أيام قليلة تفصلنا عن الاحتفال بالذكري الأولي لثورة25 يناير, حيث تعالت الأصوات من بعض فئات الشعب للمطالبة بأنها لن تكون احتفالية وإنما ستكون صداما مع القوات المسلحة. مما يشير إلي اشتباكات متبادلة تكون نتيجتها إراقة مزيد من الدماء كما حدث خلال كل المصادمات الماضية. وإذا كانت جميع الكتب السماوية قد نهت عن قتل النفس إلا بالحق, وكل الأحاديث النبوية توعدت القاتل بالعقاب في الدنيا والآخرة وجعلته في منزلة الكافر بالله, فلماذا نجد القتل أصبح شيئا عاديا هذه الأيام, لماذا نجد شوارعنا العربية ملطخة بالدماء, لماذا نجد خيرة شبابنا مذبوحين في الطرقات, لماذا نجد القاتل يتفاخر بالقتل.. أين هؤلاء الناس من كتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم؟ أين ذهبت عقولهم؟ ألم يقرأوا قول المولي عز وجل ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما؟!. إن الله سبحانه وتعالي خلق الناس جميعا ليتآلفوا ويتقاربوا ويتحدوا, ليعمروا الأرض ويكونوا خلفاء له, ليتعاونوا علي البر والتقوي, لا ليتعاونوا علي الإثم والعدوان ومعصية الرسول عليه الصلاة والسلام, لينشروا الحب والخير والسلام بين الناس, وليس الكره والشر والخوف في كل مكان. لذلك تحاول صفحة الفكر الديني هذا الأسبوع تذكير المجتمع بحرمة الدم التي هي عند الله تعالي أعظم وأكبر من حرمة بيته الحرام, لأن الإنسان هو بنيان الله ملعون من هدمه. القانون الإلهي والنبوي يحتوي القرآن الكريم علي عدد كبير من الآيات التي تحرم قتل النفس إلا بالحق لما لها من مكانة كبيرة عند المولي عز وجل, ومنها قوله تعالي( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا) سورة الإسراء الآية33, وقوله تعالي( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) سورة النساء الآية93, وقوله تعالي( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) سورة الفرقان الآيتان68-69. كما وردت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أحاديث كثيرة حول قتل النفس ومنها,( عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال: الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين, فقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قال: شهادة الزور) رواه البخاري, وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال( اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما) رواه البخاري, وروي الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال:( إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله). وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلي الله عليه وسلم( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدي ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره, كل المسلم علي المسلم حرام دمه وعرضه وماله) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:( يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دما يقول يا رب هذا قتلني حتي يدنيه من العرش) رواه الترمذي. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول:( ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيرا) رواه ابن ماجة وصححه العلامة الألباني. الدم حق مقدس حول قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق يقول الدكتور محمد الشحات الجندي- عضو مجمع البحوث الإسلامية: إن الإنسان خليفة الله في الكون يؤدي الرسالة التي وجد من أجلها, وجدير به أن يكون في طليعة القائمين بواجب الخلافة الحق في عبادة الله سبحانه وتعالي وتوحيده التزاما بقوله تعالي وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ولا شك أن هذا المؤمن برسالات السماء هو المكرم عند الله تعالي والأجدر بحماية حقه في الحياة, لأن في بقائه عزة الدين وصلاح الدنيا ونصرة الأوطان, لذلك كان دم المؤمن معصوما, وكيانه مصونا, وجوده محفوظا لأن حقه في الحياة وعصمة دمه حق مقدس, لا يجوز الاعتداء عليه أو المساس به أو التفريط فيه, فقتله وإزهاق روحه كبيرة من