بعيدا عن أي رقابة .. في الميادين العامة والأحياء الشعبية وعلي مرأي ومسمع من أجهزة المحليات ورجال البلدية .. تباع الأطعمة والمأكولات علي الأرصفة دون أدني اهتمام بمعايير الصحة والنظافة، الغريب أن هذه الأطعمة تجد إقبالا كبيرا من المواطنين رغم ما يحيطها من الملوثات وعوادم السيارات التي تملأ الشوارع !! هذا النوع من التجارة غير المنظمة يمثل نسبة كبيرة من حركة التجارة الداخلية في مصر تصل إلي قرابة 80٪ .. قد يعتقد البعض أن تجارة الرصيف غير منظمة ولكنها في واقع الأمر منظمة ويحكمها قانون وضعه رواد المهنة والبلطجية فلضمان استمرار البائع في موقعه عليه أن يدفع أرضية لصاحب المحل أو العقار الذي يقف أمامه أو إتاوة لأحد البلطجية المنتشرين في أحياء العاصمة. "الأخبار" قامت بجولة في عدد من شوارع القاهرة لرصد أنواع الأطعمة والسلع التي تفترش الأرصفة وكيف يتعامل معها المواطن البسيط، وكانت بداية الجولة من ميدان رمسيس وتحديدا أمام محطة مصر حيث لا يمكنك أن تجد موطيء قدم من كثرة الباعة الجائلين .. الشارع مقسم علي عدد من الباعة والكل ملتزم بمكانه ولا تجد اثنين يبيعون نفس السلعة فالتنوع سمة أساسية لضمان عدم وجود منافسة واحتكار كل واحد منهم لنوع معين من السلع فيضطر الزبون أن يشتري بالسعر الذي يحدده البائع .. ولا حماية للمستهلك من سطوة البائعين فالبضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل والمتضرر عقابه الضرب !!. البضائع المنتشرة علي الأرصفة تبدأ من إبرة الخياطة وتصل إلي أجهزة التليفون المحمول في بعض المناطق مثل شارع عبد العزيز، وأكثر ما يعرض علي عربات الباعة الجائلين الأجهزة المنزلية البسيطة مثل أدوات المطبخ بما في ذلك السكاكين والمقصات والأسلحة الحادة مثل الساطور وهي أدوات يجب تنظيم عملية تداولها منعا لاستخدامها في ارتكاب الجرائم، وكذلك الأدوات الشخصية مثل العطور بأنواعها وخاصة الحريمي والنظارات والملابس الداخلية والايشاربات الحريمي وهناك متخصصون في بيع الكتب للمثقفين والأخطر من كل ذلك أن الطعام وجد طريقه إلي الرصيف فهذه تبيع الجبن بأنواعه وتلك تبيع الفطير المشلتت وثالثة تبيع العسل ورابعة تبيع الخبز والبعض يبيع اللحوم و" الكرشة " والأسماك .. والسمة الأساسية التي تجمع هذا الخليط من السلع أنها تعرض بأسعار بسيطة تدغدغ مشاعر المواطن البسيط وتجعله يتناسي معايير الجودة والأمان والنظافة والصحة ويقبل علي شرائها. يقول محمود عبد السميع بائع متجول إن حالة البطالة التي انتشرت في المجتمع هي التي دفعته للعمل بهذا المجال خاصة انه لا يمكنه دفع إيجار محل بالإضافة إلي الضرائب وتكاليف الإنارة وغيرها من المصاريف وفي المقابل فإن "العربة" التي يتجول بها يبيع من خلالها بعض الأدوات البسيطة مثل إبر الخياطة وأدوات الكهرباء وأدوات تنظيف الأحذية وأدوات النظافة الشخصية مثل القصافات والسواك وغيرها كما يمكنه التنقل بها من مكان إلي آخر بحثا عن الرزق وقال إن هامش الربح قد يكون بسيطا ولكنه لا يدفع ضرائب ولا فاتورة كهرباء وقد يصل هامش الربح اليومي إلي 30 جنيها تزيد في المناسبات والأعياد علي حسب كثافة إقبال المواطنين علي الشراء وعن معاناتهم اليومية مع رجال البلدية يقول إنه قبل حضور رجال البلدية يختبئ منهم في الحواري والأزقة وبعد انتهاء " الكبسة " يعود وزملاؤه إلي مواقعهم ويستأنفون ممارسة نشاطهم فالعلاقة بينهم وبين رجال البلدية تشبه إلي حد كبير علاقة الفأر بالقط .. وأضاف عبد السميع إننا نراعي ظروف المواطنين ونقدم لهم السلع رخيصة بما يتلاءم مع وضعهم المادي ومع ذلك بدلا من أن يتم تخصيص أماكن لنا بإيجار رمزي نجد مضايقات من رجال البلدية. يقول أحمد بدر عبد الله موظف إنه اعتاد أن يشتري أغلب السلع التي يحتاجها في حياته اليومية من الباعة الجائلين فالأسعار أقل بكثير من المحلات والفصال متاح إلي أن يزمجر البائع !!، ويضيف أن انخفاض سعر السلعة بنسبة قد تصل إلي أكثر من النصف عن المحلات يدفع المشتري إلي أن يتغاضي عن معيار الجودة ونفس الحال في المأكولات فيقول بدر: لا أهتم بمدي التزام البائع بنظافة السلعة وطريقة عرضها بما يضمن عزلها عن الملوثات المنتشرة في الجو حيث إنني في المقابل أحصل عليها بأسعار مخفضة وبعد تناولها أتناول كوبا من مشروب النعناع المغلي كنوع من الوقاية فالوقاية خير من العلاج !!.