أنا من جيل يمثل له الحبر والورق معني خاصا جدا.. اعتبر الحبر جزءا من دمي والورقة صفحة من صفحات حياتي. وينقل الدم افكارا وحروفا وكلمات من قلبي وعقلي وأحس بها تدخل قلب وعقل من يقرأ لي. لاشك ان الكتابة بالقلم علي الورق لها مذاق يختلف اختلافا كليا عن الكتابة بالنقر علي الازرار في جهاز كمبيوتر.. حتي لو كانت الثانية اسرع وانظف واكثر تحضرا. البعض وانا منهم تنساب الفكرة من عقله الي يده عبر شرايينه ثم الي الورق. البعض وأنا منهم يكون انسياب الفكرة عندهم اسرع في حال استخدام قلم خاص او ورق معين.. ولا اتحدث هنا عن ظروف محيطة او توقيت محدد او حتي نوع الاضاءة في الغرفة. اصبح الناس الذين هم مثلي اقلية في هذا الزمن.. لان الكتابة الالكترونية اصبحت هي السائدة تقريبا.. وانت تضطر للحصول علي معلومة تريدها أن تبحر عبر الكمبيوتر وشبكة المعلومات الدولية.. وكما تحصل علي معلوماتك الكترونيا.. فانت مضطر للواصل مع الكتابة الالكترنية لتكون الحكاية كلها زراير وشاشات.. ويختفي القلم والورقة من حياتنا. الصحافة الورقية التي نكتب فيها الان.. وتقرأها انت الان.. عمرها حوالي مائتي سنة واستمرت قرنين من الزمان تحرك العالم كله وتصنع احداثه وتسجلها وترصدها وتنقلها للناس.. واصبحت هي صاحبة الجلالة التي تحكم وتأمر وتنهي.. ولا يمكن لأي سلطة ان تقف في وجهها. الصحافة الورقية التي صنعت امجادا عظيمة خلال مائتي عام... اصبحت الان موضة قديمة.. وتواجه كل الصحف الورقية في كل العالم- حتي الصحف التي تجاوزت اعمارها اكثر من قرن من الزمان- مشاكل عديدة.. هي اقرب لأمراض الشيخوخة التي تصيب كبار السن من البشر. واصبحت الصحافة الالكترونية هي الشاب اليافع القوي الذي يجذب الشباب من امثاله.. واصبحت هي المحرك القوي ذا الدفع الرباعي الذي لا يمكن ان تنافسه عربة يجرها اقوي الخيول. اصبحت »غولا« بمعني الكلمة يبتلع كل وسائل الاعلام الاخري ولايرحمها.. او قطارا جامحا بلا اي مزلقانات يلتهم من يفكر في ان يقف امامه. لذلك تحولت معظم الصحف والمجلات في العالم من ورقية الي الكترونية.. لانها تصل الي الناس بصورة اسرع واشيك وانظف وتصله حيثما يريد ووقتما يريد وبالصورة التي يريدها.. اصبحت صحفا ومجلات يشكلها القاريء حسب مزاجه ولا يستطيع ان يفرض احد عليه شيئا. والصحف التي لم تتحول بالكامل الي الكترونية اضطرت لانشاء موقع الكتروني يعرض محتواها كليا او جزئيا.. ووجدت أن تلك المواقع يدخلها اضعاف من يشتري الجريدة الورقية. فماذا يفعل من هو مثلي ومثلك.. هذا ما سأتحدث معكم فيه في مقال قادم.