لآن وبعد أورقت شجرة الحرية في سماء مصر واهتزت أغصانها وتجاوبت مع رياح التغيير وأصبحت قطوفها دانية بعد أن كانت بعيدة وعاصية، تسابق الزراع وتخاطفوا الثمار وتبادلوا الحجج بل والإتهامات، كل حزب بما لديهم فرحون. ولكن لهذه الشجرة جذورا تحكي وأوراقا تتكلم وتنطق والأرض من تحتها تشهد وتصدق . وإني لأعلم مسبقا أن ما أقوله هنا هو سباحة ضد تيارات وأراء لن تعجب الكثيرين ولكن لايمكن قراءة الواقع إلا بعد رسم الصورة كاملة وربط الماضي بالحاضر. فلقد جاهد أصحاب التيار الإسلامي كل صور المد الشيوعي وكانوا حائط الصد المنيع في مواجهة التيارات الفكرية الغربية والتي حملت في طياتها معاول الهدم للفكر الإسلامي. هذا بخلاف الصراع المرير أثناء محاولاتهم تصحيح اعوجاج القوانين عن مطابقة الشريعة. ولقد عاني أصحاب هذا التيار معاناة شديدة واضطهادا - غير مبرر- من السلطة الحاكمة علي مدار ما يربو علي نصف قرن من الزمان. فكم زج بهم في السجون وكم عذبوا وكم صودرت أموالهم ولم يثنهم ذلك أبدا ولم تفتر عزيمتهم بل زادهم إصرارا علي إصرار وكانوا رغم ذلك في صدارة كثير من المشاهد السياسية من نقابات وجامعات وتكتلات بل وعلي مقاعد المعارضة في مجلس الشعب. هذا ولايمكن لمنصف أن يبخس أدوار التيارات الأخري التي لعبت أدوارا هامة بل وكان لها دور الريادة علي فترات متقطعة مثل حزب الوفد وحزب الغد - حسب الترتيب الزمني - التي ساهمت وبقوة في تهيئة المناخ العام للحراك السياسي ثم جاءت الحركات والتكتلات والإتلافات الشبابية التي أشعلت شرارة الثورة بل وكان شهداؤها الوقود الأول لنيران الثورة . كما أنني لا أتفق تماما مع من يحاولون تقليل أهمية الدور الذي قام به الإخوان المسلمون في ثورة يناير، فإن كانوا لم يبدأوا شرارة الثورة فهم خاضوا غمارها وقاموا بحمايتها أكثر من مرة، ولا يقدح في دورهم تأخر ردود الأفعال أو حتي اختلاف القرار علي أرض الواقع فهم جماعة منظمة لها قيادة ولها خبرة سياسية تختلف عن ثوار الميدان ، مما يؤدي حتما إلي اختلاف الرؤية وصناعة القرار. فإن صب ذلك في مصلحتهم - دون تعارض جوهري مع مصلحة الثوار - فلا يعني ذلك خيانة للثورة أو استغلالها . والآن وبعد أن انتقل التيار الإسلامي - ممثلا في الإخوان المسلمين - من مقاعد المعارضة إلي مقاعد السلطة، همز البعض ولمز بإنهم قد ركبوا الثورة واستغلوها، والحقيقة والتاريخ يشهدان بغير ذلك فهم من زرعوا الشجرة التي ارتوت عشرات السنين من معاناتهم وعذابهم وأموالهم وأقرت لهم الأرض ونطقت من خلال صناديق الاقتراع . وإن كانت هذه الشجرة قد رويت الرية الأخيرة بدماء شهداء يناير وتساقطت ثمارها عندما اهتزت الأرض تحت أقدام الثوار، فأقول للمتشككين دعونا نتذوق ثمار هذه الشجرة وسنتبين - عما قريب - إن كانت هي شجرة الحرية والعدالة أم أنها - تلك التي أخرجت آدم من الجنة - شجرة الخلد وملك لايبللي.