دأحمد عمر هاشم إن واجب المجتمع أن يحمي أمن البلاد والعباد، وأن يصون حرمة النفس الإنسانية، فالمؤمن من بنيان الله وملعون من هدم بنيان الله. وإن الذي حدث علي أرض الكنانة من إزهاق للأرواح أمر يندي له الجبين، فمهما تكن الدواعي والأسباب.. لا يصح لأحد كائنا من كان أن تمتد يده بالسوء لإزهاق روح إنسان حتي في القصاص والحدود لم يجعل الله تعالي ذلك بأيدي الناس بل جعله بيد وليّ الأمر حتي لا تصبح الحياة فوضي فتزهق الأرواح وتراق الدماء علي مذابح الأضغان والاحقاد، دم هنا، ودم هناك فترّمل النساء ويتم الأطفال وتثكل الأمهات ويقضي علي العلاقات الإنسانية والروابط الاجتماعية، ويعود المجتمع إلي ما كان عليه أهل الجاهلية، كما حذر رسول الله صلي الله عليه وسلم من ذلك حيث قال: »لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض« أي ان الذي يستحل الرقاب وإزهاق الأرواح ينتكس في حياته ويعود إلي ما كان عليه أهل الجاهلية، ولا يكون حينئذ من المؤمنين، بل أنه يرجع إلي عهود الكفر ولا يرعي الحرمات التي أمر الإسلام بحمايتها حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا«. وليعلم كل من امتدت يده بالسوء لإزهاق روح إنسان ان له خمس عقوبات قررها القرآن الكريم في قول الحق تبارك وتعالي: »ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها، وغضب الله عليه، ولعنه، وأعد له عذابا عظيما« سورة النساء »39«.. فالعقوبة الأولي هي أنه في جهنم، والثانية أنه يكون خالدا في النار، لان الذي يستحل القتل خرج من حظيرة الإسلام، والثالثة غضب الله عليه لأنه ارتكب أكبر الكبائر، والرابعة ولعنه، أي طرده من رحمته، لأنه ليس من أهل الرحمة فأهل الرحمة هم الرحماء بينهم الذين يتراحمون فيستحقون رحمة الله، »ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء« وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: »الراحمون يرحمهم الرحمن«، والعقوبة الخامسة هي أن الله أعد له عذابا عظيما. وهكذا نري هذه العقوبات المشددة علي من ارتكبوا العدوان علي حياة الناس، وقد أكد الإسلام علي حرمة النفس الإنسانية، وقرر حقها في الحياة الآمنة وبين رب العزة سبحانه وتعالي أن العدوان علي نفس واحدة هو عدوان علي الإنسانية جمعاء، لأنه أشاع الفوضي وأثار همجية أهل الشر والعدوان، ونشر الخوف والاضطراب والعدوان في الأرض قال الله تعالي: »مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً« سورة المائدة »23«.. وحذر القرآن أشد التحذير من محاربة الله ورسوله وقرر عقوبات رادعة لمن يسعون في الأرض فسادا ويحاربون الله ورسوله ويعتدون علي الحرمات فقال الله سبحانه وتعالي: »إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ« سورة المائدة »33«. وما ذلك إلا لأن الافساد في الأرض والعدوان علي الأنفس من أبشع الجرائم التي إذا انتشرت في بيئة أو تفشت في مجتمع بشرت الرعب والفزع والاحن والفتن وأشعلت نار البغضاء والثأر بين الناس فلا تستقر الحياة ولا يأمن الناس علي دمائهم ولا علي أموالهم ولا علي أعراضهم.. ويقرر الرسول صلوات الله وسلامه عليه أن علامة الإيمان هي الأمان، فلا يكون الإنسان مؤمنا إلا إذا أمنه الناس: »المؤمن من أمنه الناس علي دمائهم وأموالهم وأعراضهم«.. وأن الإنسان المسلم هو الذي يسلم الناس من شر لسانه، ومن شر يده، فقال رسول الله »صلي الله عليه وسلم«: »المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده....