك يقيم قداسه وينشد ترانيم الميلاد أو يقدم قربانه، فهو وطن مجروح، حرم عليه البوح في هدأة الليل وبدد سكينته وتماسكه واستقراره حادث الإرهاب الأسود الذي جاء مع مقدم العام يفخخ الفرحة والوحدة ويحيل صلاة الميلاد في كنيسة القديسين مأتماً يتشح الجميع فيه بالسواد حزناً علي دماء طاهرة ذكية قدمها الإرهاب قرباناً أمام المذبح المقدس. إنها جريمة نكراء تستهدف مصر كلها، فلاتخطئوا القراءة ولايسبقكم الغضب إلي حيث تكون الوقيعة والفتنة والفرقة وتكون الخطيئة. وتذكروا أنه لسنوات طويلة كانت لعبة إثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين هي السيناريو الجاهز لإحداث الفوضي وزعزعة الاستقرار وضرب تماسك النسيج الوطني المصري ناهيك عن تهيئة الأجواء واعطاء المبررات لتدخلات الغرب في الشأن المصري الذي يصبح بعد كل أزمة فتنة مباحاً للجنة الحريات الدينية وأعضاء الكونجرس الأمريكي ولجنة المعونات الخارجية ولجنة الأمن القومي وغيرها، ويتحول الشأن الداخلي المصري إلي مادة للتهييج والتحريض من جانب الميديا الأمريكية الصهيونية، في الصحافة والإعلام وعبر الفضائيات وتصريحات المسئولين الأمريكين الذين يعربون عن قلقهم علي أحوال الأقباط في مصر وحريات الأقليات وغيرها من الموضوعات التي تسوغ لهم تهديد المصالح المصرية وممارسة الضغوط علي القرار المصري في محاولة لتطويعه وتدجينه. وهاهو الرئيس الأمريكي يندد بحادث الإرهاب الخسيس وتبعته الخارجية الأمريكية، ولئن اتسم بيانا البيت الأبيض والخارجية بالتحفظ والفهم والمسئولية ألا أن الميديا الأمريكية التي تسيطر عليها الصهيونية العالمية اتخذتها زريعة لتأليب العالم علي مصر التي تضطهد المسيحيين وتظلمهم وتعذبهم وتتواطأ علي قتلهم!!!، ودخل الاتحاد الأوروبي علي الخط فأدان الحادث دون تحفظ وطالب بحماية الأقباط وأصدرت ممثلة المجلس الأعلي للسياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي "كاترين آشتون" بيانها حول حق الأقباط المصريين في التجمع والعبادة والحرية، وكأننا ننكر هذا الحق أو نجادل فيه. إنها إصبع التدخل والتدويل تنكأ جرحاً نازفاً وتطرق علي حديد ساخن ولاتفوت اللحظة للضغط علي مصر لتمرير مخططاتها التي بدأت في العراق ولبنان والسودان ومنابع النيل، لتطويق دور مصر التي ترفض تقسيم العراق والسودان وضرب إيران وتقاوم الاستيطان والسياسات العنصرية الخرقاء للدولة العبرية وسياساتها في فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط. إنهم يحاولون تطويق مصر وتحجيمها في حدود مهددة في الشرق والجنوب وشريان حياة تتناوشه المؤامرات والقلاقل والتوتر في علاقاتها مع دول منابع النيل وفتنة داخلية تأكل الأخضر واليابس وتحول دون استقرار أو نهوض وتقدم. مصر مستهدفة ومن أسف هي تعطي مبررات الاستهداف وتتغاضي عن كثير في كرم وحكمة وتعقل وصبر، ما أصبحوا عبئاً علي استقرارها وكيانها ووحدتها قبل دورها ونهضتها ومستقبلها، وهاهي أصابع الغدر تمتد لتعبث ببقية باقية من تماسك نسيج أجهدته الفتنة وزعزعته دعاوي الشحن الطائفي من دعاة ومبشرين يقفون علي أبواب الجحيم ونار الطائفية ودعاوي الفرقة والاحتراب والتخريب. إن الدماء التي أريقت علي عتبات كنيسة القديسين في سيدي بشر بالإسكندرية هي دماء مصرية طاهرة حولها الغدر الغبي إلي حزن وجنازة وغضب وعنف، وتداعت الأحداث مسرعة بداية من مساء الجمعة وحتي اليوم، وكادت تخرج الأمور عن السيطرة وتتحول الفتنة إلي حرب الشوارع ومواجهات مع الشرطة وخروج علي القانون. نعم نتفهم أن للأمر خلفيات سابقة وشعور عام بالظلم والغبن جراء سياسات الإقصاء والاستبعاد والتهميش، والشحن الطائفي علي الجانبين ومطالب مشروعة وأخري فيها من الابتزاز أكثر مما فيها من وجاهة وموضوعية، ما عاد يجدي معها اعتكاف وغضب ولاعاد يصلح لها الخروج علي القانون وعدم احترام القضاء وتكدير السلم الاجتماعي تحت دعاوي اختلطت فيها الحقوق الواجبة والمنقوصة مع دعاوي الخارج ومؤامراته وأهدافه غير البريئة. وأقرأوا معي تصريحات بابا الفاتيكان وهو يحض مسيحيي مصر علي مقاومة السلطات والصمود وعدم الاستسلام، وهي كلمات لم تصدر عنه من قبل حين توجبت في موضعها ومكانها الصحيح عند زيارته للأرض المحتلة في مايو الماضي حيث المقاومة المسلحة حق للفلسطينيين ضد الاحتلال والدولة العبرية