وفي مصر، وبعض البلاد العربية، يعلق الناس علي أبواب بيوتهم حدوة حصان، أو نبات الصبار، أو مجموعة سنابل قمح، أو فردة حذاء صغيرة، أو خرزة زرقاء!!.. السبت: هل سمعت أحد الناس يقول ان فلانا »عينه وحشة«.. أو ان فلانا »عينه زرقا«.. أو ان فلانا »يبص للميه تجمد«.. أو ان فلانا »عينه تفلق الحجر«.. أو ان فلانا »عينه تندب فيها رصاصة«..؟.. تلك الأقوال لا تتردد علي ألسنة الناس عبثا.. إنها كالأمثال الشعبية، أو الكلمات المأثورة، التي انحدرت إلينا من عصور سابقة.. أو هي خلاصة خبرات وتجارب السلف القديم مختصرة في كلمات.. وفي كل الحضارات والديانات القديمة، توجد أدعية كثيرة للاستعاذة من الحاسد والحسد.. وعند كل شعوب الأرض استخدم الناس. -منذ القدم ولا يزالون- تعاويذ وتمائم لدرء شر عين الحسود. والعرب يطلقون اسم »الحجاب« علي التعويذة المكتوبة علي ورق أو جلد، أو قماش.. ويطلقون اسم »الرقية« علي التعويذة المنطوقة. أما »التميمة« فهي أي شيء يلبسه، أو يعلقه، أو يحتفظ به، الشخص الذي يريد وقاية نفسه من أي شر أو حسد.. والتمائم ارتبطت منذ القدم بالعقائد الدينية، واتخذت علي مر السنين أشكالا رمزية لصيقة بتلك العقائد.. فاليهود ينقشون نجمة داود السداسية علي قطع الحلي التي يعلقونها حول أعناقهم أو علي صدورهم.. والمسيحيون ينقشون صورة يسوع، أو السيدة العذراء، أو الصليب.. والمسلمون ينقشون اسم »الله«، أو عبارة »ما شاء الله«، أو آية الكرسي.. والبوذيون ينقشون صورة بوذا.. والواقع ان ايمان الإنسان بقدرة التمائم، أو التعاويذ، أو الأحجبة، علي درء الحسد إمتد عبر العصور والأزمنة المتعاقبة منذ القدم، واستمر حتي العصر الحديث.. ليس عند الشعوب البدائية أو المتخلفة فحسب، بل وعند الشعوب المتحضرة، والمتقدمة أيضا.. وفي مصر، وبعض الدول العربية، يعلق الناس علي أبواب بيوتهم حدوة حصان، أو نبات الصبار، أو مجموعة سنابل قمح، أو فردة حذاء صغيرة، أو خرزة زرقاء.. ويؤمنون بأن هذه الأشياء تجذب عين الحاسد وتشغلها عن التركيز علي الجوهر!! وفي مدينة لندن انشغل الناس، منذ سنوات قليلة بحكاية مثيرة نشرت تفاصيلها صحيفة »ديلي ميرور« التي توزع أربعة ملايين نسخة يوميا، عن شاب في السابعة عشرة من عمره اشتهر في الحي الذي يسكن فيه، بأنه إذا قام بتركيز بصره علي جسم معدني فإنه ينثني.. وواصلت الصحيفة نشر المزيد من التفاصيل علي مدي عدة أيام، علي ألسنة جيران الشاب، وأصدقائه، وأقاربه.. وأثارت تفاصيل الحكاية اهتمام العديد من الباحثين والعلماء الذين نشرت الصحيفة آراءهم، وتفسيراتهم لهذه الحادثة الفريدة والغريبة، التي لم يسبق لها مثيل.. واجتمع عدد من علماء واساتذة جامعة لندن وذهبوا إلي الشاب، وعادوا به إلي معامل الجامعة، ثم قالوا بعد سلسلة طويلة من الفحوص، التي أجروها عليه بالاستعانة بمختلف أجهزة القياس، والتصوير، انه يمتلك قدرة علي ارسال أشعة غريبة من عينيه، إذا تركزت علي نقطة من أي جسم معدني، يكون لها ماللهب الشديد من أثر، فيلين المعدن وينثني.. وانه يستطيع ان يفعل ذلك حين يريد!! وقصة هذا الشاب الانجليزي »ستيفن نورث« بدأت عندما كان في الحادية عشرة من عمره.. فقد كان جالسا ذات صباح علي مقعد في حديقة عامة، عندما رأي فتي في مثل عمره، يركب دراجة حمراء جديدة، يروح ويجيء بها أمامه في زهو. أعجبته الدراجة، وراح