« وأن واجب الشعب وجميع الناس بكل أطيافهم وجميع المسئولين ان ينظروا بعين الرعاية والعناية حيال ما حدث من فوضي وجرائم طالت الأنفس والأرواح. أولا: ان يحددوا حجم المشكلة المروعة الرهيبة. وثانيا: ان يبحثوا بدقة وعمل وحياد الأسباب الحقيقية التي كانت وراء هذه الأحداث المأساوية البشعة. وثالثا: اقتراح الحلول الناجعة حتي لا تتكرر هذه الجرائم مرة أخري علي أرض وطن يسعي جاهدا للبناء والتعمير. ان الذي جري حيال الأحداث والجرائم التي جرت قبل ذلك ما كان الا ردود أفعال لا أكثر ونحن لا نريد ان يكون مواقفنا من الأحداث والجرائم ردود أفعال، بل نريد ان نحدد حجم المشكلة المروعة التي جرت علي أرض الوطن وضاع ضحيتها شباب من زهوة أبناء مصر فهي مشكلة تستوجب الوقوف حيا لها لحسمها ومما لا شك فيه انه بمعرفة الأسباب تحل الصعاب فلنتناقش ولنتحاور ولتأخذ العدالة مجراها بكل صدق وايجابية حتي نتعرف علي الأسباب وحتي تعالج المشكلة من الجذور.. وعندئذ يكون العلاج الناجع لهذه الأحداث ولتلك الجرائم التي تكررت علي ساحة الحياة ووقع فريستها قتلي قبل ذلك والآن، ولا يصح ابدا ان نتهاون ولا ان تكون مواقفنا مواقف ردود الأفعال بل لابد من وضع الحلول الناجعة حتي لا تتكرر هذه الأحداث وتلك الجرائم.. وأحب ان أقرر وأؤكد علي ما وضحه الإسلام من عاقبة المعتدين ومن وراءهم ومن كان سببا في هذه الجرائم البشعة. وقد قال رسول الله »صلي الله عليه وسلم«: »من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات ميتة جاهلية« ومن قاتل تحت راية عمية يدعو لعصبة أو يغضب لعصبة أو ينصر عصبة فقتل فقلته جاهلية ومن خرج علي أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاشي من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه.. وهكذا نري ان رسول الله »صلي الله عليه وسلم« تبرأ من الذين يعتدون علي النفس الإنسانية حتي علي غير المسلم من أهل العهد والأمان، لان الله تعالي حرم العدوان علي النفس الإنسانية بصفة عامة حتي لو كان مشركا واستجار بالإنسان فالواجب عليه أن يجيره، وان يبلغه مأمنه، حيث قال الله سبحانه وتعالي: »وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّي يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ« سورة التوبة »6«. فإذا كان الإسلام يحمي حقوق الإنسان حتي حق المشرك فما بالنا بأبنائنا من أرض الكنانة ومن المسلمين ومن أهل العهد والأمان. إننا ندعو جميع أبناء الوطن ان يحرصوا علي استتباب الأمن والاستقرار والطمأنينة، وعلي الجميع ان يعلم ان أخطر ما يقدم عليه من جريمة نكراء هو العدوان علي النفس الإنسانية. فقد قال رسول الله »صلي الله عليه وسلم«: »من أمن رجلا علي حياته فقتله فأنا من القاتل بريء ولو كان المقتول كافرا« وفي هذا ما يشير إلي خطورة العدوان علي النفس الإنسانية وأن لها عند الله تعالي مكانة هامة، حيث طاف رسول الله »صلي الله عليه وسلم« بالكعبة وقال: ما أعظمك وما أعظم حرمتك وما أطيبك وأطيب ريحك، والمؤمن أعظم عند الله حرمة منك دمه وماله وعرضه. وعلي أبناء الوطن وأبناء الأمة ان يحافظوا علي حرمة الانفس والاموال والأعراض، وان يتواصوا بالحق وبالصبر وان يسعوا جاهدين إلي نشر الأمان والاطمئنان، وان يكونوا جميعا علي قلب رجل واحد والا يختلفوا وألا يتعصبوا وأن يستجيبوا للأمر الرباني: »واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا«.. وبالله التوفيق.