علماء النفس يقولون إن السحر قدرة علي الإيحاء، يستطيع من يملكها نقل أفكاره وتصوراته إلي رءوس الآخرين، فيرون ما يريد لهم رؤيته!! السبت: في مصر القديمة، كان الكهنة يخرجون إلي الخلاء في أيام الجفاف ويرددون بصوت جماعي، عبارات معينة، فيسقط المطر.. وكان الفرس، والبابليون، والهنود، والأفارقة، يفعلون ذلك أيضاً.. وفي الجزيرة العربية، كان رجال القبائل يؤدون في الخلاء صلاة جماعية، يسمونها »صلاة الاستسقاء«، يرددون خلالها أدعية معينة فيسقط المطر دون وجود سحاب.. فهل كان ذلك نوعاً من السحر؟!. العلماء المحدثون يقولون إن العبارات والأدعية التي كان الأولون يرددونها بشكل جماعي في صلواتهم، كانت لها ذبذبات تسري في الجو علي شكل موجات صوتية، تقوم إرادة من يرددونها بتحويلها إلي موجات كهربية، تؤثر في بخار الماء الموجود في الهواء، وتجعله يتكثف ليسقط بعد ذلك علي شكل زخات من المطر. ونحن نقبل هذا التفسير، أو بعبارة أخري لا نرفضه، كما تقبلنا من قبل قدرة المنوم المغناطيسي علي التأثير بإرادته علي عقل الوسيط وتنويمه، لإخضاعه لمشيئته.. وهو حين يفعل ذلك يقوم بترديد كلمات معينة، لها بالقطع ذبذبات معينة، تؤدي إلي إحداث التأثير المطلوب.. فهل في وسعنا اعتبار ما يقوم به المنوم المغناطيسي نوعاً من السحر؟!. يقول العلماء والباحثون في هذا المجال، إن السحر قدرة متفوقة تتوافر عند بعض الناس، فيستطيعون بها التأثير في غيرهم، أو فيما حولهم.. وهذا التأثير يكون مادياً في بعض الأحيان، ووهمياً في أحيان أخري. ويقولون أيضاً إن السحر الحقيقي فن له آثاره التي لا يمكن إنكارها، وإن كان هو نفسه غامضاً، لأنه لا يستند إلي قوانين معروفة، قابلة للقياس أو التحليل أو التفسير.. أما علماء النفس فيقول فريق منهم إن السحر قدرة علي الإيحاء، يستطيع من يملكها نقل أفكاره وتصوراته إلي رؤوس الآخرين، فيرون ما يريد لهم رؤيته.. ويقول فريق آخر إن هناك ظواهر لا يزال العلم عاجزاً أمامها، لأنها فوق المستوي المادي المحسوس، وتحتاج إلي منهج جديد للتفسير لم يتوصل إليه العلم بعد. ويقول الفيلسوف العربي ابن خلدون في كتابه »المقدمة«، إنه وجد في مصر، والسودان، والهند، رجالاً يمارسون ألواناً من السحر بواسطة »تعاويذ« يرددونها بصوت خافت كالهمس.. وأنه شاهد في مصر رجالاً يقرأون بعض »التعاويذ«، ثم يشيرون إلي الغنم فتنشق بطونها وتسقط أمعاؤها.. وفي الهند يرددون »تعاويذ« فتنفجر ثمار الرمان وتتطاير حباتها في الهواء.. وهناك »تعاويذ« انحدرت من عصور متناهية في القدم، مكتوبة بلغات اندثرت، يحفظها بعض السحرة المعاصرين، ويرددونها، دون إدراك معانيها، والغريب أن هذه »التعاويذ« تحقق لهم ما يريدونه.. ومعني ذلك أن دقة التلاوة، وإرادة الساحر، وسلامة الأداء، هي في الحقيقة التي تؤدي إلي إحداث الأثر المطلوب. ويقول ابن خلدون إن علوم السحر كانت موجودة عند أهل بابل من السريانيين والكلدانيين، وعند أهل مصر من القبط وغيرهم.. وكان لهم فيها بعض المؤلفات، التي لم يترجم منها إلا القليل من »التعاويذ« و»الطلسمات«. وكلمة »تعويذة« في اللغة العربية تعني الصيغة اللفظية، أو الرقمية، أو التركيبة التي تجمع بين الحروف والأرقام والأشكال المرسومة.. وتؤدي كتابتها، أو تلاوتها إلي جلب خير، أو شر، أو إحداث تأثير معين في شيء أو شخص.. وكان العرب يطلقون اسم »الحجاب« علي