فوز الزميلين عبد الوكيل أبو القاسم وأحمد زغلول بعضوية الجمعية العمومية ل روز اليوسف    وزارة النقل تدرس إرسال مهندسين وفنيين للتدريب في الصين    جهاز التنمية الشاملة يوزيع 70 ماكينة حصاد قمح على قرى سوهاج والشرقية    جولة داخل مصنع الورق بمدينة قوص.. 120 ألف طن الطاقة الإنتاجية سنويا بنسبة 25% من السوق المحلي.. والتصدير للسودان وليبيا وسوريا بنحو 20%    عاجل - إصابة الملك سلمان بن عبدالعزيز بمرض رئوي.. الديوان الملكي يؤكد    فرنسا تستثير حفيظة حلفائها بدعوة روسيا لاحتفالات ذكرى إنزال نورماندي    ميدو بعد التتويج بالكونفدرالية: جمهور الزمالك هو بنزين النادي    نتائج مواجهات اليوم ببطولة الأمم الإفريقية للساق الواحدة    غدا.. أولى جلسات استئناف المتهم المتسبب في وفاة الفنان أشرف عبد الغفور على حكم حبسه    أخبار الفن اليوم، محامي أسرة فريد الأطرش: إعلان نانسي تشويه لأغنية "أنا وأنت وبس".. طلاق الإعلامية ريهام عياد    «ذاكرة الأمة».. دور كبير للمتاحف فى توثيق التراث الثقافى وتشجيع البحث العلمى    الصحة: طبيب الأسرة هو الركيزة الأساسية في نظام الرعاية الصحية الأولية    سلطنة عمان تتابع بقلق بالغ حادث مروحية الرئيس الإيراني ومستعدة لتقديم الدعم    رئيس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة: جرائم الاحتلال جعلت المجتمع الدولى يناهض إسرائيل    دموع التماسيح.. طليق المتهمة بتخدير طفلها ببورسعيد: "قالت لي أبوس ايدك سامحني"    بينها «الجوزاء» و«الميزان».. 5 أبراج محظوظة يوم الإثنين 19 مايو 2024    أتزوج أم أجعل أمى تحج؟.. وعالم بالأوقاف يجيب    طقس سيئ وارتفاع في درجات الحرارة.. بماذا دعا الرسول في الجو الحار؟    خبير تكنولوجى عن نسخة GPT4o: برامج الذكاء الاصطناعي ستؤدي إلى إغلاق هوليود    مع ارتفاع درجات الحرارة.. نصائح للنوم في الطقس الحار بدون استعمال التكييف    الكشف على 1528 حالة في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    وزير الأوقاف: الخطاب الديني ليس بعيدًا عن قضايا المجتمع .. وخطب الجمعة تناولت التنمر وحقوق العمال    تحركات جديدة في ملف الإيجار القديم.. هل ينتهي القانون المثير للجدل؟    الجمعة القادم.. انطلاق الحدث الرياضي Fly over Madinaty للقفز بالمظلات    جدل واسع حول التقارير الإعلامية لتقييم اللياقة العقلية ل«بايدن وترامب»    متحور كورونا الجديد.. مستشار الرئيس يؤكد: لا مبرر للقلق    كيف هنأت مي عمر شقيقة زوجها ريم بعد زفافها ب48 ساعة؟ (صور)    اقرأ غدًا في «البوابة».. المأساة مستمرة.. نزوح 800 ألف فلسطينى من رفح    «النواب» يوافق على مشاركة القطاع الخاص فى تشغيل المنشآت الصحية العامة    داعية: القرآن أوضح الكثير من المعاملات ومنها في العلاقات الإنسانية وعمار المنازل    ليفاندوفسكى يقود هجوم برشلونة أمام رايو فاليكانو فى الدوري الإسباني    هل يستطيع أبو تريكة العودة لمصر بعد قرار النقض؟ عدلي حسين يجيب    ختام ملتقى الأقصر الدولي في دورته السابعة بمشاركة 20 فنانًا    مدير بطولة أفريقيا للساق الواحدة: مصر تقدم بطولة قوية ونستهدف تنظيم كأس العالم    السائق أوقع بهما.. حبس خادمتين بتهمة سرقة ذهب غادة عبد الرازق    رسائل المسرح للجمهور في عرض "حواديتنا" لفرقة قصر ثقافة العريش    بايرن ميونيخ يعلن رحيل الثنائي الإفريقي    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    بنك مصر يطرح ودائع جديدة بسعر فائدة يصل إلى 22% | تفاصيل    افتتاح أولى دورات الحاسب الآلي للأطفال بمكتبة مصر العامة بدمنهور.. صور    نهائي الكونفدرالية.. توافد جماهيري على استاد القاهرة لمساندة الزمالك    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    حكم إعطاء غير المسلم من لحم الأضحية.. الإفتاء توضح    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    رئيس الإسماعيلي ل في الجول: أنهينا أزمة النبريص.. ومشاركته أمام بيراميدز بيد إيهاب جلال    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" في زيارة إلى مدينة العلمين الجديدة    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    «الرعاية الصحية»: طفرة غير مسبوقة في منظومة التأمين الطبي الشامل    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    عرض تجربة مصر في التطوير.. وزير التعليم يتوجه إلى لندن للمشاركة في المنتدى العالمي للتعليم 2024 -تفاصيل    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
مدينة.. ضد العنصرية
نشر في الأخبار يوم 12 - 02 - 2013


جمال الغىطانى
في معظم مدن العالم مناطق للأقليات عرقية أو دينية، بل أحياناً يكون صارماً، ولكن الوضع في القاهرة كان علي امتداد التاريخ مختلفاً
توزعت أيامي علي القاهرة وتفرقت علي دروبها وشوارعها وميادينها ومساجدها وكنائسها وبيوتها التي وصلت إلينا من أزمنتها مختلفة، ولأنني أعيش فيها وأحبها فقد سعيت إلي فهمها والتجوال في أمنتها والعناصر الخفية التي تحكمها، القاهرة الآن مدينة شاسعة، ضخمة، يعيش فيها حوالي عشرين مليوناً، تتجاوز فيها الأزمنة من فرعونية في الغرب، قبطية في الجنوب، إسلامية في القاهرة العتيقة، عنصر غالب يشكل الإطار الضام لهذا كله مركزه ما يعرف بالقاهرة الفاطمية، أو العتيقة. من أهم الملامح لتلك المدينة العريقة أنها لم تعرف في تصميمها التعصب أو العنصرية، بقراءة تقسيماتها وجغرافيتها وطوبغرافيتها سنجد أنها مدينة طابعها الأساسي التسامح، لذلك لم أعرف معني التعصب أو العنصرية إلا من خلال ما ورد إليّ من الخارج، من خلال معرفة تاريخ العالم وحاضره وبعض الشوائب في حياتنا المعاصرة، خاصة خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، إنني أفضل أن أبدأ من أرض الواقع، بالتحديد من جنوب القاهرة، حيث حصن بابليون مركز العاصمة في العصر الروماني، والفسطاط التي أسسها القائد العربي عمرو بن العاص قائد الجيش العربي الذي غزا مصر في القرن السابع الميلادي، هنا نقف أمام مجموعة الكنائس القبطية الشهيرة في المنطقة المعروفة الآن بمار جرجس حيث توجد أشهر الكنائس القديمة في مصر وهي الكنيسة المعلقة ويرجع تاريخها إلي أواخر القرن الرابع الميلادي وإلي نفس الحقبة يرجع تاريخ كنيسة أبي سرجة، وكنيسة القديسة بربارة، وهذه الكنائس إضافة إلي المتحف القبطي تعتبر من أهم المزارات التاريخية والسياحية الآن في القاهرة.
