د. رمضان متولى ذم الله جل وعلا الفساد في أكثر من آية من آيات القرآن الكريم، ونهانا عن ممارسته، منها قوله تعالي في سورة الأعراف: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ }الأعراف56 معركة مصر مع الفساد الضارب في أعماق وأوصال مجتمعنا معركة طويلة ومؤلمة، ولا تختلف عن بقية المعارك المجيدة التي يخوضها جيشنا الباسل وشرطتنا الوطنية للإمساك بخفافيش الظلام في سيناء الحبيبة للقضاء علي الإرهاب وحصاره وتصفيته لتحقيق الأمن والأمان في جميع ربوع مصر المحروسة. إنها معركة من أجل إعلاء قيمة حقوق الإنسان المصري، وهي ليست معركة هينة ولا هي خاسرة، وكذلك معركة الحصول علي حقوق المرأة والطفولة وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة والشيخوخة، والضمان الصحي: كلها معارك تحتاج منا إلي نفس طويل وجهاد شاق مضن، ولكنها بإذن الله وهديه وتوفيقه ستنتهي إلي الحصول علي نتائج إيجابية، تحقق العدل، وتعلي من قيمة الإنسان المصري المطحون وترفع مستواه المادي والمعنوي، وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بإعادة توزيع الثروة ومصادر الدخل وبإجراء تعديلات دورية علي الحد الأدني للأجور من خلال آلية تحقق العدل وتقلل الفوارق بين الطبقات، لأنه مادام هناك فقر، فهناك رشوة وتلك بيئة خصبة لميلاد الفساد، كتطور طبيعي لهذه البيئة والأجواء الفاسدة ومجال رحب لفساد الصفقات التي يلجأ إليها الفاسدون طمعا في الثروة والكسب الحرام، ولذلك فإننا ننادي بأن تعدل الشرائع والقوانين بحيث تصبح عقوبة الفساد والكسب الحرام عقوبة مميتة، لأنه من هذه الصفقات والعمولات الحرام التي يقتنصها الفاسدون والمرتشون بمئات الملايين، ينتزعون مبالغ مستحقة لإطعام الناس المهمشين وسكان العشوائيات الذين يئنون بين فكي البطالة والغلاء، ويغتال حلمهم وحقهم في حياة آمنة كريمة وعيشة آدمية، يتوافر فيها أبسط مقومات الحياة من لقمة عيش وشربة ماء نقية، وحتي يتحقق فيهم قول أرحم الراحمين جل وعلا: « ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا « الإسراء 70» هذا.. وفي معركتنا ضد الفساد يجب أن نستخدم كل الأسلحة المتاحة لدينا، وفي مقدمتها قوي مصر الناعمة التي نأمل أن تقوم أجهزتها الثقافية والتعليمية بتشييع الأمية إلي مثواها الأخير ليبدأ في مصر عهد جديد من التنوير، كما نطمح من وسطيتنا الدينية المتمثلة في أزهرها الشريف، الذي يجب أن يكون له دور محوري في هذه المعركة.. وفي هذا الصدد نقترح أن ينشيء الأزهر قناة إعلامية يشرف علي إدارتها بصورة مباشرة علماء من الأزهر لتدعو في برامجها إلي إعلاء قيم الدين السمحة لمواجهة طوفان الفتاوي التكفيرية، ثم لتأكيد أن الله لا يصلح عمل المفسدين ثم الدعوة إلي الكسب الحلال، عملا بقول رسولنا لسعد بن أبي وقاص «ياسعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعاء «.. واختم هذا المقال بالتأكيد علي ضرورة الإسراع بإنشاء هيئة دستورية تقوم بفتح ملفات الفاسدين والمفسدين في مواجهة تراث مؤسسي وممنهج من الفساد، ضرب مصر واستفحل منذ عهد الرئيس السادات، واستشري مع عهد سلفه « مبارك « المديد، وتعملق حتي صار ديناصورا مرعبا وقاتلا في عهد مرسي المعزول. نريد من هذا الجهاز المؤسسي أن يحقق حلمنا في تنقية مجتمعنا من كل صور الفساد، لنحيي جميعا، حكاما ومحكومين، حياة حرة كريمة تعلو فيها كرامة المصري، وأن نحترم جميعا مواد دستورنا الذي ارتضيناه وصوتنا لصالحه، والتي تدعو مواده في مجملها إلي حرية الرأي وحرية الفكر وحرية الضمير التي يتيح لنا اختيار رئيس قوي يحظي بحبنا جميعا ويستمد منا القوة والإرادة ليحمي حدود بلادنا من الإختراق الإقليمي والدولي، ويحمي نيلنا من الجفاف خلف مايسمي سد النهضة، ويضع حجر الأساس لمنظومة جديدة وحقيقية للتعليم والعلاج والمسكن اللائق، ونحقق معه وبه قفزة حقيقية نحو العدالة الاجتماعية علي أرض الواقع، وليس في برامج انتخابية مبهرة تهدأ ثم تختفي بعد اعتلاء كرسي الرئاسة نحارب معه وبه الفساد الذي ينخر في عظام الأمة. نقيم معه وبه مجتمعاً آمناً سخاء رخاء يجد فيه الجميع العدل والحرية والغذاء والكساء والدواء. نخوض معه وبه معركة فرضت علينا ضد جحافل البغي والإرهاب الأسود الذي يغتال أبناءنا تحت جنح الظلام وحتي نطهر من رجسهم أرضنا المباركة التي باركها الله في قرآنه الكريم وكلم عليها نبيه موسي عليه السلام من فوق سبع سموات.