التعويذة المكتوبة علي ورق أو جلد أو قماش.. واسم »الرقية« علي التعويذة المنطوقة.. واسم »التحويطة« علي التعويذة المركبة من عبارات مكتوبة علي عظام، أو أنسجة حيوانية أو نباتية، ملفوفة مع أعشاب جافة، وبعض قطع من الأحجار أو المعادن ذات الخواص السحرية.. أما كلمة »التميمة« فإن معناها يختلف، وهي تطلق علي أي شيء يحتفظ به الشخص في أحد جيوبه، أو يعلقه حول عنقه، للوقاية من أي شر أو سوء.. والتمائم ارتبطت منذ القدم بالعقائد الدينية، واتخذت علي مر السنين أشكالاً رمزية لصيقة بهذه العقائد.. فاليهود ينقشون نجمة داود السداسية علي الميداليات وقطع الحلي التي يعلقونها، بسلاسل ذهبية أو فضية رفيعة، حول أعناقهم لتتدلي علي صدورهم.. وعند المسيحيين صورة يسوع، أو السيدة العذراء، أو الصليب.. وعند المسلمين كلمة »ما شاء الله« أو »آية الكرسي«.. وعند البوذيين صورة »بوذا«.. وفي معظم انحاء الدنيا نصادف أشخاصاً تتدلي علي صدورهم خرزة زرقاء، أو خرزة علي شكل عين، للوقاية من الحسد، أو تمثال لبومة لجلب الحظ، أو جمجمة صغيرة تشبه جمجمة إنسان للوقاية من الأخطار المميتة!! والذين يمارسون عمل التعاويذ والأحجبة السحرية في سائر بقاع الأرض الآن ليسوا جميعاً صادقين.. قليل جداً منهم الذي يستطيع، أما أغلبهم فمن الذين يستغلون حاجة من أعيتهم المتاعب، فيبيعون لهم الوهم، معتمدين علي جهل الناس بفنون السحر الغامضة المعقدة وهؤلاء هم الدجالون. من هو الساحر؟ إذا كان الدجل نوعاً من العبث الذكي بآمال ورغبات الآخرين، فإن السحر شيء آخر.. إنه فن وعلم حقيقي. والسحر فن لأنه يتطلب مهارة وخبرة لدي من يمارسه.. وهو علم لأن له أصولاً، ومنهجاً، وقواعد مستقرة، يتناقلها بنو آدم جيلاً بعد جيل.. والسحرة ثلاثة أنواع: الأول يمارس أفراده ما يسمي بالسحر الأبيض.. وهم يعتزلون الناس للتعبد والتأمل في أماكن قصية، ويعذبون أجسادهم ليتخلصوا من دنس الشهوات، بالجلوس عرايا ساعات طويلة في عز البرد، أو بالنوم فوق حصي مدبب الأطراف، أو بإحداث جروح في أجسادهم وتركها تتقيح.. وهم بعد كل ذلك يترفعون فوق كل متع الحياة، ويعزفون عن ملذاتها لكي تشتد عزائمهم، وتقوي إرادتهم، ويتحقق لهم السمو إلي حالة من الشفافية تحرر نفوسهم من أغلال أجسادهم المادية، لكي يتمكنوا من التحليق في الآفاق الرحبة، حيث تكون ملكاتهم أكثر توهجاً، وأكثر قدرة علي الانطلاق دون أن يعوقها عائق.. وهم يمارسون السحر لتحقيق الخير للناس. والنوع الثاني من السحرة، يمارس أفراده الأعمال الشريرة، أو ما يسمي بالسحر الأسود.. وهم يؤذون الناس في غفلة منهم، ويمارسون طقوساً غريبة، ويؤوون في بيوتهم حيوانات مكروهة، أو مرعبة.. أفعي سامة مثلاً، أو حرباء، أو فئران، أو حشرات سامة مثل العقارب، والعناكب، والديدان.. وهم يتجنبون الاقتراب من الماء بالشهور.. فقط يشربونه، ولا يغتسلون به.. ويقترفون الكثير من المحرمات، ويحفظون من التعاويذ ما يمكنهم من الاتصال بالجن، والتعامل معه، والاستعانة به. والنوع الثالث من السحرة يعيش أفراده حياة عادية مثل سائر الناس معظم الوقت، ولكن قدراتهم غير العادية تتوهج في أعماقهم فجأة، فيصبحون قادرين علي السمع أبعد، والرؤية أعمق.. ويصبح في وسعهم التأثير فيما وفيمن حولهم، ويسببون لهم من المتاعب ما قد يقلب حياتهم رأساً علي عقب. ونحن نصادف من آن إلي آخر أفراداً من هذه