يتابعها ببصره.. وتمني في أعماقه لو كان يمتلك مثلها.. وفجأة بدأت أجزاء الدراجة، تتثني كأنها مصنوعة من مادة طرية، حتي تحولت إلي كتلة متشابكة.. أما الفتي الذي كان يركبها، فقد قفز من فوقها، ليقف غير بعيد عنها، ناظرا إليها في ذهول!! وفي يوم تال، كان »ستيفن« جالسا في غرفته، فتذكر ما حدث للدراجة، وأثناء ذلك استقر بصره علي أرجل ترابيزة معدنية فوقها جهاز راديو، فانثنت ارجل الترابيزة الواحدة بعد الأخري وسقط الراديو علي الأرض وتحطم.. وبعد ذلك أصبح »ستيفن نورث« كما تقول صحيفة »ديلي ميرور« قادرا علي ثني أي جسم معدني يركز بصره علي نقطة منه.. ولا يزال يتمتع بامتلاك هذه القدرة الخارقة حتي الآن!!. ورغم التفسير الذي قدمه علماء جامعة لندن لهذه الظاهرة الغريبة، التي اثارت اهتمام البريطانيين، وغيرهم، الا ان أغلبهم فضل وصف »ستيفن« بأنه »صاحب عين«.. أي حاسد!! ما هو الحسد؟ ماذا تقول عندما ينظر أحد الناس إلي كوب شاي في يدك، فينكسر؟.. أو إلي ساعتك فتتوقف عقاربها؟.. أو إلي بدلتك الجديدة فينفجر القلم في جيبك، ويتحول الحبر، الموجود في داخله، إلي بقعة كبيرة علي صدرك؟.. أو إلي قميصك الحريري الذي ترتديه لأول مرة، فيصاب جلدك بالحساسية كلما ارتديته؟.. أو إلي سيارك فتشتعل فيها النار؟.. أو إلي تليفزيونك. الجديد فتنفجر شاشته دون مبرر؟.. أو إلي أحد اطفالك وهو يلعب فيقع وتنكسر ذراعه؟! ونحن نصادف في حياتنا أشخاصا من هذا النوع.. ونصف ما يسببونه لنا بأنه الحسد.. فهل قدرة الانسان علي الحسد تتفاوت من شخص إلي آخر؟.. وهل عندما تنشط هذه القدرة عند أحد الأشخاص، ويتمكن من اخضاعها لإرادته، يصبح خطرا علي غيره، وعلي نفسه أيضا، كما في حالة الشاب الانجليزي »ستيفن نورث«. لكن.. ماذا يقول العلم عن الحسد؟.. العلماء يقدمون أكثر من تعريف للحسد.. فهو »انكار نعمة يتمتع بها الغير«.. وهو »ان ينظر الحاسد إلي شيء يمتلكه غيره، ويستكثره عليه، ويتمني زواله«.. وهو »استخدام لقدرة متفوقة لإلحاق الضرر، أو الأذي، بالآخرين«.. وغير هذه التعريفات هناك تعريف رابع يقول انه »نوع من السحر«، لانه استخدام لقدرة كامنة في اعماق النفس للتأثير في الأشياء، وفي الآخرين.. ووفقا لهذا التعريف يمكن اعتبار الحاسد ساحرا!!. والعلم يقول أيضا ان كل انسان لديه القدرة علي التأثير في الآخرين، أو الحسد.. وهي غالبا ما تكون كامنة كسائر القدرات المتفوقة، الا انها قد تستيقظ وتتوهج للحظات خاطفة كأنها ومضة.. أو أنها قد تطفو علي السطح، ويستطيع صاحبها اخضاعها لإرادته، واستخدامها كسائر قدراته العادية.. وعندئذ يكون حاسدا. والحسد ظاهرة حقيقية، يمتلكها سائر الناس، ويستطيعون استخدامها إذا ايقظوها، ودربوا أنفسهم علي الاستعانة بها.. وفي القرآن الكريم يقول تعالي في سورة الفلق »قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ (4) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)«. وجاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد.. »ان جبريل عليه السلام أتي النبي »صلي الله عليه وسلم« فقال: يا محمد اشتكيت، قال نعم، قال بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك«. وفي عصرنا الحديث شغل عدد من الباحثين أنفسهم بالبحث عن أصول السحر والحسد خلال السنوات الأخيرة.. ولعل أبرزهم هو الباحث الانجليزي المعاصر »كولن ويلسون«.. وهو يقول في كتابه »القوي الخفية« ان الإنسان -أي إنسان- تستيقظ قدراته المتفوقة الكامنة في أعماق نفسه، حين يشعر بقلق حقيقي علي شيء ما.. أو اهتمام حقيقي بشيء ما.. أو برغبة حقيقية للتأثير في شيء ما. وتاريخ الإنسانية حافل بالكثيرين الذين استطاعوا التأثير في غيرهم، أو فيما حولهم بارادتهم.. والعلماء الذين أغراهم هذا الموضوع، وتناولوه بالبحث، يقولون ان استخدام بعض الناس لقدراتهم علي الحسد يمكن ان يكون بوعي منهم، ويمكن ان يكون بغير وعي.. ولعل الفتي الانجليزي »ستيفن نورث«، لم يكن يقصد ثني حديد الدراجة حين بدأ النظر اليها.. الا انه عندما كان يركز بصره بعد ذلك علي نقاط معينة من أعمدة النور في الشوارع، كان يستمتع بالزهو بقدرته علي ثنيها!! الحاسد الكفيف! وروي لي زميل يعمل في احدي الصحف المصرية الكبري، حكاية بطلتها زوجته.. قال انه كان يجلس معها في شرفة بيتهم بعد العصر بقليل، عندما شاهدا سيارة نصف نقل تتوقف امام بيت احد الجيران، تحمل ثلاجتين كهربائيتين جديدتين.. فقالت الزوجة: »شايف.. ثلاجتين مرة واحدة«.. وقبل ان تنتهي من قول ذلك، انزلقت احدي الثلاجتين من تلقاء نفسها، ودون ان يلمسها احد، وسقطت من فوق السيارة علي الأرض وتحطمت، أما الثلاجة الثانية، فقد انقطع الحبل الذي كان يشدها إلي ظهر الحمال وسقطت علي الأرض وتحطمت هي الأخري!! وروي لي نفس الزميل حكاية أخري عن قريب له كانت لديه القدرة علي الحسد.. وانه دخل احد المساجد الكبيرة، ونظر إلي نجفة ضخمة معلقة في سقف المسجد، وأبدي اعجابه الشديد بها.. فسقطت علي الأرض وتحطمت، مع انها لبثت معلقة في مكانها لمدة ثلاثين عاما.. وعندما فحصوا الحلقة الحديدية الغليظة التي كانت تحملها طوال تلك المدة، وجدوا كأنها نشرت بمنشار!! والحكاية الثالثة رواها لي عمدة احدي قري محافظة الجيزة أثناء زيارتي له.. قال ان أشهر من لديهم القدرة علي الحسد في قريته، رجل كفيف، يستأجره الناس ليحسد اعداءهم.. وهو يطلب من الذين يستأجرونه ان يوجهوه نحو بيت، أو حقل، الشخص الذي يريدون ايذاءه، ثم يطلق زفيرا قويا بعد عدة كلمات غير مترابطة يرددها، فتحدث الكارثة!! أما الحكايات التي تروي عن أشخاص يحسدون أنفسهم، أو أبناءهم، أو ممتلكاتهم فكثيرة.. وتحضرني الآن واحدة كنت أحد شهودها، وكان بطلها الصحفي اللبناني الكبير سعيد فريحه صاحب دار الصياد التي تصدر عنها صحيفة »الأنوار« اليومية، التي كنت أعمل فيها في ذلك الوقت. كنا في أوائل عام 2691، وكانت الثورة العراقية التي قام بها عبدالكريم قاسم، وعبدالسلام عارف، تأكل نفسها، والأحداث تتلاحق في بغداد.. وكانت »الأنوار« علي وشك أن يبدأ طبعها، عندما دخل الأستاذ سعيد فريحه من باب المطبعة ليستفسر عن سبب تأخر بدء دوران ماكينة الطبع.. وقبل ان يجيبه احد.. اشتعلت النار فجأة في الماكينة دون سبب معروف.. فتدافع العمال والمحررون نحوها، وتعاونوا علي محاصرة النار حتي تمكنوا من اطفائها، فأنقذوا المطبعة كلها من كارثة محققة. وبعد ان هدأ كل شيء، قال احد العمال بتلقائية: ماذا جاء به اليوم؟.. فسألته علي الفور: من تقصد؟ قال هامسا: الاستاذ سعيد!! وسكت قليلا ثم اضاف: ما من مرة دخل فيها المطبعة إلا وحدثت مصيبة.. مع انها مطبعته!! قلت له: يقولون في مصر لا يحسد المال سوي أصحابه.. قال: كذلك نقول في لبنان أيضا!!