في زمهرير الحياة، وصقيع رحلتها، وفي وحشة تقلبات الأيام، وارتعاشات خوف الليالي، تتوق النفوس الي ملاذ، تأمن لديه، وتفر حين الزلزلة إليه، وفي صحاري الزمن القاحلة حيث تعربد الأعاصير، وتتدافع العواصف، تتشوق الروح إلي منبع دفء ومصدر سكينة، وتتلهف القلوب علي مصدر للحرارة، يرحمها من صقيع الحياة، وزمهرير الدنيا القارس وما أحوجنا في مخاضة هذا العالم الغارق في أوحال الزيف، إلي أن نتشبث بترياق ضد سموم الزور والكذب والبهتان، وما أكثر رياح الزيف في دنيانا الموحلة، ولا نجاة فيها ولا مرفأ سوي الخلق الكريم، والقيم الروحية النبيلة، ومكارم الشيم والسجايا، ففي تلك الأطواق وحدها تكمن النجاة، ومع انتشارها في مجري نهر الحياة يمكن للسابحين أن يبلغوا الشواطيء الأخري سالمين، دون أن تفترسهم تماسيح الغش والجشع والخداع، وقبل أن تشدهم صخور الزيف والبهتان إلي قيعان الغرق، لذا جاء هذا النور البشير الهادي الي العالم، بشرا سويا من لحم ودم، وإذ نتساءل: وهل يولد النور؟ نجيب واثقين: نعم، يولد النور انسانا مشرقا بهيا علي خلق عظيم اسمه محمد بن عبدالله، الرسول الأمي، والنبي الخاتم، وتاج الصديقين، وإمام الهداة والمتقين، نور انبعث في الظلمة الحالكة، فأضاء الواقع والتاريخ والمستقبل، واصطحب معه الدفء، فشتاء العالم قارس ممتد طويل، والبشر ضعفاء مرتعدون دوما، والزور هواء بارد يتنفسه الكثيرون، وهبات أفواه كاذبة خادعة اعتادت ان تبصق في وجوهنا الزيف صباح مساء، لذاولد محمد صلي الله عليه وسلم في تلك البقعة الطاهرة من أرض احتضنت أول مسجد وضع للناس، ولد البشر النور، ليبعث بعد عقود أربعة، بوحي السماء الأخير قبل انقضاء الدنيا، وعاش عمره الأرضي يؤكد مرارا وتكرارا: انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فهي طوق النجاة، وهي الشمس الساطعة في شتاء العالم الطويل، وحين توحد البشر النور بقيمه التي جاء يبلغها الي الانسانية، صارا معا شمسا لا تغيب ولا تغرب، باقية حتي وان رحل الجسد، فهي لاتزال قادرة علي ان تمدنا بدفء الصدق وحرارة الإخلاص.