نحن إذ نستقبل العام الجديد يغرينا الامل ان يكون خيرا من سابقه وأهدي سبيلا، وننسي اننا استقبلنا قبله اعواما واعواما ونثرنا عليها عبير الرجاء، فخانت ولم تكن من الامناء، ولكن تكرار الخيبة لا يقتل الامل والرجاء فنعود اليهما في مطلع كل عام، لا نقطع الامل في ان يصبح امينا من خان، وهكذا نعيش بالامل، يتجدد كلما ذبل ويحيا حتي في احلك ساعات اليأس، ينسل النهار من الليل، وكلما تشرق الشمس في كل صباح. قال لصاحبه وهما يجرعان الخمر وكاد الليل ان ينتصف: حطم الكأس نحطم شر العام الذاهب واملأ الكأس نملأ العام القادم بالخير والبركات. كم حطمنا من كؤس سبقت وكم ملأنا من كؤس.. هل تري الزمن غير مسيرته، الهم لقيناه في العام الذي ذهب وسنلقاه في العام القادم. اخلع النظارة السوداء ياصاحبي وابتسم. طالما خلعتها وابتسمت فردتها الايام الي عيني.. يئست منها، كأن بيني وبينها ثأرا. حطم الكأس تحطم الشؤم.. اسحقها تحت قدميك وارفع عينيك الي السماء بالدعاء لعلها تستجيب. خرافة يا صاحبي هذا الذي يصنعه الناس. وماذا مما يصنعه الناس ليس خرافة أو فيه من الخرافة.. الحياة ذاتها عبث وخرافة. انظر الي هذا المخمور لم يبق فيه لمسة من عقل.. يودع العام الذاهب من غير عقل ويستقبل العام القادم من غير عقل. حسنا يفعل، وماذا في الحياة قائم علي العقل ووجودها ذاته غير معقول ولا مفهوم، وانتهاؤها ايضا غير معقول ولا مفهوم، وبين اللا معقول واللا مفهوم، كيف نرجو المعقول والمفهوم، حطم الكأس يا صاحبي.. احببت وخانني الحب.. احسنت وخانني الاحسان، اسأت وخانتني الاساءة.. وفيت وخانني الوفاء غدرت وخانني الغدر.. امنت فتخلي عني الايمان.. ماذا بقي يا صاحبي لم اصنعه، حطم الكأس.. حطم الكأس.. الغ الزمن والوجود والعقل.
لماذا أنت هنا، إذن احتفالا بالعام الجديد! انا هنا لان الناس هنا، يروقني اتفرج عليهم، ان اراهم يريقون الدموع علي عتبة لا ترحم الدموع والضحكات والبسمات.. قلب الزمن من حديد ما ينوي ان يكون سيكون، لماذا الرجاء والدعاء. وارتمي برأسه علي المائدة وتمتم: مات اخي ومات ابني وماتت زوجتي واقفر بيتي. يا صاحبي املا كأسا لكي انسي املأ كأسا آخري وكأسا ثالثة حتي افقد عقلي.. هؤلاء السكاري معربدون لماذا يفعلون بأنفسهم ما يفعلون لكي ينسوا او يسخروا او يريقوا حياتهم قطرات من الخمر او الخوف او النسيان. وضحك وصرخ: وبين الضحك والصراخ ورائحة الخمر والدخان هتف من اعماقه: يارب.
قالت لصاحبتها كيف ترين جمالي هل انا قبيحة.. هل انا امرأة تافهة.. هل انا امرأة جاهلة.. هل انا امرأة خائنة هل انا امرأة تبيع جسدها لكل طارق.. ألا تشهدين انني مؤمنة خاشعة قانتة، اعبد الله في نسك وزهد.. لماذا تركني زوجي لماذا طلقني وانصرف الي اخري تبيع جسدها لكل طارق.. لماذا انهدم بيتي.. لماذا اصبح خرابا، اعطني كأسا، املئيها حتي لا يبقي فيها شيء يحتمل المزيد.. كفرت بكل شيء بالعام الذاهب والعام القادم، بالامل والزمن والحب والخوف والامان. وقالت صاحبتها: وماذا ترين في هل انا امرأة قبيحة.. هل انا تافهة جاهلة خائنة.. لماذا تركني الرجل الذي احببته وكنت علي استعداد ان اضحي بالدنيا من اجله وابني واياه عشا سعيد؟ لماذا خطفته امرأة اخري تلعب به وتتلهي وهو سعيد اذ يجد نفسه لعبة ولهوا.. اتفهمين شيئا.. اتستطيعين ان تعينني علي ان افهم شيئا.. املئي كأسا الي اخرها حتي انسي. ولماذا نحن هنا؟ لكي نحتفل بالعام الجديد.. نحتفل وحدنا مع اليأس. المشرق سيأتي. سيأتي لكي يغيب.. لعبة سئمتها.. صبي لي كأسا جديدة، عام قادم، ماذا فيه، صورة من عام ذهب، صورة من اعوام كثيرة ذهبت. قالت له وقد طوته بذراعيها ومنتصف الليل يكاد يجيء، والنور يوشك ان ينطفيء هي تحبني؟. وانطفأ النور فهمس في اذنها: سأحبك في العام القادم اكثر.. هل انت واثق. الله وحده هو العالم. هل انت مؤمن بالقدر والزمن والله.. لا ملجأ لي الا الايمان. هل انت مؤمن بالحب. ايمانك به. اردت ان اختبر ايمانك فكنت اذكي. لست اذكي اريد ان اعرف اريد ان اعطيك كما تعطيني. هل الحب اخذ وعطاء.. هل الحب عطاء خالص. واضيئت الانوار وتأمل وجهها فاذا هو مندي بالدمع.. فقال: دموع في رأس السنة. فضحكت من خلال دموعها وقالت: وهل للدموع موعد!. قالت الزوجة لزوجها عينك خائنة لا تستقر توزع نظراتك هنا وهناك قلما توقفت عندي لحظة. قال: انت زوجتي. تعني ملكك، لست في حاجة لاغرائي، لست في حاجة للتحبب الي شيء قديم الفته.. هكذا الرجال الرجل الجالس في الجانب الايسر من القاعة، لم تنزل نظراته عني.. كم هو رائع. واستشاط الزوج غضبا وكاد يقلب المائدة علي رأسها.. ضحكت من الاعماق وقالت دون اكتراث: واحدة بواحدة.. لماذا تعطي لنفسك حقا لا تعطيني مثله.. انت حر. وقبل ان تنطفيء الانوار قال آمرا: هيا بنا نعود الي البيت، وتمتمت وهي منصرفة: سنة سودة ليلة مهببة.