الكبائر, وجناية عظمي جعلها الإسلام أقدس عند الله من بيته الحرام الكعبة المشرفة كما دل علي ذلك حديث الرسول صلي الله عليه وسلم, فلا عجب في ذلك فإن المؤمن الذي حمل أمانة التكليف وصار علي هدي رسالة الدين في حمل الأمانة التي فضل بها علي السماوات والأرض وهي اكبر عند الله من خلق الإنسان, وهو ما ورد في قوله تعالي( إنا عرضنا الأمانة علي السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان) فهذا الإنسان هو صنع الله, وهو سيد الكون, والخليفة عن الله في هذا الوجود, فهو مصدر العمران وصانع الحضارة, ووجوده واستمرار حياته برهان علي عظمة الخالق كما دل عليه الحديث القدسي( كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق وعرفتهم بي فبي عرفوني) لذلك فإن من يعتدي علي هذا الصرح الذي أبدعه الله وخلقه علي أحسن صورة.. هو معتد جزاؤه العقاب الشديد لأنه أراق دم أخ له في الوطن والدين وهو صنيع الجهالة وتدبير عدو الدين والوطن الذي لم يرع بصنيعه هذا حرمة للدين ولم يتق الله في أخوة الوطن ولم يحفظ الكرامة الإنسانية, وأقدم علي الجريمة التي يهتز من هولها عرش الرحمن ويتصدع من شدتها الملك والملكوت, وكيف لا, وهو قد انتحل بقتله بريئا صفة الخالق واستلب حقه في إماتة الإنسان واستعجل القضاء الإلهي واغتصب حق الربوبية, وتعدي علي سلطانه فإن الله هو المحيي والمميت. حق الحياة ويضيف الدكتور الشحات الجندي أن القرآن عظم حق الحياة, ورفعها مكانا عليا, وأوجب حمايتها واحترامها وجعل عصمة النفس الإنسانية أحد مقاصد الإسلام الكبري, ومن أعمدة الشريعة الغراء, فمن أزهق روح إنسان بغير حق فكأنه أزهق أرواح البشر جميعا ومن كان سببا في إحياء نفس بشرية فقد أحيا البشر جميعا, ولم يقف الإسلام عند تعظيم حرمة الإنسان وإنما فرض عقوبة رادعة علي من أزهق روح إنسان برئ, بعقوبة شديدة في الدنيا والآخرة, ففي الدنيا أوجب القصاص في قوله تعالي:(ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) وفي الآخرة فإنه مستحق في نار جهنم مصداقا لقوله تعالي( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما), ومن هنا فإن جزاء هؤلاء الذين استباحوا حرمة الأخوة في الدين أو الوطن وروعوا الآمنين ونشروا الفوضي يستحقون العقاب في الدنيا والآخرة, ويجب علي القائمين علي الأمر القصاص منهم والضرب بيد من حديد علي عدوانهم وظلمهم في إزهاق الأرواح البريئة, إذ أن شريعة الله القصاص, وردع هؤلاء المفسدين في الوطن قيام بحق الشريعة في إقرار الأمان وبث الطمأنينة والسكينة وإشاعة الأمن والأمان وانتصار لحق الحياة وحفاظ علي الوطن من الأيدي العابثة والنفوس المريضة التي تحاول اغتيال الأبرياء وتهدد استقرار الوطن وتقف سدا منيعا ضد الأمان والسلام الاجتماعي. حرمة الدماء عامة وعن حرمة دم غير المسلم يوضح الدكتور زكي عثمان- رئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية الدعوة جامعة الأزهر, أن الله سبحانه وتعالي خلق البشر من أجل أن يتآلفوا ويتعاونوا ويتحدوا, وكل هذه الدلالات تأخذنا إلي قضية مهمة, ألا وهي قضية الاستخلاف والتعمير في الأرض, ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هناك استخلاف حقيقي أو تعمير دنيوي, وهناك دماء تسفك, وأرواح تزهق, لذا تتهدد البشرية بالقلق والخراب والدمار, وتكون لغة الغاب هي اللغة المستخدمة, وينحي الدين جانبا, وتنزوي التشريعات الإلهية والقوانين الربانية, وكلما كانت هناك تشريعات سماوية من عهد آدم إلي رسولنا محمد فإنها تحمل البشرية علي أن ترعي حرمة الدماء, والقرآن الكريم يسجل ذلك حيث أخذ الله الميثاق علي بني إسرائيل وذلك في قوله تعالي:( وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم), ثم يبين الله عز وجل موقف بني إسرائيل( ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم), وسفك الدم بدأ مع بداية الخليقة, نظرا لصراعات نفسية وضعها الشيطان ما بين ابني آدم, حيث قتل أحدهما الآخر, ولذلك نجد القانون القرآني واضحا كل الوضوح( من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا), فالتعبير