لم يعد مشهدا نادرا أن تجد خلال وجودك في الشارع، من يكلم نفسه، سواء من الرجال أو من النساء. هذا المشهد أصبح ظاهرة جديرة بالعلاج بعد أن رصدتها المراكز العلمية والبحثية بالفعل . وبجانب الذين يكلمون أنفسهم ويديرون حوارا مع المجهول، هناك مصابون بأمراض نفسية مختلفة درجاتها لكنهم يدارون أوجاعهم خشية نظرة الآخرين إليهم والذين قد يعتقدون أنهم أصيبوا ربما بحالة من حالات الجنون . مؤخرا أوضحت دراسة صدرت عن الجامعة الأمريكية بالتعاون مع وزارة الصحة أن حوالي 60٪ من المصريين مصابون بما يسمي " كرب ما بعد الصدمة ". وهو مرض يصيب الأشخاص الذين يتعرضون لصدمات نفسية قوية بدرجات مختلفة من التوتر والقلق وتصل أحيانا إلي درجة الاكتئاب . أصيب المصريون بهذه الحالة بعد 25 يناير بعد ما شاهدوه في الشوارع أو علي شاشات التلفزيون، وما جري من عنف أدي إلي انتشار مشاعر القلق والخوف لدي عموم المواطنين، وهي مشاعر ترتبط بالقلق الشديد علي المستقبل والخوف من عدم القدرة علي توفير المأكل والملبس وهو أيضا ما يجعل علاج المصريين من حالاتهم النفسية بعيد المنال، لأن تكاليف العلاج النفسي باهظة بجانب أن ثقافتنا لا تسمح بسهولة للمصابين بمرض نفسي بالتردد علي الأطباء . ما يضاعف القلق عندي، بجانب الأحوال المتردية جدا في مصر وفي مؤسساتها علي جميع المستويات، أن الدراسات النفسية تؤكد أن أكثر فئات المجتمع تعرضا للكروب النفسية هم الصحفيون . الدراسات تشير إلي أنهم يتعرضون لضغوط شديدة بسبب طبيعة عملهم وبجانب البيئة غير المواتية التي يعملون من خلالها . ومن أبرز نتائج الضغوط النفسية علي المواطنين زيادة نسبة المصابين بارتفاع في ضغط الدم، خاصة بين سكان القاهرة الذين تزيد معاناتهم بسبب الزحام ومشاكل السكن والمرور وتردي الأوضاع المعيشية . لذلك ليس غريبا أن تتضمن المحادثات أو المكالمات بين المصريين عبارات متكررة عن الإحباط وعدم الرغبة في الحياة والتوتر في مجال العمل وعدم الرغبة في رؤية أو التعامل مع الآخرين .