أما الوسيطة الإيطالية »أوسابنا بالادينو«، فقد كان في وسعها أن تحرك الأجسام الثقيلة من أماكنها بمجرد النظر، أو الإشارة إليها، وهي تقف بعيدة عنها بعدة أمتار!! السبت: هل زارك والدك المتوفي، أو والدتك المتوفاة في المنام؟.. هل أخبرك أحدهما بشيء.. أو سألك عن شيء؟.. هل تتقابل في المنام مع أقارب، أو زملاء، أو أصدقاء ماتوا وتتحدث معهم، ويتحدثون معك؟ في آسيا، وأوروبا، وأمريكا، وأفريقيا.. وفي استراليا أيضا.. يوجد أفراد في وسعهم الاستغراق في غيبوبة، والانطلاق إلي الآفاق اللا مادية الرحبة، للاتصال بنفوس أشخاص ماتوا.. والتحدث معها.. وهؤلاء الأفراد هم الوسطاء الذين يمتلكون القدرة علي السمع أبعد، والرؤية أعمق. وفي السويد، أعلن العالم الفيلسوف »ايمانويل سويد بفورج«، أنه تمكن، بعد بلوغه الخامسة والخمسين من العمر، من تطوير وتدريب قدراته، وأصبح في إمكانه الاتصال بنفوس أشخاص ماتوا، دون ان يفقد احساسه بالعالم المادي المحيط به.. أي دون ان يستغرق في غيبوبة.. وكان هذا الاعلان من ذلك العالم الجاد المعروف، حدثا علميا غير مسبوق، أدهش الكثيرين، لكن الذي اثار الدهشة أكثر، هو ما صرح به واحد من أصدقاء »سويد نبورج« لإحدي المجلات العلمية، عندما قال انه كان يتناول معه العشاء ذات ليلة، فإذا به يتوقف عن الأكل فجأة.. ويقول انه يري حريقا ضخما تشتعل ناره بعنف في مدينة ستوكهولم التي تبعد عن مجلسهما بحوالي ثلاثمائة ميل علي الأقل!! وقال الصديق انه لم يكترث.. وعاد بعد العشاء إلي بيته، وأوي إلي فراشه مطمئنا.. وفي الصباح عرف من الصحف ان حريقا نشب في ستوكهولم بالفعل.. وكان ضخما بالفعل.. وانه اندلع في نفس الوقت الذي كان يتناول فيه العشاء مع »سويد نبورج«!! وإذا تركنا السويد وانتقلنا إلي دول أوروبية أخري سنجد آلاف الوسطاء الذين اجتازوا كل الاختبارات الدقيقة التي أجريت لهم.. ومن أكثرهم شهرة رجل في اسكتلندا اسمه »دانييل دوجلاس هوم«، اكتشف في نفسه القدرة علي الوساطة وهو في السابعة عشرة من عمره.. ولم يكن »هوم« مجرد وسيط يستطيع الاتصال بنفوس الموتي فقط، ولكنه كان يستطيع أيضا القيام بأعمال أخري خارقة وغريبة، من بينها السباحة في الهواء!. وقد فعل ذلك لأول مرة أمام أحد القساوسة، فاعتقد القسيس ان في الأمر خدعة.. وجمع حشدا من الناس في قاعة وطلب من »هوم« ان يكرر ما فعله مرة أخري.. فارتفع في الهواء وسبح خارجا من النافذة، وعاد من النافذة الثانية.. وكان أغرب ما فعله »هوم« في اليوم التالي، أمام عدد كبير احتشد في أحد الميادين، انه تمكن من اطالة قامته سبعة وعشرين سنتيمترا!! أما الوسيطة الايطالية »أوسابنا بالادينو«، فقد كان في وسعها ان تحرك الأجسام الثقيلة من أماكنها بمجرد النظر، أو الاشارة اليها، وهي تقف بعيدة عنها بعدة أمتار!! وفي البداية استعرضت »أوسابنا« قدرتها هذه أمام جمع غفير من الإيطاليين.. وعندما ذاع صيتها، ذهب اليها عدد من الباحثين والعلماء، وكان في مقدمتهم العالم »سكيباريللي« مدير مرصد ميلانو.. وقام أحدهم بربطها بحبل متين فوق كرسي خشبي، فإذا بها تذهل الجميع عندما تحرك كل ما في القاعة من اثاث بمجرد النظر إليه بعينيها، وبمنتهي العنف، فتحطم أغلبه. وبعد ذلك اليوم المشهود، ببضع سنوات، كان في وسع »أوسابنا« وهي الفلاحة الأمية، ان تستغرق في الغيبوبة، وتتحدث مع نفوس الموتي.. ثم تروي، بعد ان تفيق، معلومات دقيقة، عن أناس عاشوا في فترات سابقة، في بلاد لم تذهب إليها قط.. وعندما كان الباحثون يقومون بالتحقق من تلك المعلومات - وبعضها يتعلق بشخصيات تاريخية - كانوا يكتشفون انها حقيقية!. ويقول عدد من العلماء الذين التقوا ب»أوسابنا« واختبروها، انها لم تكن وسيطة فقط، ولكنها كانت ساحرة أيضا.. وربما كانت تفعل ما تفعله بقدرتها الذاتية، أو بمساعدة مخلوقات غير مادية، كالجن مثلا، فالشيء المؤكد أن ذلك لا يمكن أن يحدث بمساعدة نفوس أشخاص ماتوا، لان العكس هو الصحيح، فالإنسان الحي هو الذي يخضع لارادة نفس الإنسان الميت.. ويقولون أيضا ان النفس الإنسانية عندما تغادر الجسد المادي بالوفاة، تبقي محتفظة بالعقل والذاكرة، وسائر الحواس، بالاضافة للإرادة