حين كنا طلاباً بالفرقة الرابعة بكلية الآداب- نضَّر الله أيامها- طلبنا من العلامة الدكتور محمود أبوسمرة أن يحذف لنا بعض أبواب علم النحو في هذه المحاضرة الأخيرة حتي نذهب إلي بلادنا قبيل الامتحان بصحبة منهج موجز وقصير لايرهقنا فما كان من هذا العالم الجليل سوي الإيجاز البليغ في عبارة واحدة: »ان تم ذلك.. فاذهبوا وجهلكم يتبعكم«.. ومع مرور الأيام تأكدنا من صدق يقين الرجل الذي أراد أن يصنع من هؤلاء الشباب رجالاً حماة للغة العربية وغيورين عليها، ومدافعين عنها بحكمة وموهبة واقتدار، فأساس ارتفاع أي بنيان هو قواعد، وما بني علي باطل فهو باطل، فإن صح مبدأ الحذف في علم ما وبخاصة العلوم النظرية فهو في اللغة العربية ولاسيما قواعد النحو يعد بمثابة خطأ بل خطيئة تدفع ثمنها الأجيال القادمة في ظل هذا التراجع في مستوي الخريجين حتي من بين أهل التخصص. ان اللغة العربية هي وعاء الفكر، وناقلة الحضارة، وهي عنوان هويتنا، وفي نهضتها نهضتنا وتقدمنا، وما عزت أمة ولا ارتفعت إلا برقي وازدهار لغتها، فكما يقول الشاعر: وكم عز أقوام بعز لغات.. ومن أروع ما روته كتب التاريخ والأدب أن رجلا دخل علي زياد بن أبيه، فقال: ان ابونا مات، وان أخينا وثب علي مال أبانا فأكله، فقال زياد: والله، الذي أضعته من كلامك أضر عليك مما أضعته من مالك في ميراث أبيك، ومن أروع العبارات التي وردت علي لسان الشيخ »حسين« والد عميد الأدب العربي د.طه حسين قوله: ان اللغة محيط لاساحل له، ونحن نقول: علي المرء أن يكون غيورا علي لغته وبيانها وبديعها وسلامة نطقها بل ان صحة اللغة وصواب نطقها بمثابة ملح الكلام، فعلينا أن ننتقي من الألفاظ أجملها، ومن المعاني اسماها وأنبلها، وختاما يقول الخليل بن احمد الفراهيدي: »من أراد أن يري في نفسه الهيبة فليتعلم النحو«.