في نفس المنطقة بني فيها الفاتح العربي والقائد المسلم عمرو بن العاص أساس أول مدينة إسلامية ليس في مصر فقط ولكن في افريقيا، كان يوجد عدد من معابد اليهود المهمة، ويذكر المؤرخ الذي صان تاريخ القاهرة القديم من الاندثار، المقريزي، الذي عاش في القرن الخامس عشر الميلادي ونقل عن مصادر قديمة لم تصلنا، يذكر عددا من المعابد اليهودية في الفسطاط منها معبد »المصاصة« الذ بني قبل الفتح الإسلامي، يقول المقريزي عنه:
»هذه الكنيسة يجلها اليهود وهي بخط المصاصة من مدينة مصر ويزعمون أنها رممت في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وموضعها يعرف بدرب الكرمة وبنيت في سنة خمس عشرة وثلثمائة للأسكندرية وذلك قبل الملة الإسلامية بنحو ستمائة وواحد وعشرين سنة ويزعم اليهود أن هذه الكنيسة كانت مجلساً لنبي الله إلياس..«
يحدثنا المقريزي عن معبد »أو كنيسة كما يسميه« الشاميون بخط قصر الشمع بالفسطاط، ومعبد العراقيين.
عندما تم فتح مصر علي أيدي العرب المسلمين كان أهل مصر من المسيحيين واليهود، الغالبية من المسيحيين، وأقلية من اليهود، وكانت كلمة »قبطي« تطلق علي جميع المصريين، ثم أصبحت تعني بعد ذلك المصريين المسيحيين.. لقد عقد صلح بين المصريين والفاتحين الجدد، وأعلن أمان يكفل للمصريين من المسيحيين واليهود الأمان لممارسة حرية العبادة في الكنائس والمعابد، ويشمل الأمان أنفسهم وأموالهم وآدميتهم، كان عمرو بن العاص وهو يمنح المصريين هذا الأمان يعبر عن جوهر الدين الجديد من تسامح وسمو روحي، وقد ظل هذا جوهر الدين الإسلامي فيما تلا ذلك من عصور، عندما زرت الأندلس والمجر ويوغوسلافيا وبلغاريا رأيت عدداً من المساجد التي تمت إلي الزمن العثماني يعلوها الصلبان، في الأندلس جرت محاولات لطمس الملامح المعمارية الإسلامية، وجدت أيضاً الكنائس القديمة السابقة علي دخول المسلمين تلك الديار سليمة لم تمس، كذلك الآثار الرومانية، لم تتعرض للتدمير علي أيدي العرب أو الأتراك المسلمين، في مصر لم تمس الكنائس القبطية، أو المعابد اليهودية في أول مدينة يشيدها العرب المسلمون، الفسطاط، ولم يقتصر الأمر علي المنشآت الدينية فقط، إنما امتد الأمان والتسامح إلي رجال الدين، إلي الأموال، إلي البشر. هكذا.. ظهر البطرك القبطي بنيامين الذي اختفي قبيل وصول قيرس حاكم مصر من قبل الامبراطور البيزنطي هرقل إلي الاسكندرية سنة 136 ميلادية، عندما علم عمرو بن العاص باختفائه أرسل كتاباً إلي جميع أقاليم مصر يؤمنه فيه علي نفسه ويدعوه للظهور حتي يشرف علي شئون القبط، وفعلاً عاد البطرك إلي مقره في الاسكندرية بعد اختفاء استمر ثلاثة عشر عاماً.
ونتيجة لعوامل عديدة منها أصالة الإسلام وتسامحه وقدرته علي استيعاب الحضارات القديمة وتكييفها وإعادة تقديمها، ومنها قدرة مصر علي استيعاب الوافد، وتمصيره، لم ينقسم الشعب المصري إلي طوائف منعزلة عن بعضها، متباعدة أو منغلقة علي نفسها بعد دخول أعداد كبيرة من المصريين في الدين الجديد، لقد ظل المصريون وحتي الآن جماعة واحدة، متداخلة، متجانسة، منهم المسلم، ومنهم القبطي، ومنهم اليهودي.. وانعكس ذلك علي شتي مظاهر الحياة، وبالتحديد طوبغرافية القاهرة التي لم تعرف علي امتداد تاريخها التمايز في المناطق السكنية، حيث تخلو تماماً من وجود مناطق أو أجزاء مغلقة علي سكان ينتمون إلي دين معين أو جنس ما، هناك تداخل وتجانس في المدينة كلها، وإذا كنا بدأنا من الفسطاط حيث الكنائس العتيقة ماتزال في مواقعها الحقيقية، تتلامس في الفراغ ظلال أبراجها التي ترفع الصلبان مع مآذن المساجد التي تنتهي بالهلال، ومنها مئذنة أول مسجد في مصر، وفي افريقيا كلها، مسجد »عمرو بن العاص«.
