الآن وقد حطت قافلة الانتخابات البرلمانية رحالها، بعد جولات وصولات طافت بكل الدوائر، في جميع المحافظات انتهت بإعلان اللجنة العليا للانتخابات النتائج، وبات معلوما من هم الأعضاء المنتخبون لمجلس الشعب الجديد، أصبح لازما إلقاء الضوء علي ما جري وما كان، وقراءة النتائج واستخلاص العبر ، بناء علي المؤشرات الواضحة، والدلائل القائمة. وقد ذكرنا بالأمس، ونؤكد اليوم، ان العملية الانتخابية افرزت مجموعة من الايجابيات لا سبيل لإنكارها، وحزمة من السلبيات لابد من وضعها في الاعتبار،...، ويأتي علي رأس هذه الايجابيات، طبقا لما توافقت عليه الآراء بين جميع قوي وفاعليات المجتمع المدني، غياب المحظورة عن البرلمان الجديد، وفشل مرشحيها المستترين ورآء قناع المستقلين في الحصول علي ثقة الناخبين، وإخفاقهم في التسلل الي مجلس الشعب بالالتفاف علي القانون، والتحايل علي الدستور. وقلنا، ان سقوط المحظورة، وفشلها في الدخول الي البرلمان الجديد، جاء تصحيحا لاخطاء حدثت في انتخابات عام 5002 تسببت في السماح لتنظيم غير شرعي بحكم القانون، في خوض الانتخابات والحصول علي عضوية مجلس الشعب، تحت عباءة المستقلين رغم علم الجميع بانتمائهم الكامل للمحظورة، ورغم تأكد الكل بخطورة ذلك علي الحياة السياسية والبرلمانية في مصر، وإهداره لدور الأحزاب الشرعية. وبعد ان أشرنا إلي مجمل الايجابيات التي افرزتها العملية الانتخابية، في مقال الأمس، توقفنا عند محاولة رصد وتسجيل السلبيات التي ظهرت، والتي نري ضرورة وضعها في الاعتبار نظرا لاهميتها، وتأثيرها البالغ علي الحياة السياسية والحزبية في مصر، وترسيخ قيم ومباديء الديمقراطية في الواقع المجتمعي. واحسب ان هناك توافقا عاما لدي كل المهتمين بالشأن العام وجميع من تابعوا سير العملية الانتخابية ومجرياتها، وما اسفرت عنه من نتائج، علي ان السمة الغالبة واللافتة للنظر كانت ولاتزال ضعف وهزال التواجد الحقيقي والفاعل لاحزاب المعارضة في الشارع، وبين الجماهير، وما نجم عن ذلك من قصور واضح في قدرتها علي كسب الأصوات، وهو ما أدي إلي قلة اعداد مرشحيهم الذين استطاعوا الفوز في السباق الانتخابي، والحصول علي مقاعد في البرلمان الجديد. وكلنا يعلم ان مجموع ما حصلت عليه أحزاب المعارضة خمسة عشر مقعدا فقط من بين »405« خمسمائة وأربعة مقاعد، جرت عليهم الانتخابات في جميع الدوائر،....، وهي نتيجة لا ترضي أحدا مهما قيل، ولا ترقي الي مستوي ما كنا نعلقه علي هذه الأحزاب من آمال وطموحات، حاولنا فيها تجاهل ما هي عليه من ضعف وغياب قوة. وفي هذا الشأن أقول بوضوح، ان كل المهتمين بالشأن العام في مصر، وجميع فعاليات وقوي المجتمع المدني، وجميع الساعين الي الدولة المدنية الحديثة في مصر، وأنا منهم، كنا نتمني لو استطاعت الأحزاب المعارضة الشرعية الحصول علي اضعاف، اضعاف، هذا الرقم ،..، وكنا نأمل ان نري في البرلمان الجديد ما لا يقل عن مائة عضو ينتمون الي أحزاب المعارضة،...، وبالتأكيد كنا نتمني لو حصلت هذه الأحزاب علي أكثر من ذلك. وقد قلت قبل ذلك، وأكرر الآن، بأنني وغيري كثيرون، كنا ومازلنا نتمني ان تشهد الساحة السياسية المصرية، وجودا فاعلا ومؤثرا للعديد من الأحزاب الشرعية،..