في مصر تقاتل بعض القطاعات لرفع سن المعاش وتجاوز سن الستين بأكبر عدد ممكن من السنين وقد نجح البعض في ذلك فالقضاة مثلا أصبح لهم أن يتجاوزا سن السبعين وأساتذة الجامعة أصبح لهم الآن أن يعملوا إلي ما شاء الله وكذلك الحال في عدد من القطاعات. وفي فرنسا يقاتل الفرنسيون اليوم ضد رفع سن المعاش من 06 إلي 26 عاما نظمت مظاهرة ضمت 528 ألف فرنسي وفرنسية مع الاعلان عن أن المظاهرات سوف تستمر ولن تتوقف حتي يتم رفض القانون الجديد.. تناقض غريب يدعو للتوقف ويدعو للتساؤل لماذا يطالب المصريون برفع سن المعاش ولماذا يطالب الفرنسيون بعدم رفعه.. الاجابة لا اعتقد أنها سوف تكون عويصة أو صعبة لدي أي متأمل للموضوع.. السبب الرئيسي هو أن من يحال إلي المعاش في مصر فإنه لا يحال إلي التقاعد فقط وإنما يحال إلي الاهمال.. المعاش الكامل يقل بنسبة الثلث عما كان يتقاضاه من مرتب.. الحوافز، المكافآت، الإضافي.. كل ذلك يتوقف، ما كانت تتحمله جهة العمل من مصاريف العلاج وثمن الدواء يتوقف مع ملاحظة أن الأمراض لا تهاجم معظم الناس إلا بعد المعاش، ما يكاد يبلغ المعاش حتي تسارع جهة العمل للتخلص منه زملاؤه يتصارعون علي الكرسي والمكتب العالي الذي كان يشغله. لا يحاول زملاء العمر اقامة حفل شاي أو حتي حفل وداع »ارديحي« ليقولوا له: شكرا.. وفي المنزل يصبح عبئا علي الزوجة وعلي الأولاد إلي آخر مسلسل المهانة الذي يعرفه جيدا من يحال للمعاش في مصر ويعرفه جيدا الذين يقاتلون لمحاولة مد سن الاحالة للمعاش لتأخير هذا المصير المظلم الذي ينتظر من قضوا أعمارهم في خدمة هذه الدولة.. في فرنسا.. من يحال للمعاش يلقي كل التكريم.. يتلقي العلاج والدواء إلي آخر العمر مجانا.. يحصل علي معاش التقاعد الذي لا يقل بحال عما كان يتقاضاه، فهم هناك يحرصون حرصا شديدا علي ألا يتأثر دخل الموظف.. ثم هو يتلقي عشرات العروض من الشركات الصغيرة التي تريد ان تستفيد من خبرته وتدفع له بسخاء ثمن نصائحه.. إلي آخر ما يلقاه من تكريم.. إزاء هاتين الصورتين كان لابد أن يكافح المصري لمد سن المعاش وأن يكافح الفرنسي لعدم المد.. فهو هناك سوف يرتاح من أعباء العمل اليومي ولا ينقص من مزاياه شئ وهو عليه ان يبحث عن عمل مهين- في الغالب- مثل سائق تاكسي.. أو كاتب في مخبز حتي يتمكن فقط من الوفاء باحتياجات أسرة لا ترحم.. هذا هو السؤال وهذا هو الجواب وهذا هو الواقع هنا وهناك . ولله الأمر.