الأنواع الثلاثة، وعندما تحيرنا أعمالهم الخارقة، ونعجز عن إيجاد تفسير لها، نريح أنفسنا بالقول أنها نوع من خداع البصر، أو خداع السمع.. وفي نفس الوقت نبذل مجهوداً لنداري ما بداخلنا من مشاعر الخوف.. وليس أدل علي ذلك من أننا نخشي من الحسد والنحس، ونفزع من الغموض، ونتشكك في الغريب، ونخاف علي أولادنا من العين ونتكتم تفوقهم، ونرتعد إذا عرفنا أن فلاناً له علاقة بالجن!! الأب ميخائيل.. هذه حكاية أنقلها كما رواها لي أستاذ جامعي عاش تفاصيلها منذ أكثر من عشر سنوات، ولم يبح بها لأحد حتي الآن، ويقول إن كل ما في هذه الحكاية صحيح وحدث ولا يمكن إنكاره.. إنه أستاذ في إحدي كليات جامعة عين شمس، أصيبت ابنته الطالبة في الصف الثاني الثانوي بحالة مرضية أفقدتها القدرة علي التذكر، لدرجة أن الفتاة أصبحت تنسي ما فعلته، أو سمعته، أو قرأته منذ عشر دقائق.. وبسبب هذه الحالة الغريبة لم تتمكن من اجتياز امتحان النقل إلي السنة الثالثة مرتين متتاليتين.. طرق الأستاذ وابنته أبواب العديد من الأطباء المتخصصين.. وتردد علي كثير من عيادات الأطباء النفسانيين دون جدوي.. وذات يوم أشار عليه أحد زملائه باصطحاب ابنته إلي الأب ميخائيل في مدينة أسيوط، وقال له إن ذلك القس المبروك يمتلك مقدرة فائقة علي تخليص الذين يلجأون إليه من الأمراض التي حيرت الأطباء برقيهم، أو بلمس مواضع الألم في أجسادهم بأصابعه.. وإنه يقوم بذلك لوجه الله ولا يأخذ أجراً.. لم يتردد الأستاذ، الذي كان اليأس قد استبد به، وشد الرحال بعد يومين إلي أسيوط ترافقه ابنته.. وكات دهشته بالغة عندما استقبله الأب ميخائيل بترحاب وقال له وهو يصافحه: »أهلاً بالدكتور .......«، ثم ربت علي كتف الفتاة، ومسح بيده علي رأسها وهو يقول: »أنت الآن بخير بإذن الله يا آنسة ........«.. وأراد الأستاذ أن يشرح للأب ميخائيل الحالة التي تعاني منها ابنته، لكنه قاطعه بإشارة من يده، وقال: »انتهت المقابلة، وانتهي الأمر.. إذهبا الآن، وعد بمفردك بعد ساعة«!! شعر الأستاذ ببعض الحرج، وغادر الكنيسة وهو يلوم نفسه لأنه فاجأ القس في مكتبه دون موعد سابق.. وتصور أنه ربما لذلك طلب منه العودة بعد ساعة.. أو لعله سوف يطلب منه التبرع للكنيسة بأي مبلغ من المال.. وخرج إلي الشارع، وسار مع ابنته بضع دقائق علي غير هدي وقد استبد بهما التعب والإرهاق.. كانت المرة الأولي التي يزور فيها مدينة أسيوط، التي لا يعرف فيها أحداً، ولا يعرف أيضاً شوارعها.. وعندما وجد نفسه أمام مقهي دخل دون تردد.. وبعد أن استقر هو ابنته حول إحدي الترابيزات، طلب لنفسه فنجان قهوة، ولابنته كوب عصير.. وبعد ساعة مضت كأنها سنة، ترك ابنته في المقهي وذهب إلي الأب ميخائيل، الذي ما إن رآه حتي قال له باسماً: »سوف تصبح ابنتك مهندسة.. وسوف تسافر إلي ألمانيا بعد تخرجها في بعثة علمية علي نفقة الجامعة، وستتزوج قبل سفرها من زميل لها في نفس الكلية اسمه ........«.. وسكت الأب ميخائيل لحظة وعاد يقول: »سوف تسافر أنت وابنتك بألف سلامة.. ولكني عاتب عليك، لأنك تصورت عندما طلبت منك العودة أنني سأطلب منك تبرعاً.. رغم أن زميلك......... قال لك إنني لا أتقاضي أجراً«!! وعاد الأستاذ إلي ابنته في المقهي، وتوجه الاثنان إلي محطة السكك الحديدية، واستقلا القطار المتجه للقاهرة.. وقد شفيت الفتاة تماماً.. وتحقق بعد ذلك كل ما قاله الأب ميخائيل!!