، وان تكون أحزابا قوية ذات تواجد حقيقي، ونشاط واضح علي أرض الواقع السياسي المصري، وان تستمد وجودها وتأثيرها من انتشارها في الشارع، والتحامها بالجماهير، وقدرتها علي جذب التأييد الشعبي لها، عن طريق اقناع عموم الناس وخاصتهم ببرامج واضحة، ومحددة، تعكس قضاياهم، وتعبر عن واقعهم وتطرح مشاكل هذا الواقع، وتقدم حلولا عملية، وممكنة لهذه المشاكل، وتلك القضايا، وتطرح في ذات الوقت رؤي للمستقبل تعبر عن طموحات الناس، وآمالهم في المستقبل الأفضل . ونحن في أمانينا تلك ننطلق من اقتناع كامل، بأن قوة الأحزاب الشرعية، وزيادة فاعليتها ونشاطها علي الساحة السياسية، ضرورة واجبة ولازمة لسلامة المجتمع، وضمان التفاعل الحر، والبناء بين أفراده علي تعدد مستوياتهم الاقتصادية، والثقافية، وتنوع مشاربهم وقناعاتهم الفكرية، واختلاف رؤاهم، وآرائهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقبل ذلك، ومن بعده، فإننا جميعا نؤمن إيمانا كاملا، بأن مصر بوزنها وثقلها، وحضارتها، وآمال وطموحات ابنائها، وكل شعبها، تستحق منا جميعا، السعي الصادق والأمين والجاد، لترسيخ دعائم الديمقراطية في بنية المجتمع، وغرسها في تربة الوطن، ومساندة حرية الرأي والتعبير، وانطلاق الأفكار والرؤي، وإطلاق جميع طاقات الابداع، والابتكار والتحديث، في اطار الدولة المدنية الحديثة. ولعلي لا آتي بجديد إذا ما قلت ان لدي جميع المهتمين بالشأن العام، والحريصين علي الوصول بمصر إلي مصاف الدول المدنية الحديثة والمتطورة، لديهم اقتناع كامل، وإدراك شامل بأن ذلك كي يتحقق، ويصبح حقيقة واقعة وملموسة علي الأرض، نراها ونعيشها ونمارسها يوما بعد يوم، فلابد من وجود واضح وفاعل للأحزاب السياسية القوية، التي هي منابر الفكر والرأي، ومنصة اطلاق للرؤي والبرامج، ووسيلة طبيعية وشرعية للتعددية، ووجود الرأي، والرأي الآخر. وفي هذا السياق فإننا جميعا كنا نأمل، ان نري وجودا قويا وملموسا للأحزاب السياسية الشرعية المعارضة، في مجلس الشعب الجديد، من خلال مجموعة من النواب الأقوياء في الحق، والحائزين علي ثقة الناخبين، وشرف تمثيلهم تحت قبة البرلمان،...، وهو ما لم يتحقق للأسف علي القدر الذي كنا نرجوه، ونتمناه، ،..، بل انه حتي لم يقترب مما كنا نأمله ونطمح فيه بالنسبة لهذه الأحزاب، وللحياة الحزبية والسياسية بصفة عامة وللتفاعل النشط الايجابي تحت القبة بصفة خاصة. وفي ظل ذلك كله، وبالتأمل فيما اسفرت عنه العملية الانتخابية من نتائج، نجد ان رقم الخمسة عشر مقعدا التي حصلت عليها أحزاب المعارضة، هي في حقيقتها تمثيل هش لهذه الأحزاب تحت قبة البرلمان، وهو كما قلنا سابقا، لا يرقي علي الاطلاق إلي ما كنا نتمناه ونأمله لهذه الأحزاب، وما كنا نأمله ونتمناه للحياة السياسية علي الساحة المصرية. ونحن نتجاهل الواقع، اذا قلنا ان ما وقع كان مفاجأة غير متوقعة منا أو من غيرنا،..، ونتغافل عن الحقيقة اذا ما تخيلنا أن آمانينا، وأمنياتنا كان من الممكن ان تتحول الي حقيقة علي أرض الواقع، لمجرد اننا نتمني حدوثها، بغض النظر، وبالمخالفة لكل الحقائق الظاهرة والمؤكدة في الشارع السياسي والحزبي، والتي تقول بأن ما كنا نتمناه من الصعب ان لم يكن من المستحيل ان يتحقق، لأنه ببساطة ووضوح يخالف كل القواعد المنطقية، التي تقول ان الأسباب هي التي تؤدي الي النتائج، وان المقدمات هي التي توصل الي هذه النتائج وتدل عليها. وللحقيقة، لقد كانت جميع المقدمات الموجودة علي الساحة، واقصد هنا المقدمات الحقيقية ، تشير الي عكس ما نأمل ان يتحقق، وللحقيقة أيضا، لقد كان واضحا ان كل الأسباب القائمة علي أرض الواقع السياسي والحزبي تشير، بل تكاد تجزم بأن ما نطمح إليه لا يمكن ان يتحقق، وان الأحزاب القائمة لن تستطيع الوصول الي، أو حتي الاقتراب من تحقيق الأرقام التي نتمناها. وقد قلت ذلك بصراحة ووضوح ودون تردد في مقال كتبته يوم الخميس »2« ديسمبر الحالي ونشر في هذا المكان من »الأخبار« صباح الجمعة »3« دسيمبر، وكان ذلك بعد انتهاء الجولة الأولي من الانتخابات، وإعلان نتيجتها، وقبل الجولة الثانية، وهي جولة الإعادة،..