محمد بركات ما هي الحقيقة في مسألة انفلونزا الخنازير،..، ولماذا وصلت الأمور إلي حافة الفزع لدي المواطنين من انتشارها وتحولها إلي وباء انتبهنا فجأة فوجدنا ضجة كبيرة وتوجسات عديدة كلها تشير وتوحي بأن هناك تفشيا لوباء انفلونزا الخنازير في مصر، وان هناك محاولات لإخفاء الحقيقة والتستر علي الكارثة،..، وان وزارة الصحة تحاول التكتم علي الموضوع،..، فهل تلك هي الحقيقة أم أن ما حدث ويحدث في هذه الحالة أو الواقعة، هو التطبيق الحرفي للمثل الشائع أو الدارج، الذي نستحضره دائما عندما نريد الإشارة الي وجوب الحذر من خطر ما، أو للنصح بضرورة الحيطة والانتباه لاحتمال حدوث تطور الي الأسوأ، قياسا علي وقائع وأحداث سابقة. المثل يقول في معناه أن من اكتوي بسخونة الشراب يضطر للنفخ في الزبادي، وباللغة الدارجة »من لسعته الشوربة ينفخ في الزبادي«، وهو ما طبقناه بالفعل في واقعة الاصابة بانفلونزا الخنازير، وما جري تناوله بشأنها خلال الأيام القليلة الماضية، حيث تعامل معها البعض بكثير من الخوف والفزع، وتناولها البعض الآخر بقدر كبير من الهلع والرعب، وتناقلها الكل بكثير من التهويل والمبالغة.
ورغم ان ذلك لم يكن صحيحا في مجمله، إلا ان الضجة استمرت وتزايدت وتصور البعض انها حقيقة وان هناك بالفعل وباء لإنفلونزا الخنازير في مصر، وان هناك العديد من حالات الوفاة قد وقعت بين المصابين والبقية في الطريق،..، وكان من الممكن ان تتطور الامور الي ما هو اسوأ من ذلك بكثير تحت وقع انتشار الشائعات وعدم توخي الدقة أو البحث الجدي عن الحقيقة، لولا مسارعة وزارة الصحة وايضا مكتب منظمة الصحة العالمية في مصر، للتصدي لما يقال وما يتم تناقله من اخبار غير مدققه وإعلان الحقيقة دون زيادة أو نقصان يوم الثلاثاء الماضي. ورغم ان هناك من يري ان إعلان الحقيقة تأخر بعض الشيء، وهو ما أتاح الفرصة لإنتشار الشائعة وزيادة مشاعر الخوف والذعر عند الناس، إلا اننا نحمد الله علي ان تحرك وزارة الصحة لم يتأخر اكثر من ذلك، ولابد ان نشهد بأنه كان فعلا ايجابيا حاول وضع الامور في نصابها الصحيح والتخفيف من حالة الفزع والخوف التي اصابت عموم المواطنين.
وحتي ندرك حجم التخوفات ومساحة الفزع التي انتابت الناس، علينا ان نشير الي الضجة الكبيرة والخلاف المحتدم والمشادة الحامية، التي شاهدها وتابعها عموم المواطنين، بين نقابة الأطباء ووزارة الصحة حول مدي انتشار فيروس انفلونزا الخنازير في مصر، وما شابها من اتهامات متناثرة وتشكيك في الأرقام والبيانات الصادرة عن كل طرف. وانتبه الناس في منتصف الاسبوع الماضي وبالتحديد يوم الثلاثاء الرابع من فبراير الحالي، ان هناك خلافا حادا بين الجانبين حول مدي انتشار الاصابات في مصر، وان كل طرف يؤكد ان موقفه هو الصحيح، وانه الأكثر حرصا علي صحة المصريين،..، وكان من نتيجة ذلك ان وقع الناس في حيرة من الأمر، لا يعرفون اين الحقيقة علي وجه اليقين وسط هذه الضجة وذلك الخلاف، خاصة وان هناك اطباء من النقابة يقولون ان هناك انتشارا للمرض وان عددا من الاطباء قد توفوا بعد الاصابة به، وان وزارة الصحة تتكتم علي الحقيقة ولا تعلنها، بل تحاول اخفاءها.
