محمد وجدى قندىل ماذا حدث في الساعات الأخيرة قبل الانفجار وقبل العبور؟ وكيف مضت خطة الخداع الاستراتيجي التي وضعها الرئيس السادات لعدم اثارة انتباه اسرائيل للاستعدادات الجارية وراء التمويه للقوات المصرية للهجوم علي جبهة القناة؟ والتي كان يجري العمل بها تحت غطاء مناورة التدريب؟ وكيف حدث الانفجار بالضربة الجوية الأولي والعبور الي سيناء؟. كانت القيادة الاسرائيلية تناقش الموقف يوم 5 اكتوبر الا ان الشك كان يراود جولد مائير رئيسة الوزراء وبعد المناقشة استدعت الجنرال اليعازر رئيس الاركان الي منزلها في نفس اليوم ليلا لاعادة التقييم وارادت ان تطمئن منه علي ان القوات المصرية غير قادرة علي عبور القناة واقتحام خط بارليف وكان سؤالها: هل تعتقد ان في امكان المصريين عبور القناة؟ بعد ان اكد الجنرال بارليف لها ان العبور امر مستحيل فانه اعد انابيب النابالم التي تعمل في دقائق فيتحول كل شبر في مياه القناة الي كتلة حريق قاتلة ومروعة! وطمأنها اليعازر الي استحالة عبور القوات المصرية وقال لها: اتفق مع الجنرال ديان علي ان اي تحرك عسكري مصري لن يخرج عن نطاق ضربة جوية لمطاراتنا في سيناء ومراكز الاتصال والقيادة!. وفي صباح السبت 6 اكتوبر الذي يوافق »يوم كيبور« عيد الغفران كانت القوات المصرية والسورية وصلت الي اقصي درجات الاستعداد لبدء الهجوم في ساعة الصفر المحددة في الثانية وخمس دقائق ظهرا!. واتوقف امام ما قاله لي المشير عبدالغني الجمسي رئيس العمليات وقتها كنا في مركز العمليات نعمل لتنفيذ »مناورة التدريب« ولكن الحقيقة كانت عقولنا وجهودنا مركزة لتنفيذ العملية الهجومية »في الخطة بدر« وعندما حان الوقت المناسب استبدلنا خرائط التدريب بخرائط واوامر الحرب.. واغلقت الابواب الحديدية لمركز العمليات لمنع دخول او خروج اي شخص ضمانا للسرية، ايذانا للجميع بان العبور علي وشك البدء.. وفي صباح »يوم كيبور« وصل الجنرال ديان وزير الدفاع الاسرائيلي لزيارة القوات الاسرائيلية في حصون خط بارليف للاطمئنان وتهنئة القوات بعيد الغفران وشاهد بنفسه الموقف علي الضفة الغربية للقناة وطبقا لخطة الخداع رأي الجنود المصريين يستلقون في استرخاء ويلعبون الكرة ويسبح بعضهم في مياه القناة وعاد ديان الي تل ابيب مطمئنا، وفي حوالي الساعة الواحدة ظهرا وصل الرئيس السادات بملابس الميدان العسكرية ومعه الفريق اول احمد اسماعيل واتخذ كل منهما مكانه في مركز العمليات في انتظار ساعة الصفر. لقد بدأت الضربة الجوية الاولي ووصلت الي القيادة الاسرائيلية من قيادتها في سيناء ان اكثر من مائتي طائرة مصرية هاجمت مواقعهم واحدث عبور طائراتنا خط القناة بهذا الحشد وهي تطير علي ارتفاع منخفض اثره الكبير علي قواتنا المحتشدة في الجبهة.. وكانت قلوبنا في مركز العمليات تتجه الي القوات الجوية وننتظر منها نتائج الضربة الاولي وكانت خسائرنا خمس طائرات فقط!. وفي نفس الوقت كان هناك اكثر من 0002 مدفع ومجموعة من الصواريخ ارض ارض علي طول جبهة القناة تفتح نيرانها ضد حصون خط بارليف وكان القصف شديدا بحيث سقط علي الاهداف الاسرائيلية في الدقيقة الاولي عشرة الاف وخمسمائة دانة مدفعية بمعدل 571 دانة في الثانية وعاونت هذه النيران في منع الدبابات الاسرائيلية من صعود الساتر الترابي لاطلاق نيرانها علي قواتنا اثناء عبورها القناة وأدت الهجمات الجوية ضد مراكز القيادة ومراكز الاعاقة في جبل ام خشيب ومنطقة الممرات الي ارباك سيطرة العدو علي قواته.. واستمر تدفق القوات المصرية عبر القناة في موجات متتالية من القوارب وكان لنا علي الضفة الشرقية للقناة في الدقائق الاولي ثمانية الاف مقاتل يهاجمون حصون خط بارليف ثم اصبح عددهم ثلاثة وثلاثين الفا بعد اربع ساعات ثم ثمانين الفا وبعد تسلق الساتر الترابي وكانت معجزة بكل المقاييس العسكرية.. ورفع المصريون علم مصر علي ارض سيناء!. ويمضي الجمسي كنا نتابع العبور واقتحام بارليف اولا بأول في مركز العمليات وتوالت البلاغات من قيادة الجيش الثاني وقيادة الجيش الثالث عن النجاح الذي تحققه قواتهما، وعندما اطمأن السادات الي نجاح العبور والهجوم امر باذاعة البيان العسكري الاول.. وكان اصعب المواقف التي تواجه رجال المشاة الذين اقتحموا القناة ان يقاتلوا علي الضفة الشرقية الدبابات الاسرائيلية ثماني ساعات حتي تنضم اليهم المعدات الثقيلة من الدبابات والمصفحات بعد عبورها علي الكباري والمعديات وكان هناك 003 دبابة اسرائيلية علي الجبهة وتمكنت المشاة والصاعقة من تدمير 001 دبابة منها في ساعات.. وفي نفس الوقت كان رجال المهندسين يقومون بفتح الممرات في الساتر الترابي لتشغيل المعدات وانشاء الكباري في الساعات الاخيرة من مساء 6 اكتوبر.. وكانت اسرائيل جهزت مواقعها الحصينة علي الضفة الشرقية بخزانات من الوقود والنابالم ويخرج منها مواسير الي القناة وعند فتح فوهاتها يتدفق منها النابالم ويشعل سطح القناة لمنع العبور.. وحاولنا ابطال مفعول ذلك اثناء التخطيط للحرب بطرق مختلفة بلا جدوي.. واستقر الرأي علي رجال المهندسين للقيام بمهمة خاصة لافشال الخطة الاسرائيلية.. وفي ليلة 5/6 اكتوبر قامت مجموعات من سلاح المهندسين بالعوم تحت سطح مياه القناة لسد فتحات المواسير وابطال تشغيلها ونجحت العملية دون اي يشعر الاسرائيليون.. ولزيادة الاطمئنان وحماية عبور الالاف من المشاة تسللت مجموعات من رجال المهندسين يوم 6 اكتوبر تحت ستار نيران المدفعية الي الضفة الشرقية للتأكد من اغلاق المواسير وعدم ضخ النابالم واصيب الاسرائيليون بالاحباط عندما اكتشفوا سد المواسير.. وارسلوا مجموعة من المهندسين الي شاطيء القناة لاصلاح الخلل ولكن العبور كان قد حدث ووقعوا في الاسر!. واكتملت صورة الموقف امام القيادة العسكرية الاسرائيلية في الحادية عشرة مساء 7 اكتوبر واعترف بها رئيس الاركان الاسرائيلي.. وهكذا كانت ملامح النصر وسقطت اسطورة الجيش الذي لا يقهر.