انتصار السيسي: عيد شم النسيم يأتي كل عام حاملا البهجة والأمل    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس وتعلن النتيجة    فى شم النسيم.. الذهب يرتفع 10 جنيهات وجرام 21 يسجل 3090    تعرف على أسعار البيض اليوم الاثنين بشم النسيم (موقع رسمي)    20 صورة ترصد استعداد حدائق "الري" لاستقبال المواطنين خلال شم النسيم    مقترح برلماني بإطلاق بوابة إلكترونية لتسهيل إجراءات التصالح في مخالفات البناء    مصدر رفيع المستوى للقاهرة الإخبارية: الوفد الأمنى المصرى يكثف اتصالاته لاحتواء التصعيد بغزة    قيادات إسرائيل تحيي ذكرى المحرقة.. ونتنياهو: حماس لديها نفس نية النازيين    "موقف الشناوي وعودة الثنائي".. تطورات جديدة في الأهلي قبل مواجهة الاتحاد السكندري    موقف الأهلي والزمالك، ترتيب الدوري المصري قبل مباريات اليوم    في ذكرى رحيل أسطورة كرة القدم المصرية.. صالح سليم حقق أرقامًا قياسية في البطولات والأهداف.. شارك في عدد من الأفلام السينمائية.. وهذا سر اعتزاله الفن    الأرصاد: أجواء ربيعية على أغلب الأنحاء تسمح بالتنزه والاستمتاع بشم النسيم    حبس عامل بمطعم أنهي حياة أجنبي في مدينة نصر    إصابة أب ونجله في مشاجرة مع جيرانهم بالشرقية    معظمهم أطفال.. إصابة 7 أشخاص في حادث بأسيوط    خبير أثري: فكرة تمليح السمك جاءت من تحنيط الجثث عند المصريين القدماء (فيديو)    في ذكرى ميلادها.. محطات فنية في حياة ماجدة الصباحي    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    الأوقاف تحدد رابط للإبلاغ عن مخالفات صناديق التبرعات في المساجد    يستفيد منه 4 فئات.. تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس بالجامعات    «الري»: حدائق القناطر الخيرية تفتح أبوابها أمام زوار أعياد الربيع وشم النسيم    قبل لقاء الريال، توخيل يعبر نصف النهائي خلال 11 مرة مع ثلاث أندية    "احنا مش بتوع كونفدرالية".. ميدو يفتح النار على جوميز ويطالبه بارتداء قناع السويسري    مفاضلة بين زيزو وعاشور وعبد المنعم.. من ينضم في القائمة النهائية للأولمبياد من الثلاثي؟    كولر يضع اللمسات النهائية على خطة مواجهة الاتحاد السكندرى    اقتراح برغبة لإطلاق مبادرة لتعزيز وعي المصريين بالذكاء الاصطناعي    تكثيف صيانة المسطحات الخضراء والمتنزهات بالمدن الجديدة مع عيد شم النسيم    أول تعليق من الأزهر على تشكيل مؤسسة تكوين الفكر العربي    طقس إيداع الخميرة المقدسة للميرون الجديد بدير الأنبا بيشوي |صور    عيد الأضحى 2024: متى سيحلّ وكم عدد أيام الاحتفال؟    أشجار نادرة وجبلاية على شكل الخياشيم.. استعدادات حديقة الأسماك لشم النسيم    توافد المواطنين على حدائق القناطر للاحتفال بشم النسيم .. صور    الرئيس البرازيلي: التغير المناخي سبب رئيس للفيضانات العارمة جنوبي البلاد    رئيسة المفوضية الأوروبية: سنطالب بمنافسة "عادلة" مع الصين    نور قدري تكشف عن تعرض نجلها لوعكة صحية    إيران تدرب حزب الله على المسيرات بقاعدة سرية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    هل يجوز قراءة القرآن وترديد الأذكار وأنا نائم أو متكئ    نصائح لمرضى الضغط لتناول الأسماك المملحة بأمان    «الرعاية الصحية» تطلق فعاليات المؤتمر العلمي الأول لفرعها في الإسماعيلية    عصير سحري تناوله بعد الفسيخ والرنجة.. تعرف عليه    "ماتنساش تبعت لحبايبك وصحابك".. عبارات تهنئة عيد الأضحى المبارك 2024 قصيرة للأحباب    وزيرة الهجرة: نستعد لإطلاق صندوق الطوارئ للمصريين بالخارج    نيويورك تايمز: المفاوضات بين إسرائيل وحماس وصلت إلى طريق مسدود    دقة 50 ميجابيكسل.. فيفو تطلق هاتفها الذكي iQOO Z9 Turbo الجديد    مع قرب اجتياحها.. الاحتلال الإسرائيلي ينشر خريطة إخلاء أحياء رفح    وسيم السيسي يعلق علي موجة الانتقادات التي تعرض لها "زاهي حواس".. قصة انشقاق البحر لسيدنا موسى "غير صحيحة"    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 6 مايو    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    طبيب يكشف عن العادات الضارة أثناء الاحتفال بشم النسيم    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    خالد مرتجي: مريم متولي لن تعود للأهلي نهائياً    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيقونة جورج البهجوري 1-2

طول عمري أنظر الي رسومات الفنان الكبير جورج البهجوري وأتوقف حائرا، لقد تعودنا علي الكاريكاتير مثلا واضحا يشكل الرسم فيه مع التعليق رأيا صريحا بالتناقض حينا وبالتأكيد حينا آخر ، وكما تجذبني قوة الخطوط يجذبني التعليق الذي يستكمل الصورة فيكون مثلها في سخريته ويضحكنا حيث يجب البكاء ويلخص لنا الرأي دون إطالة وإسهاب وفي ذلك برع معظم فناني مصر من كل الاجيال وصاروا علامات في الصحافة.