القرآني يركز علي كلمة الناس في هذين الموضعين, إذن فإن حرمة الدماء لا تتعلق بديانة خاصة أو بمذهب معروف, بل إنها تتعلق بالإنسانية كلها, فلا فرق بين عربي وغربي ومسلم ومسيحي ويهودي وبوذي, فكلنا بشر, ولا بد وأن نتفهم حقوقنا, من أجل تحقيق تعايش سلمي يبعدنا عن سفك الدماء, وعن القتل وعن إزهاق النفوس, وهكذا تحلم البشرية كلها بمدينة لا صراع فيها ولا شهوات تحبذ علي سفك الدماء, بل إن العقلاء من هذا البشر يحاولون بقدر الاستطاعة أن يمنعوا كل وسيلة فيها إزهاق الروح ودمار النفوس, وهكذا علمنا ديننا الذي أجمل التشريعات كلها حيث قال رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم:( أيها الناس, إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم الي أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) ومن هنا يجب أن يكون هناك ضبط نفسي واجتماعي علي أن تكون حرمة الدماء شعارا ينبغي أن يطبق وينفذ, لا من خلال وضع دساتير بشرية, ولكن من خلال تشريعات سماوية تمثلت فيها اليهودية والمسيحية والإسلام. غياب دور الدعاة وحول دور الدعاة والمساجد في تعريف الناس بحرمة الدم, يوضح الدكتور محمد الدسوقي- أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة, أن المجتمع بوجه عام أصبح يعاني الآن من أمية دينية فلا يفهم أحكام الله علي وجهها الصحيح, ويندفع كثير ممن لا يخشون الحق سبحانه فيزهقون الأرواح ويروعون الآمنين وينشرون الفساد في الأرض, وهؤلاء سماهم القرآن الكريم بأنهم محاربون لله ورسوله, ويجب الأخذ علي أيديهم وعقابهم حتي يكونوا عبرة لغيرهم, فإن نعمة الأمن أهم نعمة في الإسلام بعد الإيمان بالله سبحانه وتعالي, ويجب أن يقوم المسجد بمهمته كاملة وأن علي الأئمة والخطباء أن يركزوا علي حماية الأمن لأن حماية النفس البشرية ضرورة من الضرورات الخمس التي اتفقت عليها كل الشرائع الإلهية حتي يتمتع الناس بنعمة الأمن التي قال فيها الرسول صلي الله عليه وسلم( من بات آمنا في سربه, معافي في بدنه, عنده قوت يومه, فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها), وأدعو كل أئمة المساجد علي مستوي الجمهورية وكذلك الأساتذة والمدرسين في الجامعات والمدارس بأن يحدثوا الناس والطلاب عن نعمة الأمن, وأن من لم يحافظ عليها فقد كفر بنعمة الله, وأرجو من أئمة المساجد ألا يسرفوا كثيرا في الحديث عن عذاب القبر ونحوه, وأن يهتموا بالأمن الاجتماعي بين الناس, وأن يقوم كل مسلم بأداء ما يجب عليه من الذكاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم. ويضيف الدكتور الدسوقي أن الله تعالي قال:( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ), فهذا الحصر أو القصر في الآية يشير إلي أن المسلم لا يقتل مسلما إلا خطأ, وقد لعن الرسول صلي الله عليه وسلم من يقتل مسلما عمدا, فقد قال هذا الإنسان بنيان الله ملعون من هدم بنيانه أي مطرود من رحمة الله سبحانه وتعالي, وإذا كانت النصوص القرآنية والنبوية تحرم القتل العمد ولا تجيز القتل ولا ينبغي أن يقع القتل إلا خطأ, وفي هذه الحالة تجب الدية أيضا, لأنه لا يجوز في الإسلام أن تسجل جريمة قتل بغير قاتل, وهذا يؤكد أن حرمة الدم في الإسلام حرمة مؤبدة, ومن هنا يجب علي كل من يدعو إلي الخير والي طاعة الله والالتزام بشرع الله أن يؤكد علي هذه الحرمة وأن يذكر بأن القتل العمد ليس قتلا لنفس واحدة وإنما هو قتل للناس جميعا,لأنه يلاحظ أن هناك لونا من الاستهانة بحرمة النفس البشرية الآن وأن هناك من يقدم علي إراقة الدم لأقل الأسباب مما يدل علي ضعف أو فقدان للوعي الديني وهذه مسئولية الدعاة الذين عليهم أن يذكروا دائما بحرمة الدم الإنساني, لان الإقدام علي إراقة هذا الدم دون وجه مشروع يخرج الإنسان من دينه إذا كان مسلما. روشتة لوقف نزيف الدم ولمحاولة وقف نزيف الدم في مجتمعنا يضع الدكتور محمد الأحمدي أبوالنور- وزير الأوقاف الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية- روشتة إسلامية يبدأها قائلا: إن تعظيم حرمة دم المسلم مبدأ إسلامي أكده القرآن