لقد استمر التسامح هو القانون العام، والمنطق الأول لتدفق الحياة في المدينتين التاليتين، العسكر التي أسسها الخلفاء العباسيون والقطائع التي أسسها أحمد بن طولون، العسكر والقطائع الآن أحياء صغيرة في المدينة القديمة، القاهرة التي وضع أساسها جوهر الصقلي القائد الفاطمي، بالتحديد في 71 شعبان سنة 853 هجرية »6 يوليو 969 ميلادية«. لقد نمت عاصمة الفاطميين واتسعت واحتوت جميع المواضع والمدن التي سبقتها، وأصبحت العواصم السابقة مجرد مناطق صغيرة من مكوناتها، بدءاً من منف الفرعونية وبابليون الرومانية، والفسطاط والقطائع والعسكر الإسلامية، هكذا احتوت القاهرة الأزمنة المختلفة وحولتها إلي عناصر في زمنها الخاص، وهذا جوهر وقتي الخاص بها.
قصر الشوق
دير للأقباط اسمه دير العظام
بستان
حصن صغير قديم، كان معروفاً باسم »قصر الشوك«
هذا ما كان موجوداً في تلك المنطقة الممتدة قرب جبل المقطم والتي أرسي فيها جوهر الصقلي أساس المدينة الجديدة، القاهرة.
حصن »قصر الشوك« اختفي، بقي منه الآن الاسم فقط، أصبح »قصر الشوق« إنه اسم شارع شهير بالجمالية، ويحمله أيضاً الجزء الثاني من ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة، حارة صغيرة اسمها »درب الطبلاوي« تتفرع من شارع قصر الشوق، في أحد بيوتها أمضيت طفولتي وشبابي.
يوم ما.. لا يمكنني تحديد موقعه الآن، لا من مسيرة الزمن، ولا من عمري، أذكر خروجي بصحبة أبي لزيارة أحد أبناء بلدتنا جهينة التي ولدت بها في أعالي الصعيد، إنه قبطي، مازلت أذكر اسمه »فخري غورس«، كان تاجراً، يمتلك متجراً يبيع فيه الثوم والليمون والزيتون بالقرب من مسجد الحاكم بأمر الله، ولكنني أذكر أنه قدم إلينا طبقاً من البسكويت والكعك الذي يقدمه المسلمون في عيد الفطر، كعك العيد الذي كانت تسهر والدتي رحمها الله الليالي الأخيرة من شهر رمضان لإعداده، إنه نفس الكعك المحشو بالملبن أو البلح والمغطي بالسكر الناعم، ويقال إن المصريين عرفوه لأول مرة في العصر الفاطمي، لقد عرف المجتمع المصري أعياداً للأقباط وأعياداً للمسلمين وأعياداً لليهود، كل عيد اتصف بمظهر وتقاليد معينة، ونلاحظ احترام كل عنصر للآخر، بل والحرص علي المشاركة، غير أنني أشير إلي شهر رمضان الكريم وحرص جيراننا الأقباط علي احترام شعور اخوانهم المسلمين، بل تناول الوجبة الرئيسية داخل بيوتهم بعد الغروب، والحرص علي تقديم التهنئة للجيران المسلمين في عيد الفطر وعيد الأضحي، وأذكر أثناء ترحالي في صعيد مصر مشاركة المسلمين بأعداد كبيرة في موالد »العذراء« التي تقام بالأديرة القبطية، وفي تقديري أن هذه الموالد تحوي الكثير من العناصر المنحدرة إلينا من العصر الفرعوني.