وتجاوز الكاريكاتير مجرد البسمة التي تهون علي القارئ ما يقرأه في الصحيفة من موضوعات ثقيلة، طول عمري أشعر أمام جورج البهجوري أنه لا يمارس الكاريكاتير بهذا المعني فقط لكنه لا يغلق الطريق أمام نفسه كفنان تشكيلي بالأساس لذلك لا يكتفي أبدا بالخطوط القوية لكنه يتنقل بين المدارس الفنية بروح مصرية، خطوطه السوداء القوية اختيار تشكيلي والمساحة التي يشغلها الظل والنور اختيار تشكيلي وتعدد الوجوه أو الايدي أو غيرها اختيار تشكيلي وتنويعات علي التكعيبية أحيانا أو بروح جورج الذي لا يشكل الكاريكاتير كما تعودنا مجرد خطوط وأشكال فيها مبالغة ما، ولكن لوحات فنية حقيقية لا يختلف فيها جورج وهو يرسم لوحة عنه وهو يقدم الكاريكاتير، جورج وهو يرسم أو يصور شخصية يجسد أفكارها في تعدد الوجوه واختلاطها للشخصية الواحدة أو تعدد الاذرع والعيون أو ما تشاء ليعبر ذلك كله عن حالة الشخصية الذهنية والروحية التي تتجسد في الحركة او الظلال وكذلك وهو يرسم الجماعات والأماكن والناس.
قابلت جورج البهجوري أول مرة من سنوات وجلست مبهورا أمامه هو الفنان الكبير الذي كان سعيدا ايضا بلقائي وأهداني روايته الأولي علي استحياء يمشي معه فهو شأن كل الفنانين الكبار لهم روح الاطفال الذين يرون العالم أبسط مما يصرخ به السياسيون لأنهم في النهاية يسيطرون عليه في أعمالهم التي بقدر مايكون وراءها ألم تخلف في صاحبها المتعة وهو يتخيل أنه بعد الانتهاء من عمله الفني صار العالم أجمل بينما الجميل هو اللوحة أو الكتاب الأدبي، تباعدت اللقاءات وكانت دائما عشوائية خاصة أن جورج موزع بين مصر وباريس وأحيانا المغرب التي قابلته فيها مرة في بلدة اصيلا التي صارت مزارا لفنانين وأدباء من كل الدنيا .وقابلته أخيرا في الاحتفال الجميل الذي أقامته "روزاليوسف" للكاتب الكبير الراحل احسان عبد القدوس وأسعدني الحظ أن أقابله بعد ذلك بأيام في مقهي ريش صباح الجمعة الماضية حيث يجتمع دائما عدد من الكتاب والفنانين والصحفيين والمثقفين علي إفطار شعبي مصري يحرص عليه منذ سنوات الصديق مجدي وأخوه الاصغر ميشيل صاحبا المقهي الذي هو علي طول تاريخها المكان للمثقفين والفنانين الأثير في مصر والذي هو تاريخ وحده.
انتهينا من الإفطار وذهبنا مع بعض الأصدقاء الي مرسم جورج القريب في منطقة معروف وكانت هذه أول مرة أذهب معه الي هناك وكما توقعت دخلنا الي الزقاق الذي به المرسم مع تحايا جورج للجيران وبسماتهم وسعادتهم به وتعليقاتهم الجميلة التي انعكست علينا .جلسنا أكثر من ساعة نتحدث ورأيت اللوحة الفاتنة التي يعكف جورج عليها منذ أكثر من عام عن ملوك مصر والتي علي وشك الانتهاء وأهداني جورج كتابين لم أنتبه لصدورهما من قبل , الأول بعنوان "ايقونة شعب" ويضم عددا مختارا بعناية من رسوماته لشخصيات صنعت حياته او صنع معها الحياة او حاول ان يصنع معها حياة أجمل للوطن والكتاب الثاني هو "ايقونة باريس" الذي سأتحدث عنه في المقال القادم.