كما أكدت عليه السنة النبوية, وهذا المبدأ هو ما حفظ علي المسلمين وحدتهم وقوي شكيمتهم, والتخلي عن هذا المبدأ أو الاستهانة به عبر التاريخ كان سبب تخلف المسلمين وتحكم غيرهم فيهم, والنبي صلي الله عليه وسلم حذر أشد التحذير من أن يستهين المسلم بالمسلم في دمه أو ماله أو عرضه, وفيما روي البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما) وهذا الحديث رقم6862, وروي البخاري عقبه مباشرة من رواية ابن عمر أيضا قوله صلي الله عليه وسلم( إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله) وهذا أمر ينطبق علي كل من استهان بالدماء المسلمة سواء صدر من الحاكم أم من المحكوم, ولهذا يقدر الناس في العالم كله أن يكون حل الخلافات حلا سلميا, وثورتنا المباركة في مصر قدرها العالم وجعل منها نموذجا حيا يحتذيه الشباب في كل دولة, لأنها لم تقم علي العنف, وإنما كان شعارها سلمية سلمية, إن العنف ما كان في شئ إلا شانه, والخلاف في الرأي والنزوع إلي التغيير حين يتنكب الطريق السلمي فإنه يخرب ولا يعمر, يضعف ولا يقوي, يفرق ولا يجمع, والأمثلة علي هذا كثيرة قديما وحديثا. الحوار بين الحكام والمحكومين ويضيف الدكتور أبوالنور في روشتته أن الحوار بين الحكام والمحكومين هو الأسلم لحل النزاعات أو لعلاج الخلافات, ولأمر ما كان إطار هذا الحوار هو التناصح بالرأي السديد, لا التصارع بالنار والحديد, ولهذا قال صلي الله عليه وسلم( الدين النصيحة, قلنا لمن يا رسول الله, قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) فالحاكم يتناصح مع المحكوم, والمحكوم أيضا يتناصح مع الحاكم, والجميع يلتقون في الحوار الموضوعي للتغيير السلمي علي كلمة سواء سداها قوة الحجة لا قوة الرصاص سواء أكان هذا من جانب الدولة أم من جانب الثائرين, وهناك مكمن الخطر في الاستماع إلي المستوي الأعلي وتنفيذ أوامره علي أساس الطاعة والامتثال سواء أكان هذا من الدولة أيضا أم من الثوار, والعلاج الناجع لهذه المسألة أن يميز المأمور بين أمر وأمر, فإذا أمر بتخريب أو تدمير أو إزهاق للأرواح فقد أمر بمعصية وكان العصيان هو الأمر الذي يقي المجتمع الآثار الضارة والنتائج الخطيرة سواء في الجانب الاقتصادي أو السياسي أو العسكري أو الأمني, ولو أن المرءوس أطاع رئيسه فيما يكون فيه خير المجتمع لجنب الدولة الدماء التي تراق والمؤسسات التي تحرق والهيكل الاقتصادي الذي ينهار, والتخلي عن كل ما لا قبل للمجتمعات العربية والإسلامية به, فكلنا أبناء وطن واحد وأمة واحدة, إن معصية المرءوس لرئيسه حين يأمره بقتل من قام يطلب حقا مشروعا, وهو الذي دعا نبي الإسلام صلي الله عليه وسلم أن يقول:( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق), وكذلك أيضا في محيط الثوار لو تناصحوا فيما بينهم وعزلوا من صفوفهم من يغريهم البعض بالمال أو بشتي المغريات المادية ليخربوا أو يدمروا أو يقتلوا فإن الصورة تظل مشرقة, بل تبعث علي الاعتزاز والفخر, ولأن المبدأ أيضا ينبغي تطبيقه علي الثوار فعليهم أن ينقوا صفوفهم ممن يمتثلون للأوامر التي تحثهم علي التخريب أو التدمير, وفي غياب الوعي لا يصوغ مطلقا أن يمتثل بعض الخارجين عن القانون أو المتمردين علي الشرع لأوامر من يغريهم بالإحراق أو التدمير أو القتل أو مواجهة الشرطة أو القوات المسلحة, ولو أنهم حصنوا أنفسهم من هؤلاء الخوارج لحفظوا مجتمعاتهم من المخاطر المحدقة, ونحن أحوج ما نكون الآن إلي رأب الصدع, وجمع الشمل علي ما يحقق مصلحة المجتمع سواء من جانب الحكام أم المحكومين, فهل يمكن أن نتعاهد علي أن لا يواجه أحدنا الآخر بالعنف؟ وهل يمكن أن نتعاهد علي أن لا نطيع أحدا في معصية؟ وهل يمكن أن تكون الكلمة العليا للحوار السلمي وللحجة القوية وللإقناع المنطقي؟ حتي لا نتورط في ما حذرنا منه نبي الإسلام حين قال:( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) أي لا تكونوا مستخدمين لسلاح التكفير أو التنقيص أو التحقير حتي تهون عليكم دماؤكم وتبددوا قوتكم ونعوذ بالله أن يكون القتل والتدمير هو وسيلة التفاهم أو هو آلية التصارع.