من الروايات التي تستحق المراجعة والدراسة والتمعن الرواية التي تنسب اسم "مصر" الي حفيد سيدنا نوح عليه السلام "مصراييم" والذي سكن مصر قديما وأنجب بها ذريته. الرواية »التوراتية« تقول ان نبي الله " نوح " بعد الطوفان قسم الأرض بين اولاده.. فجعل لحام مصر وسواحلها فلما دخلها "بنصر بن حام " وبلغ العريش قال "اللهم إن كانت هذه الأرض التي وعدتنا بها علي لسان نبيك نوح وجعلتها لنا منزلا فاصرف عنا وباءها.. وطيب لنا ثراها.. واجر لنا ماءها.. وأنبت كلأها.. وبارك لنا فيها.. وتمم لنا وعدك فيها..إنك علي كل شيء قدير.. وإنك لا تخلف الميعاد".. وجعلها " بنصر" لابنه "مصرايم " وسماها باسمه! من المرات الخمس التي ذكر فيها اسم "مصر" صراحة بالقرآن مرتين في قصة سيدنا يوسف وتحدثت عما قاله "ابن كثير" عنهما في مقالي السابق.. وثلاث مرات في قصة سيدنا موسي.. كانت المرة الأولي في قصة سيدنا موسي عليه السلام في الاية 61 بسورة "البقرة " اذ يقول عز وجل " وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَي لَن نَّصْبِرَ عَلَيَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَي بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُون" ويقول ابن كثير في تفسيره لهذه الاية ان الله تعالي يَقُول اذكروا نعمتي عليكم في انزالي المن والسلوي طعاما طيبا نافعا هنيئا سهلا.. وضجركم مما رزقتكم وسؤلكم موسي استبدال ذلك بالاطعمة الدنيئة من البقول ونحوها.. وقال الحسن البصري انهم بطروا ولم يصبروا وذكروا عيشتهم التي كانوا عليها وكانوا قوما اهل "اعداس وبصل وبقل وفوم".. واضاف »ابن كثير« لقد اختلف السلف في معني "الفوم" فقيل انه "الثوم " وانه "الحنطة والبر" الذي يعمل منه الخبز وان قوله تعالي »وفومها« بمعني خبزها.. وقال البعض انه الحمص علي لغة اهل الشام.. وقال البخاري كل الحبوب التي تؤكل فوم . وبعيدا عن الاختلاف في معني "الفوم" فقد فسر "ابن كثير" قوله تعالي " اِهْبِطُوا مِصْرًا " بانها هكذا منونة مصروفة ومكتوبة بالألف في مصاحف الأئمة العثمانية وهي قراءة الجمهور.. واضاف ان ابن جرير قال انه لا يستجيز القراءة بغير ذلك لاجماع المصاحف.. وان ابن عباس قال انه »مصر من الامصار«.. كما روي عن ابن جرير قوله انه وقع في قراءة بن كعب وابن مسعود "اهبطوا مصر" من غير اجراء وصرف وفسروها بانها "مصر فرعون".. ويحتمل ان يكون المراد هو مصر فرعون علي قراءة الاجراء.. ويضيف "ابن كثير" ان ما قاله ابن جرير فيه نظر.. والحق ان المراد "مصر من الامصار" كما روي عن ابن عباس وغيره.. وان المعني علي ذلك أن موسي عليه السلام يقول لهم هذا الذي سألتم ليس بأمر عزيز بل هوكثير في أي بلد دخلتموها وجدتموه فليس يساوي دناءته وكثرته في الامصار ان اسأل الله فيه ولهذا قال "اتستبدلون الذي هوادني بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم" أي ما طلبتم ولما كان سؤلهم من باب البطر والأشر ولا ضرورة فيه لم يجابوا وضربت عليهم الذلة والمسكنة.. وللحديث بقية.