الصهيونية التي برأها البابا بنديكتوس من دم السيد المسيح، والذي مافتئ ينعي علي الاسلام والمسلمين كل نقيصة وكل إدانة. السيد بندكتوس بابا الفاتيكان يدين الظلم والاضطهاد اللذين يلقاهما المسيحيون في مصر لا الفلسطينيون في الأرض المحتلة، واقرأ معي ما ذكرته شبكة CNN الإخبارية الأمريكية من أن بابا الفاتيكان أدان أحداث العنف والاضطهاد الديني ضد المسيحيين، بعد ساعات من مقتل 21 شخصاً في انفجار أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية، وأوضح "لا يمكن السماح للإنسانية، بأن تعتاد علي التفرقة والظلم وعدم التسامح الديني، الذي يؤثر علي المسيحيين بصفة خاصة وأضاف قائلاً" مرة أخري أناشد بإلحاح المسيحيين في المناطق المضطربة بعدم الاستسلام للإحباط والإذعان". ماذا تعني هذه المناشدة المشبوهة سوي التحريض؟! وأين كان نيافته حين قصفت قوات الاحتلال الصهيوني كنيسة المهد في بيت لحم جنوب الضفة الغربية ودنستها أقدام العدوان والإجرام الاسرائيلي؟! وأين كانت تصريحاته ودعاواه عندما دمرت كنائس غزة علي رؤوس من احتموا فيها من الفلسطينيين في عملية الرصاص المصبوب والشتاء الساخن ومجازر فبراير2008 التي راح ضحاياها الآلاف من مسلمي ومسيحيي فلسطين واستبيحت حرماتهم. أتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟ ألم يسترع انتباهكم هذه السرعة غير المعهودة في تفاعل الغرب مع قضايا المنطقة العربية وتصريحاته العاجلة وقبل أن تجف الدماء؟! ألم يسترع انتباهكم تصريحات المحور الموالي للصهيونية العالمية وإسرائيل بداية من مستشارة ألمانيا "إنجيلا ميريكل" إلي الرئيس الفرنسي "ساركوزي" إلي "سيلفيو بيرلسكوني" رئيس وزراء إيطاليا، إلي "ديفيد كاميرون" رئيس وزراء بريطانيا، إلي حكومة النمسا وغيرها والبقية تأتي. ألم يسترع انتباهكم تصريحات الدول الغربية "المتحضرة غير العنصرية والتي لاتكيل بمائة مكيال ولاتدور في فلك الصهيونية!" أنهم جميعاً تلقوا إخطارات من الكنائس الأرثوذكسية "لاحظ الأرثوذكسية وليست الكاثوليكية أوالبروتستانتية" بأنهم تلقوا تهديدات، وهم يطلبون التدخل والحماية حيث يتوقعون عمليات إرهابية في قداس الميلاد مساء 6 يناير القادم. ماهذا التهريج وماهذا العبث؟ إذا كانت القاعدة هي التي تهدد فالأولي بها أن تهدد الكنائس الغربية وليس كنائس الأرثوذكس الأقلية أوعلي الأرجح تهدد كل الكنائس لاتستثني البعض منها. إذن هو ملعوب ليس من فعل القاعدة، وعلينا أن نبحث عن المستفيد من كل هذا التوتر والتسخين والتآمر علي عجل، والذي يشئ بعوار التخطيط وسوء الحبكة والتسبيك. ألم يسترع انتباهكم أن السيد أمين الجميل زعيم الكتائب حليف إسرائيل تحدث أيضاً عن عذابات المسيحيين ومعاناتهم في مصر؟. ألم يستوقفكم أن حادث كنيسة القديسين في الإسكندرية نفذ علي طريقة تفجيرات المراقد الشيعية والمساجد السنية في كربلاء والموصل والبصرة وبغداد والنجف، ستقول القاعدة؟ وهل كانت القاعدة هي المستفيد من الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة في العراق؟ أظنك تقصد قاعدة التآمر الصهيونية المخربة. ألم تطالعوا تصريحات الجنرال "عاموس يادلين" رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" في حفل أقيم بمناسبة تسليمه مهام منصبه لخلفه الجنرال "آفيف كوخفي" إذ يقول" نحن نعمل علي تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي في مصر لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً ومنقسمة إلي أكثر من شطر، لتعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية". إنها إذن فتنة مصطنعة وجدت في النفوس المحتقنة صديً أججها غضب مرده قناعات سابقة كرست في نفوس الشباب المسيحي المصدوم مشاعر الظلم والتهميش والإقصاء فخرج ثائراً، وعلي عقلاء الأمة احتواء غضبته ورده إلي تعقله ورشده. وانتبهوا فجميعنا مالم ننتبه قرباناً لأطماع ومؤامرات وخسة الإرهاب في جريمة تستهدف الوطن قبل استهداف أرواح بريئة كانت صلاتهم ولاتزال تتردد في جنبات الوطن كله "أبانا الذي في السماء، ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيئتك، كما في السماء كذلك علي الأرض، اعطنا خبزنا كفاف يومنا، واغفر لنا خطايانا، كما نحن نغفر لمن اخطأ إلينا ولا تدخلنا في تجربة ونجنا من الشرير، لان لك الملك والمجد الي الابد، آمين.