ليس فقط لأن د. حسن بخيت رئيس اتحاد الجيولوجيين العرب، ووكيل وزارة البترول للثروة المعدنية كان هذا الحوار.. بل لأن الرجل يملك رؤية واضحة لكيفية النهوض بثروتنا المعدنية لتكون قاطرة للاقتصاد المصري خلال المرحلة المقبلة خاصة أنه لا يخفي علي أحد مدي تأثير ما يحدث في الشارع السياسي علي الحالة الاقتصادية التي تردّت بصورة كبيرة..حيث أوضح د.بخيت أن مصر تزخر بأكثر من 54 خامة معدنية سواء كانت منجمية أو محجرية أو ملاحات، لكنها تحتاج إلي التصنيع المحلي بدلاً من تصديرها بمبالغ زهيدة ثم إعادة استيرادها مُصنعة بأضعاف ثمنها، مؤكداً أن هناك عدة معوقات أمام النهضة المرتقبة لقطاع الثروة المعدنية، أهمها القوانين والتشريعات القديمة الخاصة بتصاريح المناجم والمحاجر التي تضر بأموال الشعب. وأوضح رئيس اتحاد الجيولوجيين العرب أن مصر تملك مخزوناً استراتيجياً من الذهب سيضع مصر علي خريطة الاقتصاد العالمي، إضافة إلي الحجر الجيري والرخام..إلي رؤية مستقبلية للاقتصاد من خلال هذا الحوار: بداية إلي أي مدي تؤثر الخلافات السياسية الحالية علي إقامة مشروعات اقتصادية تعدينية؟ إذا كنا بالفعل نحب هذا البلد فلابد أن نسعي إلي الهدوء، ويعذر بعضنا بعضاً فيما نختلف فيه، ونبتعد عن العراك السياسي، حتي نتجنب إعاقة الاستثمارات التي تنمو مع الاستقرار وتضمحل في غيابه، خاصة واقتصادنا يبحث عن دفعة قوية.. فالاقتصاد الذي يقوم وسط خلافات اقتصاد "أعرج"، ونحن نحتاج إلي اقتصاد "يجري".. لذلك لا يختلف اثنان علي ضرورة الاستقرار السياسي، لأنه لا اقتصاد بدونه. قاطرة التنمية ما أهم مقومات الثروة التعدينية التي تستطيع أن تدعم الاقتصاد خلال المرحلة الحرجة التي نمر بها؟ أعتقد أن الثروة المعدنية ستكون هي القاطرة التي تقود التنمية في مصر، وستصبح عصب الصناعات خلال الفترة المقبلة، وعندما نتحدث عن الصناعة الوطنية فإننا نتحدث عنها بكل مشتملاتها.. مصر تزخر بخامات معدنية سواء كانت منجمية أو محجرية أو ملاحات بكميات لا بأس بها، وفي حدود 54 خامة منجمية ومحجرية، ولو استطعنا استخراج هذه الخامات فمن الممكن إقامة مئات المشروعات الصناعية عليها، بدلا من تصديرها بأسعار متدنية ثم إعادة استيرادها مُصنعة، فإقامة المصانع علي الخامات يفيد البلد بصورة كبيرة، حيث يرفع ذلك عن كاهل الحكومة مشاكل كثيرة من خلال الحد من نسبة البطالة الموجودة، ورفع القيمة المضافة للخامة ذاتها، وهذا معناه أنك ترفع من سعر الخامة أضعاف أضعاف السعر الذي يتم تصديرها به، وهناك ايضا خدمات لوجستية تتم من خلال هذا التحويل تشمل النقل والوقود وخدمات خاصة بالتشغيل والمكاتب الاستشارية والتصنيع وقطع الغيار . وما أهم الخامات التي تُطالب بعدم تصديرها لحاجة الصناعة الوطنية إليها؟ خام الفوسفات الذي نصدره ب 110 دولارات للطن ، في حين لو أنشأنا مصانع أسمدة لهذا الخام سيرتفع ثمن الطن إلي أكثر من ثلاثة آلاف جنيه، إضافة إلي سد احتياجاتنا منه، وبالتالي يتم إمداد قطاع الزراعة بالأسمدة بدلاً من شرائها من الخارج بأسعار عالية.. لدينا كذلك الرمال البيضاء التي تملك مصر منها مليارات الأطنان منتشرة في سيناء والزعفرانة وسفاجا ورأس غارب، هذه الرمال معروفة عالمياً بنقاوتها الفائقة، أي من الممكن إقامة صناعات تكنولوجية عليها، إضافة إلي جميع أنواع الزجاج سواء للمائدة أو السيارات. سمعنا أيضا عن مشروعات واعدة تعتمد علي الرمال السوداء..ما مدي صحة ذلك؟ نعم مشروع الرمال السوداء من المشروعات الواعدة التي أخذت حظها في دراسات الجدوي وينتظر المستثمرين، ومن سيدخل في هذا المشروع لن يُضيع أي وقت، لأن الدراسات موجودة ومكوّدة عالميا، أي طبقا للمعايير العلمية السليمة، خاصة أن خامات الرمال السوداء معروفة وكذلك الصناعات التي تُقام عليها، وستكون دعامة قوية للاقتصاد. طفرة من ذهب وماذا عن المخزون الاستراتيجي من الذهب، خاصة بعد الحديث عن وجود مناجم كثيرة تُشبه السكري؟ أنا شخصيا أرشح معدن الذهب ليقود مصر اقتصادياً خلال المرحلة المقبلة، وأعتقد أننا سنشهد طفرة كبيرة في إنتاجه، ومؤخراً استخرجنا ما يقرب من 22 طنا من منجم السكري وحده، إضافة إلي أن مصر غنية بالذهب في مواقع كثيرة، تزيد علي 220 موقعاً، بعد تحرير عدد من العينات السطحية التي نُسميها تواجدات وليس مناجم، وهي منتشرة في ربوع مصر بدءا من الصحراء الشرقية إلي شلاتين، وهي مواقع تستطيع أن تحقق عائدا ماديا ضخما للبلد، خاصة في هذا الوقت العصيب الذي نمر به..ولدينا أيضاً كربونات الكالسيوم أو الحجر الجيري النقي، فالعالم كله يعلم أن مصر لديها محتوي من الحجر الجيري فائق الجودة، ويدخل في 26 صناعة، من ضمنها الصناعات الطبية، ونحن نستخدمه الآن كطوب، رغم أنه يدخل في علف المواشي والبلاستيك، فكيف نستهلكه بالطريقة السيئة التي تُعتبر استنزافا لهذه الخامة النقية التي من الممكن أن نجعل منها قيمة مُضافة. هل نملك خامات استراتيجية لا تزال قيد الاكتشاف؟ بالطبع لدينا خامات بحاجة إلي اكتشاف مثل النحاس والقصدير والنوبيوم، ومثلما قلت لدينا 54 خامة بالإضافة إلي الملاحات نستطيع أن نبني بها صناعات واعدة علي أرض مصر. 3 معوقات ما هي المعوقات التي تحول دون استخدام كل هذه الخيرات في دعم الاقتصاد؟ المعوقات تتمثل في ثلاثة أشياء: أولاً القانون، حيث إن رخص المناجم والمحاجر يتم استخراجها بناء علي قانون 86 لسنة 56 وهذا القانون مُعوق جدا لأنه يتعامل مع الخامات برسوم سنة 56 فمن يُريد رخصة منجم يدفع جنيهين فقط، ولا يتعدي ما يدفعه كل عام 400 جنيه، القانون إذن يسمح باستنزاف موارد الدولة، في الوقت نفسه الذي يتحدث فيه الدستور عن أن الثروات المعدنية ملك للشعب، فكيف يُسهل القانون الحصول علي ممتلكات الشعب بهذه الأسعار الزهيدة، مع أن من يأخذ المنجم يحصل علي ملايين الجنيهات، ولدينا شركة البحر الأحمر كمثال، حيث حصلت علي منجم للفوسفات بملاليم وكسبت منه ملايين.. ولهذا كان لابد من تغيير هذا القانون، حيث تم بالفعل إعداد مشروع قانون جديد أزال كل السلبيات خاصة الرسوم ووضع بعض المواد التي تُسهل علي المرخصين المصريين والأجانب. حدثنا عن المعوقين الثاني والثالث؟ المعوق الثاني أن قطاع الثروة المعدنية يحتاج إلي خطة شاملة علي المدي الطويل والمتوسط والقصير، وأعتقد أن وزارة البترول تسعي الآن لوضع هذه الخطة التي قد نستعين فيها ببعض الخبرات الأجنبية لتطوير هذا القطاع..حيث ستشمل وضع خريطة استثمارية لكل مصر، وكل خامة بمفردها، وكيف نُدير هذه الخامة، ومواقعها ومدي جودتها والصناعات التي تدخل فيها، والأماكن الجغرافية التي من الممكن إنشاء مناطق صناعية بها، والموانئ والعمالة، وقاعدة المعلومات العالمية عنها لدراسة الأسواق..ويتبقي الهيكلة الإدارية لهذا القطاع، بحيث تتناغم كل الإدارات لمصلحة الثروة المعدنية. في ظل أزمتنا الاقتصادية ..هل تملك الثروة المعدنية مشروعات عاجلة لدعم الاقتصاد؟ لدينا مشروعات خاصة بتعدين الذهب والفوسفات، من الممكن الاعتماد عليها في تحقيق عائد سريع للدولة عن طريق الاستخراج والتصنيع، وكذلك الرخام الذي تحتل مصر الترتيب الخامس علي العالم في تصديره، والرخام المصري يتميز بلونه النادر الذي يُعطيه ميزة وتنافسية، الأمر الذي يدعو إلي الاهتمام بهذا الخام ودعمه، بدلاً من إهداره حيث أشارت بعض التقارير إلي أن المستغل منه 25 ٪ فقط. إلي أين وصلت الدراسة الخاصة بنقل مقر اتحاد الجيولوجيين العرب إلي القاهرة؟ وضعنا خطة بدأت معالمها تتضح منها نقل الاتحاد من بغداد إلي القاهرة، لأن وجوده هناك يمثل عقبة أمام عدد من الدول الخليجية، بعكس مصر التي تساعد مكانتها في زيادة عدد الأعضاء، إضافة إلي تكثيف النشاطات. كيف يخدم اتحاد الجيولوجيين العرب فكرة إقامة تكتل اقتصادي عربي؟ العالم الآن يعتمد علي التكتلات الاقتصادية الكبيرة، والاتحاد يساعد في زيادة التنسيق والتكامل العربي في مجال الثروة المعدنية، ونسعي إلي تفعيل دور الاتحاد ليكون همزة الوصل بين هذه الكيانات العربية الكبيرة ، لتنشيط عملية الاستثمار المشترك، والأبحاث والتنقيب والاستكشاف المشترك، ثم التنسيق في عملية تصدير وتصنيع الخامات، واستكمال المواد الناقصة عند كل دولة مع شقيقتها العربية، ورسم سياسة لمواجهة التكتلات الأخري للتحكم في الأسواق، فالدول العربية مجتمعة يمثل إنتاجها من الفوسفات نصف إنتاج الفوسفات العالمي.. وبالتالي نستطيع أن نرسم سياسة الاستيراد والتصدير في هذه الخامة الاستراتيجية، وأعتقد أن الذهب سيكون الخام الثاني بعد الفوسفات للتنسيق العربي، إضافة إلي خامات أخري للاقتراب الشديد بين الدول العربية في الطبيعة الجيولوجية.