أزمة ارتفاع أسعار الخضراوات والفاكهة والتي استمرت قرابة الشهرين كان لها العديد من الدروس المستفادة وكذلك الظواهر المصاحبة والتي خرجت عن المألوف. أولي هذه الظواهر تمثل في ارتفاع أسعار الطماطم لمدة أطول من المعتادة وبأفاق سعرية لم تصل إليها من قبل مطلقا حيث كان من المقبول أن تصل أسعار الطماطم إلي ثلاثة جنيهات وربما أربعة ولكنها لم تصل أبدا إلي خمسة عشر جنيها مصريا كرقم مصري جديد غير مسبوق. الظاهرة الغريبة هذه المرة أن ارتفاع اسعار الطماطم في الماضي يكون مصحوبا بانخفاض أسعار جميع الخضراوات والتي يتطلب طهيها استخدام الطماطم مثل الفاصوليا والكوسة والبامية واللوبيا والبطاطس في العروة الصيفية والبسلة والبطاطس والسبانخ في العروة الشتوية لأن ارتفاع اسعار الطماطم يعني عدم طبخ هذه الخضراوات وربما يكون ذلك تعويضا عن ارتفاع أسعار الطماطم وإغراء للمستهلك لشراء باقي الخضراوات بحيث تظل إجمالي تكاليف الطبخة كما هي معتادة أو قريبة منها لأن ارتفاع أسعار الطماطم صاحبة انخفاض أسعار الخضراوات. هذه المرة كان ارتفاع أسعار الطماطم مصحوبا بارتفاع في أسعارجميع الخضروات وهو ما مثل علامة استفهام كبيرة ونمطا جديدا في سياسات أسواق المستهلك وثوابت علم الاقتصاد الزراعي. الظاهرة الثانية هي اتجاه مصانع الصلصلة بما فيها مصانع الدولة التابعة لقطاع الأعمال العام إلي رفع اسعار منتجاتها استغلالا لارتفاع اسعار الطماطم علي الرغم من أن المخزون السلعي من برطمانات الصلصة وعبواتها يصل إلي ثلاثة أشهر كما أن تعاقدات هذه المصانع علي شراء محصول الطماطم يكون بسعر ثابت لا يتأثر باختلاف أسعار الطماطم في الأسواق لتعاقدها علي جميع محصول الحقل مع المزارعين وعادة ما يكون سعر التعاقد خمسون قرشا فقط للكيلوجرام ولا يتغير أو يتأثر بارتفاع أسعارها في أسواق المستهلك لذلك كان من المفترض أن تقوم الرقابة بدورها لمنع ارتفاع اسعار هذه العبوات والمنتجة قبل ثلاثة اشهر من الأزمة الحالية بما كان من الممكن أن يوفر البديل المثالي لارتفاع اسعار الطماطم ويرغم تجارها علي تخفيض أسعارها بسبب توافر عبوات الصلصة كبديل استراتيجي للطماطم. الظاهرة الثالثة أوضحت تماما مدي هشاشة متوسطات الدخول والأجور علي المستوي العام والغائبة عن صانعي القرار بحيث أن أي ارتفاع في أسعار الغذاء يؤدي إلي غضب عارم وعدم استقرار مجتمعي لأن الفقراء والطبقات المتوسطة ينفقون أكثر من 70٪ من دخولهم علي الغذاء عند مستويات أسعاره المنخفضة وبالتالي فإن ارتفاع اسعار الغذاء يمكن أن يؤدي إلي استدانتهم لإطعام أبنائهم ويخلق غضبا مكتوما وعدم رضاء عن الأداء العام. هذا الأمر يفضل بحثه بترو شديد قبل تطبيق الارتفاعات المقترحة في أسعار الكهرباء وأسطوانات البوتجاز وغيرها. ولأن اتجاهات الإدارة الحديثة للدولة تلتزم بعدم العودة إلي الوراء نجد أن مشروع كوبونات أسطوانات البوتجاز هو عودة كبيرة إلي الوراء وإلي زمن كوبونات الكيروسين وربما يصحب ذلك كوبونات بنزين 80 وكوبونات بنزين 90 وكوبونات أخري للسولار ثم كوبونات المكرونة والأرز. كما يرجي النظر بالاعتبار إلي أن استهلاك أسطوانات البوتجاز في الشتاء يصل إلي ثلاثة أضعاف مستوياته في الصيف لظروف البرودة (وليس فقط بسبب عنابر الدواجن)، وأسطوانة واحدة للأسرة المكونة من ثلاثة أفراد قد لا يكون مقبولا في ظل طلب أسطوانة للمطبخ وأخري للحمام صيفا وثلاثة أضعافها شتاء. ولأن الدولة ترفض تماما العودة إلي نظام التسعير الجبري للسلع لأن في هذا عودة إلي الوراء وفيه تشوهات للأسعار والأسواق وخلقا لأسواق موازية وسوداء وهذا صحيح علميا واقتصاديا فإن عليها الآن النظر في رفع أسعار أسطوانة البوتجاز إلي عشرة أو 15 جنيها للجميع بدلا من نظام الكوبونات في هذه المرحلة من الركود وإنخفاض مستويات الدخول وارتفاع مؤشرات أسعار الغذاء مع تشديد الرقابة علي عنابر الدواجن وهي ليست بالكثيرة أو التي يصعب رقابتها مع فرض الأسطوانات التجارية الكبيرة عليهم إجباريا وبالمثل أيضا لقمائن الطوب وورش الذهب وصهر المعادن والمطاعم وأغلبها ملتزم فعليا بالأسطوانات غير المنزلية لأن التصرف بعدوانية ضد الفقراء يكون من الخطورة بمكان في ظل هشاشة متوسطات الدخول والأجور. ارتفاع اسعار الكهرباء أيضا يجب أن يكون محلا للمراجعة لأن متوسطات استنزاف إيصالات استهلاك المياه والكهرباء وصل إلي أكثر من 25٪ من الدخول وهو مالا يتناسب مع الاتجاه العالمي ولا المستويات في الدول المجاورة!!. إذا كان الركود الاقتصادي العالمي وانخفاض معدل النمو الاقتصادي المصري تمشيا مع مثيله العالمي يمنع النظر في زيادة متوسطات الدخول حاليا فإن الأمر قد يتطلب النظر في الحفاظ علي الأسعار الحالية للغذاء والخدمات التي تقدمها الدولة. كاتب المقال : استاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة