في حوار علي هامش أحد المؤتمرات السياسية الدولية فوجئت بأحد المثقفين العرب يقول : إن معظم الانظمة العربية انظمة جاهلية لانها لاتقيم شرع الله ولا تطبقه في الحكم ،والله سبحانه وتعالي يقول : (ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون ) قلت له : وماذا تعني الحاكمية لله من وجهة نظرك ؟ قال: إن الحاكمية لله اوضحها وبينها بالتفصيل احد علماء الازهر الشريف وهو الدكتور عمرعبدالرحمن حينما اكد أن اخص خصائص الالوهية هي الحاكمية.. فالذي يشرع لمجموعة من الناس يأخذ فيهم مكان الالوهية ويستخدم خصائصها ، فهم عبيده لا عبيد الله وهم في دينه لا في دين الله .. والاسلام حين يجعل الشريعة لله وحده ويعلن تحرير الانسان ..بل يعلن ميلاد الانسان ،فالانسان لا يولد، ولا يوجد الا حيث تتحرر رقبته من حكم انسان مثله ، والا حين يتساوي في هذا الشأن مع الناس جميعا أمام رب العالمين. قلت له : إن الفهم الخاطئ للحاكمية هو الذي دفع الخوارج إلي الخروج علي الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقد اعتبروا قبوله للتحكيم اخلالا بمبدأ الحاكمية لله ، وحين حاورهم ترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنه في ذلك قال لهم إن المولي عز وجل يقول في محكم التنزيل : (..وليحكم به ذوا عدل منكم ) وقبول التحكيم بين علي ومعاوية رضي الله عنهما ليس متعارضا مع الحاكمية لله ، ولم يجد اقطاب الخوارج رداً شرعياً مقنعاً علي ابن عباس رضي الله عنه. فقال المثقف العربي : وهل يعني ذلك أن نفوض أناساً في التشريع للمجتمع ، وشرع الله بين ايدينا ؟! قلت : إن وظيفة المجالس التشريعية المنتخبة والمعينة أن تقنن الشريعة الاسلامية في صورة حديثة تيسيرا لتطبيقها في واقعنا المعاصر دونما تفريط وافراط او تزيد وتنطع ، ولا اعتقد أن وجود مجالس تشريعية لاتصدر قوانين تخالف الشريعة الاسلامية تتناقض مع اقرار الحاكمية لله سبحانه وتعالي .. كنت حزيناً في نهاية المؤتمر لاننا مازلنا نتحاور في قضايا قتلت بحثاً في القرن الاول الهجري وقطار التنمية يسير بسرعة رهيبة بعيدا عن منطقتنا العربية المكبلة بالمفاهيم الخاطئة.