وعلي الجانب الآخر يؤكد الأطباء في وزارة الصحة ان هذا كلام غير صحيح بالمرة، أو علي الأقل غير دقيق، وأن الوزارة لا تخفي شيئا في هذه المسألة، بل لا يوجد ما يمكن اخفاؤه، ولا يوجد انتشار وبائي للمرض في مصر، وان عدد الإصابات بالفيروس »H1 N1« »إتش واحد إن واحد« في المعدلات العادية، رغم وجود نشاط نسبي وملحوظ لهذا الفيروس في مصر في موسم الشتاء الحالي، وهذا أمر طبيعي، حيث ان الفيروس نشط الآن في نصف الكرة الشمالي كله، ومصر تقع جغرافيا في النصف الشمالي للكرة الأرضية. وفي ظل كلام اطباء النقابة، وما قالته وزارة الصحة، كانت النتيجة الطبيعية هي إثارة المزيد من الخوف والقلق بل والفزع ايضا عند عموم المواطنين، الذين وقعوا في حيرة من يصدقون ومن لا يصدقون من الأطباء المحترمين،..، وكان الفزع الأكبر لدي الناس هو ان يعود عفريت انفلونزا الخنازير للظهور في مصر من جديد، بكل ما يعنيه ذلك من آثار ونتائج مؤلمة مازالت في الذاكرة منذ عام 9002 حينما اجتاح العالم وانتشر كوباء في كل الدول.
ولكن ما هي الحقيقة في مسألة انفلونزا الخنازير؟! ولماذا وصلت الأمور الي إثارة الكثير من الهلع والفزع لدي المواطنين عندما وصلت الي اسماعهم شائعة انتشارها في مصر؟! قد يكون من المفيد بل واللازم ان نذكر الحقيقة التي اعلنتها وزارة الصحة بخصوص الاصابة بالمرض في مصر حتي نهاية يوم الثلاثاء الماضي، حيث تقول ان مجمل الاصابات بفيروس "H1 N1" »اتش واحد إن واحد« وهو فيروس انفلونزا الخنازير لم يتجاوز 591 إصابة في مصر من ديسمبر الماضي وحتي الاسبوع الماضي،..، وتعرضت 42 حالة منهم للوفاة وان هذه الحالات موزعة علي مساحة خريطة مصر كلها. ويؤكد الدكتور احمد كامل المتحدث باسم وزارة الصحة ان عدد الاصابات وعدد الوفيات لا يشكل انتشارا مثيرا كما لا يمثل وباء علي الإطلاق، وان الفيروس اصبح واحدا من فيروسات الانفلونزا الموسمية المنتشرة في العالم، وخاصة في نصف الكرة الشمالي واكثر انتشارا الآن في امريكا، حيث ان في الولاياتالمتحدةالامريكية وحدها 08٪ من عدد الاصابات في العالم كله الآن. ويجمع الأطباء علي ان هناك فئات اكثر تعرضا للإصابة بالفيروس من غيرهم، وهم كبار السن والحوامل وأصحاب السمنة المفرطة، والمصابون بحساسية الجهاز التنفسي، وبالطبع المصابون ايضا بضعف المناعة والأطفال دون العامين.