من درب الطبلاوي بقصر الشوق كنت أخرج بصحبة الوالد إلي ميدان سيدنا الحسين إلي المسجد الأزهر، إلي باب زويلة، وكثيراً ما كنا نعبر منطقة الباطنية، ونمر في قلب المنطقة المزدحمة، العامرة بالبيوت، والمساجد، وأضرحة أولياء المسلمين.. نمر أمام كنيسة عتيقة، مهيبة المظهر، وكثيراً ما تطلعت إليها، وعندما تقدم بي العمر، ورحت أجوس خلال المدينة بمفردي، إما في شوارعها أو زمنها، كنت أفكر في تاريخ هذه الكنيسة، وموقعها الفريد، القريب من الجامع الأزهر، وشيئاً فشيئاً تتكشف لي إحدي المعالم القوية، الثابتة، للتسامح في قاهرتنا العريقة.
الكنائس
يذكر المقريزي في كتابه الموسوعي »المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار« المعروف بالخطط المقريزية سبع عشرة كنيسة قبطية في القاهرة، موزعة علي جميع أنحاء المدينة، ولا تتركز في منطقة واحدة، بل نلاحظ أن معظمها يقع في قلب المدينة وجنباً إلي جنب مع المساجد الكبري، من الكنائس التي ذكرها المقريزي:
كنيستا الخندق وكنيسة حارة زويلة، وكنيسة المغيثة بحارة الروم، وكنيسة بوفيا وكنيسة المعلقة وكنيسة شنودة وكنيسة مريم وكنيسة بوجرج وكنيسة بربارة وكنيسة بوسرجة وكنيسة بابليون وكنيسة تادرس الشهيد وكنيسة بومنا بجوار بابليون وكنيسة بومنا وكنيسة الزهري وكنيسة ميكائيل وكنيسة مريم.
في خطط علي باشا مبارك المكتوبة في القرن التاسع عسر، يذكر علي باشا مبارك ثماني وعشرين كنيسة إذا تأملنا مواقعها سوف نجد أنها تغطي المدينة من شمالها إلي جنوبها ومن شرقها إلي غربها.
كنيسة الأرمن، بوسط شارع بين السورين.
كنيسة الأرمن الكاثوليك، داخل عطفة الأحمر بدرب الجنينة.
كنيسة الأروام، بشارع الحمزاوي علي يمين المار من الحمزاوي إلي الوراقين »ماتزال موجودة وتبعد عن الجامع الأزهر أقل من نصف كيلو متر«.
كنيسة الأروام: داخل حارة الروم من شارع السكرية.
كنيسة الروم: داخل عطفة البطريق بحارة الروم.
كنيسة خميس العدس: بجوار مدرسة الفرنساوية بآخر شارع خميس العدس.
كنيسة درب الطباخ: بشارع حارة اليهود.
كنيسة الدير: داخل عطفة الدير بشارع وكالة الصابون.
كنيسة السرباني: داخل درب قطري من درب الجنينة.
كنيسة السبع بنات: آخر حارة الدحديرة الموصلة لشارع كلوت بك.
كنيسة الشوام: داخل عطفة البحري بدرب الجنينة.
كنيسة القبط: بحارة زويلة.
كنيسة القبط: داخل عطفة من شارع الدرب الواسع الموصل لشارع كلوت بك.
كنيسة القبط: أول درب المواهي من شارع حارة الحمام بقرب حارة السقائين.
كنيسة الموارنة: داخل درب الجنينة.