، وهو نفس ما تقتضي الحاجة لقوله والتأكيد عليه الآن، بل وتكراره كلما تطلب الموقف ذلك، وحتي يمكن معالجة حالة الضعف الشديد التي أصابت أحزاب المعارضة، والتي يبدو انها وقعت فريسة لها،..، بل والأخطر من ذلك يبدو انها مستسلمة لها، ولا تسعي بجدية للخلاص منها. وانطلاقا من ذلك، نقول بوضوح ومباشرة لهذه الأحزاب، ونوجه القول في المقام الأول للمسئولين بها وقياداتها، وهيئات مكاتبها بأننا وكل المهتمين والمنشغلين بالشأن العام، والواقع السياسي والحزبي، يهمنا وجود أحزاب معارضة قوية وفاعلة، ونري ان الوجود المؤثر والقوي لأحزاب المعارضة الشرعية تحت قبة البرلمان، هو في حقيقية اضافة جيدة ومطلوبة للحياة السياسية، ودعم حقيقي للديمقراطية. ونحن نقول ذلك بكل الوضوح، ودون التفات للضجة المثارة والسائدة علي الساحة الآن من بعض هذه الأحزاب، ومن غيرهم، ممن جانبهم التوفيق في الانتخابات، أو اعلنوا انسحابهم منها بعد ضآلة ما تحصلوا عليه في الجولة الأولي، ولم يحققوا ما كانوا يحلمون به، بالمخالفة للواقع، مما دفعهم للبحث عن وسيلة هشة وغير حقيقية لتبرير نتائجهم المحبطة، وعدم توفيقهم. ونقول، ان هذه الأحزاب، ظلت سنوات عديدة غير متنبهة لضرورة النهوض بنفسها، وغير واعية لأهمية البدء الجاد في تطوير وتحديث بنيتها، وتجديد شبابها، رغم ان كل المؤشرات والأسباب كانت تدعوها لذلك. وأقول لهم، لقد كانت جميع المؤشرات الظاهرة والطافية علي سطح الحياة السياسية والحزبية المصرية، خلال الخمس سنوات الماضية، وما قبلها تؤكد ان هناك ضعفا شديدا ينتاب احزاب المعارضة، القديم منها والجديد، وأن الحاجة تقتضي ان تخلع هذه الأحزاب فورا، ثوب الرتابة والجمود، وان تشرع في دراسة متعمقة لأوضاعها، وتضع خطة شاملة للتجديد والتحديث والتطوير، تعيد فيها بناء هياكلها التنظيمية، وتسعي لتقوية ودعم بنيانها الداخلي، ووحداتها الحزبية، والتواصل مع الجماهير، وكسب ثقتها، وتوسيع مجال انتشارها وتواجدها في الشارع،...، ولكن ذلك لم يحدث للأسف. وطوال الخمس سنوات الماضية، بل وقبلها بعامين، كانت تجري أمام أعين هذه الأحزاب، عملية تغيير وتجديد شاملة ومتعمقة في الحزب الوطني الديمقراطي، تم خلالها إعادة بناء الحزب من جديد، ودعم وتقوية بنيته التنظيمية، وتجديد وتحديث العضوية،...، ولكن احزاب المعارضة لم تلتقط الرسالة، ولم تدرك أن الضرورة تقتضي منها ان تدخل حلبة السباق، وان تبدأ عملية التطوير والتحديث هي أيضا، فظلت علي حالها دون تطوير، أو تحديث عاما وراء عام »منذ 2002«، وحتي الآن. بل وأكثر من ذلك، لقد شهدت السنوات الماضية سقوط الكثير من هذه الأحزاب في دائرة الصراع الداخلي، والتناحر بين قياداتها، مما اعطي صورة ليست جيدة عنها لدي الجماهير، وأدي في نفس الوقت إلي زيادة ضعف هذه الأحزاب اكثر مما هي عليه، وهو ما أدي إلي انصراف الجماهير عنها،...، وكانت النتيجة للأسف هي ما رأيناه في الانتخابات الأخيرة، وما اسفرت عنه نتائجها. والآن،...، احسب اننا لا نتجني علي الحقيقة والواقع إذا ما قلنا إننا كنا نتمني وجودا أكثر قوة وأكثر فاعلية لاحزاب المعارضة في البرلمان،...، ولكن ماذا نفعل إذا كانت هي نفسها لم تعمل من أجل ذلك،...، أو لم تعمل بالقدر الواجب من الجدية؟! ولكن مازال لدينا الأمل في أن تكون هذه الأحزاب قد استوعبت الدرس، وقررت أن تعمل علي معالجة ما هي عليه من حال لا يسر أحدا. وأحسب في ذات الوقت ان الأغلبية الكاسحة التي حصل عليها الحزب الوطني الديمقراطي في مجلس الشعب الجديد، تلقي علي الحزب وقيادته مسئولية جسيمة، وواجب كبير، عليه القيام بهما والوفاء بمتطلباتهما في إطار الدور التشريعي والرقابي للمجلس في ظل مرحلة من أهم وأخطر المراحل التي يمر بها الوطن في تاريخه المعاصر.