منذ أيام أفرجت اسرائيل عن وثائق تتعلق بحرب اكتوبر في ذكراها السابعة والثلاثين، الوثائق في مجملها محاضر لاجتماعات سياسية تكشف حالة الانهيار التي اصابت القيادة السياسية والعسكرية في اعقاب الهجوم الشامل المباغت الذي شنته القوات المصرية والسورية في توقيت واحد علي جبهتي سيناء والجولان. أهم وثيقة منها هي تلك التي تتحدث عن لجوء جولدا مائير رئيسة الوزراء الاسرائيلية بتأييد من وزير الدفاع موشيه ديان الي التفكير في استخدام السلاح النووي ضد مصر وسوريا بعد 52 ساعة فقط من اندلاع المعارك. والحق ان الوثائق الاسرائيلية لم تفصح عن معلومات جديدة او مواقف كانت خافية علي المتابعين لشأن الصراع العربي الاسرائيلي، سواء فيما يتعلق بحالة الذعر التي اصابت قادة اسرائيل، او فيما يخص اعلان حالة الاستنفار النووي ضد مصر وسوريا. منذ سنوات مضت .. كشفت وثائق ودراسات امريكية عن قيام اسرائيل بالتجهيز لضربة نووية بعد فشل هجومها المضاد علي القوات المصرية في سيناء يوم 8 اكتوبر وكان من اهمها دراسة الكولونيل »وارنرفار« التي اجازتها كلية الحرب الجوية الامريكية عام 9991، وكتاب الباحث الاسرائيلي المقيم بامريكا أفنر كوهين »تابو اسرائيل الاخير« عام 3002 ومن قبلهما كتاب الصحفي الامريكي الشهير سيمور هيرش »خيار شمشون« عام 1991. وذكرت تلك الوثائق والدراسات ان جولدا مائير امرت يوم 9 اكتوبر بتحميل قاذفات الفانتوم الرابضة في قاعدة »تل نوف« بقنابل ذرية، كما أمرت بوضع صواريخ »اريحا 1« متوسطة المدي المحملة برؤوس نووية في حالة تأهب قصوي في قاعدتها »هيربات زخاريا« استعدادا لضرب اهداف في العمق المصري تحديدا! علي ان السؤال الذي لابد ان نبحث فيه هو:لماذا لم تستخدم اسرائيل سلاحها النووي والثابت أنها كانت تمتلك 31 قنبلة ذرية اثناء حرب اكتوبر؟! تبريرات الخبراء الاسرائيليين الذين يرجعون إحجام اسرائيل الي خشيتها علي صورتها امام الرأي العام العالمي، تبدو مضحكة لاسيما ان قادة اسرائيل علي مر تاريخها هم مجموعة من مجرمي الحرب لايتورعون عن ارتكاب ابشع المذابح دون وازع من ضمير او اعتبار لرأي عام.. اما آراء المحللين الامريكيين بأن تهديدات مائير لم تكن سوي نوع من الابتزاز السياسي لادارة نيكسون من اجل تعويض اسرائيل عن خسائرها العسكرية، فتبدو متهافتة وغير منطقية. وفي رأيي المتواضع ان الاجابة علي ذلك السؤال هي بسؤال آخر معاكس، هل كان الرئيس السادات رئيسا لدولة ومسئولا عن شعب، أم قائدا لمجموعة انتحارية يندفع الي خوض حرب في مواجهة دولة نووية يعلم انها مسلحة بقنابل ذرية دون ان يكون هو متسلحا برادع ودون ان تعلم هي انه يمتلك مايردعها عن استخدام اسلحتها النووية!! وادعوكم الي التمعن في تحذير الرئيس السادات لاسرائيل الذي جاء في خطابه امام مجلس الشعب يوم 61 اكتوبر 3791 أي في عز المعركة.. عندما قال بوضوح: »العمق .. بالعمق«! أيا كان ماتقصده اسرائيل من كشفها هذه الايام عما هو مكشوف بالفعل منذ سنوات، فالدرس الذي يجب أن نستخلصه نحن وتستوعبه هي، ان ترسانتها النووية لم تحل دون هزيمتها في حرب اكتوبر، وأنها تكفل لها الأمان ولا الردع في مواجهة المقاومة الفلسطينية اذا أصرت علي استمرار احتلال الارض.