ظللت ليومين أتصفح وأتأمل أيقونة شعب الذي تحتل صفحاته الاولي مقدمة رائعة ودقيقة للدكتور ثروت عكاشة ثم مقدمة بقلم جورج نفسه عن ذكرياته الفنية ورسوه علي الرسم بالابرة والحبر الاسود ويشرح هذا الولع بالريشة والحبر الاسود فيقول "تسقط نقطة الحبر الأسود علي الورقة البيضاء تحدث دويا وانفجارا ثم تشققات وسط تضاريس كأنها سطح الكرة الارضية.. تتخربش الريشة في كل اتجاه حول الحبر الاسود وتصبح لها منعطفات جغرافية. تدب الحياة رويدا رويدا حولها،صوت الانفجار ممتع لانه داخل المبدع الذي يحاول أن يعطي اكثر ما يستطيع مستفيدا بخبرته القديمة وسنوات التحصيل في الفنون الجميلة وكلمة الحسين فوزي رائد الحفر "العب يابني بالحبر الاسود العب يابني بالقلم "وكثير جميل رائع وفاتن قاله جورج في المقدمة التي اسلمتني الي رسومه التي وقفت أمامها حائرا مستمتعا بالحيرة وفي كل لوحة أري تجسيدا للحركة او الفكر او العلاقة بين من يرسمهم جماعة .
بدأ الكتاب الكبير الرائع برسوم العائلة التي تحقق فيها ما أشعر به دائما فيزداد عدد الايادي في لوحة العمة والابن القادم من الخارج فتنقل اليك الود الذي لا تكف اليد عن الحركة به فرحة بالقادم الغائب وجلسات العائلة بعد الظهر التي تتجاور فيها السيقان ويكاد يختفي بعضها حميمية تشكيلية من نوع اخر او وجه الاخت ايفيلين وهي تتذكر طفولتها وتحلم بمستقبلها كعروس وام حيث نري الوجه الطفولي وجواره العروس الحامل التي تفكر فيها.
ومن اجمل اللوحات جودة والد الزوجة وهو يريح رأسه داخل كتفيه ويدفئ قلبه بكوب من الشاي الساخن .يفصل جورج بين النصف العلوي للجسد ويبدو الوجه شديد التأمل والذراع وحدها بعيدة تحمل كوب الشاي وكأن مايدفئ القلب لايصل الي العقل. ونمضي مع لوحات البهجوري التي يزداد فيها الاسود مع التأمل والالم او حضور الشخصية الكبيروالأبيض مع البهجة والود في القاهرة ونواديها وطرقاتها وباعتها ومثقفيها ومقاهيها وأحداثها الكبري مثل حريق القاهرة قبل الثورة وحريق قطار الصعيد بعد الثورة والباعة الجائلين والبوابين والكناسين والمكوجية والميكانيكية وصبيانهم, يالها من لوحة تلمع فيها عيون الميكانيكية الصبيان وهم يجتمعون في انتظار الغداءوالاطباق فارغة شديدة البياض بين وجوههم السمراء التي تتحد فيها نظراتهم جميعا بالانتظار، وباعة الخبز والسيارة المحطمة والقطة الصغيرة جدا شاهدة الحادث التي تكاد تدخل في بعضها والأفران وعمال البناء وماسحي الاحذية واعتصام الطلاب في ميدان التحريرحول الكعكة الحجرية ومشجعي الكرة في المدرجات وحرب 1967 التي تبعثرت فيها الوجوه بلا سلاح وحرب 1973 التي تقاربت فيها الوجوه مع السلاح والرقص والراقصات في شارع الهرم وشم النسيم وعازفة الكمان التي يكاد جسدها يتشكل مثل الكمان والجرنة والأقصر وشاطئ النيل في اسيوط .
وهكذا حتي وكأنه الساحر الذي أمسك بروح البلاد في أحزانها وأفراحها ثم ينتهي الكتاب ببورتريهات لمثقفين وكتاب وفنانين صنعوا ويصنعون هذا الوطن وجنازة ام كلثوم وخطوط البشر تحيط بجسدها الحي من كل ناحية وهي نائمة لا تتوقف عن الغناء وينتهي الكتاب الكبير الرائع الذي هو أيقونة للشعب حقا بلوحة فوتوغرافية للبهجوري جالسا علي رصيف قريته بهجورة في جلباب أبيض وفي يديه قطعة يمصها من القصب وفي الخلف فراغ رمادي يلتحم بالافق وأعلي رأسه لوحة المحطة عليها اسم البلدة " بهجورة" هل تعرفونها؟ . ان اسمها يتردد كثيرا هذه الأيام لكن في محنة لا يستحقها الوطن الذي عشقه جورج البهجوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.