طبعا، وهي تحرص علي ان تكون علي صلة بالحياة الأرضية لفترة ما.. وفي أثناء هذه الفترة قد تراودها الرغبة في العودة مرة أخري إلي الحياة المادية، لكي تحقق ما فاتها تحقيقه أثناء وجودها السابق، لكن ذلك يكون صعبا، لانه يتطلب منها التواجد في جسد مادي حي.. وحين تستبد بها هذه الرغبة، فانها تبحث عن انسان حي يتوافق معها، وتتسلط عليه حتي تتمكن من اخضاعه لارادتها.. ثم تدفعه بعد ذلك دفعا، لكي تحقق عن طريقه ما تصبو إليه.. وفي هذه الأحوال يعاني صاحب ذلك الجسد آلاما مبرحة واضطرابات عصبية قاسية تكون لها عواقب وخيمة.. والوسطاء الذين لديهم القدرة علي الاتصال بنفوس الموتي، ليسوا مجرد أصحاب أجساد لا يزالون علي قيد الحياة، يجري بينهم وبين الموتي اتصال عقلي.. ولكنهم أشخاص لديهم القدرة علي التعامل مع نفوس الموتي معاملة الند للند، دون ان تتمكن تلك النفوس من فرض ارادتها عليهم. »أندريه« يتحدث إلي ميت! إذا كان الوسيط السويدي »سويد نبورج« قد استطاع مخاطبة نفوس الموتي دون الاستغراق في الغيبوبة - أي وهو في كامل وعيه- فان العلماء عثروا علي كثيرين مثله.. ومن أشهر أولئك المواطن الروسي »أندريه« حارس أحد المصانع الكبري في سيبيريا.. والذي حدث ل»أندريه« قبل ان يكتشف العلماء قدرته المذهلة علي الوساطة، انه عاد ذات ليلة إلي غرفته داخل المصنع، بعد ان تأكد من إحكام اغلاق جميع أبوابه.. وبعد ان أغلق باب الغرفة وأطفأ نورها، وأوي إلي فراشه.. فوجيء بمن يجلس علي طرف الفراش.. شخص غريب.. الوجه شبه مظلم، والجسد يحيط به معطف داكن. هكذا بدا الغريب تحت الضوء الباهت المتسرب إلي داخل الغرفة من خلال الشقوق الضيقة في الحائط الخشبي.. ومرت ثوان استعاد »أندريه« بعدها سيطرته علي نفسه، وقال للغريب بصوت متهدج خافت: من أنت؟ قال الغريب: أنا »مالينوفسكي«.. لا تخف.. أنا محتاج إلي خدمة منك.. قال »أندريه« بفضول: أخبرني أولا كيف دخلت إلي هنا؟.. ورد الغريب بهدوء: ليس هذا مهما.. فأنا الآن أمامك كما تري.. المهم ان تؤدي لي ما سأطلبه منك!. وقبل ان يتمكن »أندريه« من توجيه سؤال جديد إليه، قال الغريب: أنا ميت.. فارقت الحياة منذ ثلاث سنوات.. زوجتي وأولادي الثلاثة يقيمون في البيت الذي يوجد شرق هذا المصنع علي بعد كيلو متر واحد فقط.. انه البيت الوحيد في ذلك المكان.. وهم يعانون من شدة الحاجة، ولا يعرفون انني كنت شريكا ل»ماريان« في دكان بيع الملابس القديمة الذي يجاور هذا المصنع، وقد دفع كل منا ثلاثة آلاف روبل، اشترينا بها عدة بالات من الملابس المستعملة. لكني مت فجأة.. فأخفي »ماريان« أمر شركتنا، ولم يعط زوجتي شيئا.. أنت فقط الذي يستطيع إنقاذ أولادي من الجوع.. لا يوجد غيرك في هذه الرقعة من الأرض.. لا تسألني أي سؤال.. أريد معونتك.. سأترك لك هذا المعطف ليكون دليلا علي ان وجودي معك، وكل ما سمعته مني حقيقة لا شك فيها. وسكت الغريب لحظة، ثم قال مستدركا: علي فكرة صورة عقد الشركة، ستجدها أسفل إطار النافذة الغربية الوحيد في بيتي.. وهي تؤكد انني و»ماريان« نمتلك الدكان بما فيه مناصفة!!. واختفي الغريب فجأة، كما ظهر فجأة.. وعندما أضاء »أندريه« نور الغرفة، وجد المعطف علي طرف الفراش، أما الباب فكان مغلقا من الداخل..! فتأكد ان ما رآه وسمعه لم يكن حلما، وأنه كان بالفعل يتحدث إلي ميت!! وانتظر »أندريه« انبلاج الصبح بصبر نافد.. ومع أول خيوط الضوء غادر المصنع، وذهب إلي بيت »مالينوفسكي«، وأخبر زوجته انه صديق، وقد جاء لمساعدتها، وطلب منها ان تسمح له باستخراج صورة العقد من إطار النافذة الغربية، وعاد إلي »ماريان« الذي اعترف بصحة العقد، ودفع الثلاثة آلاف روبل وأرباحها علي الفور إلي »أندريه« الذي حملها إلي الزوجة البائسة وأولادها.. وفي الليلة التالية جاء »مالينوفكسي« إلي »أندريه« وشكره.. ثم طلب منه إعادة المعطف الداكن إلي دكان »ماريان«.. لأنه أخذه من عنده !! هناك واقع أخري كثيرة سجلها الباحث الانجليزي »م.كيرو«، في كتابه »قصص واقعية« الذي صدرت منه عدة طبعات في لندن، آخرها عام 8491، واثارت جدلا واسعا في أنحاء أوروبا وربما أتمكن من الكتابة عنها في يوميات مقبلة بإذن الله.