تبدأ زراعة القمح خلال النصف الثاني لشهر نوفمبر وتستمر حتي نهاية ديسمبر. ويعد القمح ثاني أهم الحاصلات ذات الأهمية الاستراتجية لاستهلاك البشر في العالم بعد الأرز ويختلف عنه كونه أقل الحاصلات الزراعية استهلاكا للمياه وغالبا ما يأتي ثُلثيها من أمطار الشتاء خلال الفترة من ديسمبر إلي إبريل بالإضافة إلي كونه أقل الحاصلات الزراعية في تكاليف زراعته وحصاده والتي قد لا تتجاوز أربعة آلاف جنيه. يأتي إيجار الفدان خلال الموسم الشتوي في مقدمة تكاليف الزراعة بمتوسط ألفي جنيه في حين تتكلف التقاوي أقل من مائتي جنيه وأستهلاكه للأسمدة الكيميائية لا يزيد علي أربعة أجولة للأسمدة النتروجينية ونصفها للأسمدة الفوسفاتية كما أن عمالته قليلة للغاية وغالبا ما لايحتاج للرش بالمبيدات وهذا من ستر الله وتستهلك عملية حصاده ودراسته المبلغ الأكبر في التكاليف والذي يتجاوز الألف جنيه بقليل. ويتميز القمح بوفرة إنتاجه العالمي والذي تجاوز 650 مليون طن في السنوات الأربع الماضية وأن مخزونه الاستراتيجي للاحتياطي العالمي وصل إلي 190 مليون طن في حين أن حجم التجارة العالمية في حدود 140 مليون طن سنويا. تستهلك شعوب العالم مجتمعة نحو 470 مليون طن في الغذاء ونحو 120 مليون طن في الاعلاف ومصنعاتها وأقل من 80 مليون طن في الصناعة والوقود الحيوي وغيرها. ونتيجة لوفرة الاحتياطي العالمي منه فلا يعاني العالم في أي وقت من ندرة القمح ولكن الجفاف الذي يجتاح بعض الدول المصدرة خاصة روسيا وأوكرانيا وكازاخستان وأستراليا يمكن أن يتسبب في ارتفاع أسعاره ولكن لا يصل بخطورته أبدا مثل خطورة الذرة التي يتوقف عليها عمل مصانع الوقود الحيوي في أمريكا والصين باستهلاكها 200 مليون طن منها 150 مليونا في أمريكا كما أن حجم التجارة العالمية من الذرة يقل عن 90 مليون طن فقط، وبالتالي فإن احتمال تعرض محصوله للندرة وليس ارتفاع أسعاره هو القائم. من ذلك يتبين أن حجم المتوافر من القمح في الأسواق العالمية يصل إلي 18٪ من الإنتاج العالمي وتسيطر الولاياتالمتحدة علي نفس النسبة من التجارة العالمية له بينما يوزع الباقي بين روسيا وأوكرانيا وأستراليا وكندا والأرجنتين وفرنسا وكازاخستان فيما يعرف بالدول الثماني الرئيسية المصدرة للقمح مع كميات قليلة من وقت لآخر لإنجلترا وتركيا وإيران ورومانيا ومن هنا كانت الحكمة في التعامل مع إنتاجنا والإنتاج العالمي من القمح برؤية وحكمة والابتعاد عن العنتريات وخلق هلع القمح لدي العامة وغير المتخصصين عن خطورة القمح ووارداتنا منه. للتدليل علي ذلك ما حدث مؤخرا بقرار أوكرانيا بحظر تصدير القمح بسبب ظروف الجفاف والذي أصبح نافذا اعتبارا من منتصف نوفمبر الجاري حيث أفاد مجلس الحبوب العالمي بأن ارتفاع أسعار القمح سوف يتوقف علي رد فعل الدول الأكثر استيرادا للقمح مثل مصر والتي تجاوزت وارداتها 11 مليون طن هذا العام ومدي تعاملها بحكمة ورؤية ودون هرولة إلي زيادة الاستيراد لأن ذلك كفيل برفع الأسعار. هناك حاصلات أخري أصبحت أكثر خطورة مثل ذرة الأعلاف والتي أصبحت مصر كرابع أكبر مستورد عالمي لها بكميات 5.2 مليون طن لأن شحها يعني اللجوء إلي بديله الوحيد وهو للقمح في تصنيع الأعلاف بما يؤدي إلي ارتفاع أسعاره والموسم الصيفي في مصر يسمح لنا بتحقيق الإكتفاء الذاتي الكامل من الذرة بزراعة إضافية لمساحة 1.5 مليون فدان، ثم تأتي زيوت الطعام بفجوة غذائية عميقة تصل إلي 92٪ من احتياجاتنا ودخوله في تصنيع الديزل الحيوي سيؤدي إلي مزيد من أرتفاع اسعاره ويمكننا تحقيق الإكتفاء الذاتي منه بزراعة 750 ألف فدان فقط من دوار الشمس والصويا وهي مساحات متوافرة في الأراضي المصرية والاستفادة أيضا من ناتج العصير كعلف حيواني. كلمة أخيرة نرجوها من العامة أن يثقوا في خبراء الزراعة والأمن الغذائي في مصر بأنهم يعلمون تماما احتياجاتنا من مختلف الحاصلات الاستراتيجية وكيفية تحقيق الإكتفاء الذاتي الكامل من خمس منها طبقا لأولوية المتوافر والنادر في الأسواق العلمية ثم الوصول بالأمن الغذائي من القمح إلي نسبة 80٪ مع تحقيق التوازن بين زراعات البرسيم المربح والقمح الاستراتيجي.