وإذا ما اخذنا المعلومات التي يذكرها الأطباء علي محمل الجد وهو ما لابد ان نلتزم به ونعمل به، فلابد ان نشير الي ما تجمع عليه جميع التقارير الصحية من ضرورة الوقاية وتوخي الحذر في التعامل مع انفلونزا الخنازير فور الاشتباه في وجود الاصابة بالمرض لأحد المقربين منا، حيث يقولون انها رغم كونها الآن احد انواع الانفلونزا الموسمية إلا انها قوية التأثير، وتتحول الي التهاب رئوي حاد إذا تم اهمال علاجها فور الاصابة بها،..، وينصحون بالعرض علي الطبيب إذا ظهرت اعراض الانفلونزا علي المريض ولم تستجب للعلاجات المألوفة اكثر من 48 ساعة ويؤكدون علي اهمية النظافة الشخصية وغسل اليدين عدة مرات توقيا لنقل العدوي، وينصحون بأهمية التطعيم كإجراء وقائي من الاصابة، خاصة وأن الطعم متوفر في مصر. من الواضح من التصريحات والمعلومات الصادرة عن وزارة الصحة والمؤيدة بما صدر ايضا من معلومات عن منظمة الصحة العالمية ومكتبها في القاهرة، ان هناك اطمئنانا للوضع في مصر، وانه لا مجال ولا موجب للتخوف من استفحال أو انتشار ملحوظ أو غير عادي لانفلونزا الخنازير في مصر طبقا لما هو مرصود ومعروف حتي نهاية الاسبوع الماضي،..، وهو ما نتمني استمراره حتي نهاية الشتاء الحالي. وهنا لابد ان نتساءل عن الأسباب الكامنة وراء حالة الذعر والهلع التي اصابت المواطنين لدي سريان الأخبار والحقائق المنقوصة وغير المدققة حول انتشار الاصابة بانفلونزا الخنازير في مصر. للإجابة عن هذا السؤال لابد ان نعود بالزمن للوراء قليلا، وصولا الي ابريل عام 9002،..، فماذا حدث في هذا التاريخ؟!
في أواخر ابريل 9002 انتابت العالم كله حالة من الفزع الشديد، فور تطاير الأخبار الناقلة للتحذير من انتشار متوقع لنوع جديد من الانفلونزا يهدد باجتياح قارات العالم المأهولة بالبشر، بما يمثل وباء تصعب مواجهته أو التصدي له. وأجمع الخبراء في ذلك الوقت ان الفيروس الجديد هو نوع محور من انفلونزا الخنازير بعد تزاوجها بإنفلونزا البشر، ظهر في المكسيك أولا، وانتشر منها الي الولاياتالمتحدةالامريكية، ثم اجتاح دول العالم في اوروبا وآسيا واستراليا، ووصل بعدها الي جنوب افريقيا ثم زارنا أخيرا في مصر حاملا جواز سفر أمريكيا، وساكنا في مبني اقامة طلاب الجامعة الامريكية في الزمالك، حيث تم اكتشاف سبع حالات مصابة بها. وكان من الطبيعي وايضا المتوقع ان يصل الفيروس الجديد الي مصر في أي وقت في ظل انتشاره الشديد في كافة قارات ومعظم دول العالم، وذلك رغم الاحتياطات والاجراءات الاحترازية التي بذلتها مصر وقامت بها لمحاولة الحيلولة دون دخوله للبلاد،..، ولكن دون جدوي حيث ان مصر ليست دولة معزولة عن بقية العالم،..، ولم يكن معقولا ولا متصورا الا تتعرض لما يتعرض له العالم كله من نوائب وكوارث، كما لم يكن متصورا ان تقف فيروسات الانفلونزا الجديدة التي اطلق عليها H1 N1 إتش واحد إن واحد، عند حدودها عاجزة عن الدخول اليها بعد ان غزت دول العالم كلها تقريبا.
وإذا ما علمنا ان عام 9002 شهد انتشارا سريعا لإنفلونزا الخنازير في جميع الدول، ومصر لم تكن استثناءا من ذلك، وهو ما أدي الي وفاة العديد من البشر في دول كثيرة في ذلك الحين، لأدركنا السبب وراء حالة الفزع والهلع والخوف التي اصابت البعض عندما طرقت اسماعهم شائعة انتشار المرض في مصر منذ أيام، خاصة ان الشائعة اشتملت في ثناياها علي ان هناك اطباء اصيبوا بالمرض وتوفوا به. وإذا ما اضفنا الي ذلك بعض المعلومات الأخري المتعلقة بما جري خلال عام 9002 حيث بلغ عدد الاصابات في العالم بفيروس انفلونزا الخنازير ما يقارب 05 مليون اصابة، وكان من نصيب مصر من بينها عدة الاف في مدي زمني ليس بالطويل، لعلمنا ايضا اسباب ما اصاب الناس من رعب وهلع عندما لاح امامهم احتمال »تكرار ما حدث« وكان من الطبيعي في هذه الحالة ان ينتابهم الخوف بأثر رجعي، عندما يتذكرون معاناتهم ورعبهم من الاصابة بالمرض في تلك الأثناء.