يذكر كنائس أخري بالخرنفش، وشارع الدهان، ودرب المبلط وشارع الدروة ودرب الكتان ودرب النصيري وشارع الصقالبة وداخل حوش الصون، وفي عطية المصريين وداخل حارة البرابرة بالموسكي، ويتحدث علي باشا مبارك مطولاً عن مقر البطريركية الأرثوذكسية بمنطقة الأزبكية، وهذا المقر المهيب اختار موقعه وتبرع بتكاليفه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر في الستينيات، ونلاحظ أن المقر البطريركي الحالي أو القديم في الأزبكية أو الأقدم في حارة الروم، في كل هذه الحالات والعصور كان المقر قائماً في منطقة لا توجد بها أغلبية قبطية، بالعكس.. ذلك أن القاهرة لم تعرف كما ذكرت الأحياء أو المناطق المغلقة علي طائفة واحدة، أو أصحاب دين واحد، ذلك أن المجتمع المصري كان مجتمعاً يعيش فيه المصريون كجماعة واحدة، داخلها مسلمون وأقباط ويهود، ويكفي أن نراجع مرة أخري مواقع دور العبادة والقائمة حتي الآن لنتأكد من هذه الحقيقة.
المعابد
في قلب القاهرة الفاطمية توجد منطقة اسمها حارة اليهود، تقع غرب خان الخليلي السوق الشهيرة، وعلي بعد اقل من نصف كيلو متر من مسجد الامام الحسين، المركز الروحي لمصر كلها، تتكون حارة اليهود من ازقة صغيرة متداخلة، تماما مثل الاحياء القديمة الاخري للقاهرة، اي انها لاتنفرد بتلك الخاصية، بل انها تعتبر امتدادا لسوق خان الخليلي الشهير بتجارة التحف، واذا كان سوق خان الخليلي مكانا للعرض، فان حارة اليهود مكان التصنيع للعديد من التحف الفضية والذهبية، رغم الاسم »حارة اليهود« فلا يمكن اعتبارها جيتو خاص، او »ملاح« كما يطلق علي اماكن اقامة اليهود في المغرب، اذكر في حارتنا بقصر الشوق عائلة قبطية، كان عميدها اسمه فخري بطرس، وعائلة يهودية اذكر الاسم الاول من عائلها الذي كنا نناديه بيا عم ابراهيم.
لم تعرف القاهرة قط اماكن للسكني القائمة علي التجمع الديني او الطائفي، ويمكن من تأمل اماكن وجود دور العبادة في القاهرة ان نلحظ توزعها علي سائر احيائها، في القاهرة الان ثلاثون معبدا يهوديا ومحفلا تنتمي الي فرق مختلفة، يهود مغاربة واتراك ويهود من اصول ايطالية ومغربية وفرنسية، اما اليهود المصريون فكانوا جزءا أصيلا من المجتمع المصري منذ القدم، وللاسف خسر المجتمع المصري بخروجهم بعد حرب عام ستة وخمسين احد عناصره الاصيلة، والان يمكنني القول ان خروجهم كان من الأخطاء الجمة، وقد توجه معظمهم الي فرنسا واستقر بها وسافر بعضهم الي اسرائيل، لم يخرج معظم اليهود فقط، انما خرج اثرياء مسيحيون ممن أممت ممتلكاتهم بعد القرارات الاشتراكية في عام واحد وستين من القرن الماضي، كما خرج اجانب كانوا ينتمون الي اعراق مختلفة ويتركز معظمهم في الاسكندرية، ومرة اخري اقول ان هجرتهم كانت خسارة للمجتمع المصري، اذ افقدته احد عناصر التنوع، في المدينة تظل دور العبادة قائمة حتي وان هجر بعضها فانه لم يمس، في قلب القاهرة الحديثة لم تتوقف الشعائر الدينية في اهم معبد يهودي- وليس اقدمها- ومازال حوالي ثلاثمائة يهودي يؤدون شعائرهم الدينية فيه، معظمهم كبار السن، المعبد بين قائمة الآثار المشمولة برعاية الدولة نظرا لحداثته النسبية »حوالي مائة عام« ولكن المعابد الاخري تعتبر آثارا منذ زمن طويل لان عمرها مئات السنين تماما مثل المساجد والكنائس.
من ديوان النثر
علم
اول العلم الصمت، والثاني الاستماع، والثالث الحفظ، والرابع العقل، والخامس النشر.
ابن قتيبة »عيون الأخبار«


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.