هالة العىسوى أياً كان الفائز برئاسة مصر ينبغي عليه ان يعي جيداً انه لم يحصل علي الأغلبية المريحة التي تمكنه من الاستئثار والتسيد والجلوس مطمئناً علي كرسي الحكم. يابلدنا يابلد هو من إمتي الولد بيخاف من امه لما في الضلمة تضمه تلاحقني كثيراً كلمات هذه الأغنية في الأيام الأخيرة. مرعب جداً هذا المشهد الذي أراه في ميدان التحرير أثناء كتابة هذه السطور. ثمة حشد، تجييش، شحن، تربص، توجس، أعصاب مشدودة تماما مثل سلك الكهرباء العاري أو كعصب الضرس المكشوف. مشهد يعيدنا الي الأيام الأولي للثورة ماقبل تنحي الرئيس السابق. من الصعب توجيه اللوم للمحتشدين وحدهم، فمهما رصدنا لهم من أخطاء في الأداء والممارسة السياسية، علينا ان نعترف بأن ثمة أخطاء مقابلة في أداء السلطة، وارتباكا علي صعيد اسلوب الحكم والإدارة. وها نحن بعد أكثر من عام ونصف العام من ثورة يناير2011 خاض فيها الشعب استفتاء وحيداً علي إعلان دستوري مبتسر، وانتخابات تشريعية أتت لنا بمجلس شعب منتخب، وانتخابات رئاسية يفترض ان تعلن نتائجها الرسمية اليوم، نجد أنفسنا فجأة وكأننا وضعنا نقطة ونبدأ من أول السطر، أو كأننا أغلقنا كل دفاترنا قبل اكتمالها ونفتح صفحة جديدة نعيد فيها كل الخطوات من البداية. فنحن بقوة القانون بلا مجلس شعب وربما بلا مجلس شوري، وأمام إعلان دستوري مهترئ نحتاج لتكميله وترقيعه كل بضعة أسابيع، وبلا دستور حقيقي، أو حتي جمعية تأسيسية لوضعه، أما الرئيس الذي ستتم تسميته اليوم أو غداً - وبعيدا عن كل اللغط المثار حول النتائج والأرقام الحقيقية التي حققها كل منهما - سيأتي مغلول اليد منقوص الصلاحية. كانت لدينا مواعيد محددة قطعتها المؤسسة العسكرية علي نفسها بتسليم الحكم لسلطة مدنية منتخبة بحلول يوليو القادم، الآن تسود حالة من اللايقين في إمكان حدوث ذلك علي أرض الواقع رغم كل الوعود والتطمينات المعسولة والشروح والتبريرات التي جاءت في المؤتمر الصحفي الذي عقده اللواءان محمد العصار وممدوح شاهين عضوا المجلس الأعلي للقوات المسلحة. لقد كان المجلس الأعلي للقوات المسلحة يضيق ذرعاً بانتقادات القوي السياسية والثورية لأدائه في إدارة البلاد، ولم يفتأ يكرر انه غير متمسك بالسلطة، وكانت تلك القوي ترد بأنه السلطة السياسية التي تدير البلاد وأن عليه القبول بهذه الانتقادات، الآن وبعد الإعلان الدستوري المكمل أصبح المجلس العسكري سلطة تنفيذية ( سياسية واقتصادية)، وأيضاً سلطة تشريعية، بل أكثر من هذا حدث ذلك التضارب في انباء تعيين أمين عام لديوان رئاسة الجمهورية ثم نفي ذلك بعد سويعات. ارتباك وتداخل ممجوج، ازدواجية محيرة ومقيتة في رأس السلطة تتيه معها المسئوليات وتتسع معها هوة النزاع وقد تُشَل معها المصالح الحيوية للبلاد فيتحول معها الرئيس المنتخب الي مجرد رئيس وزراء بشرطة.. فلا تلوموا إذن أولئك الذين يصفون المشهد الراهن بأنه انقلاب عسكري ناعم . أو كما اسميه استخدام "العسكري" لقوته الناعمة. نصف الرئيس الآخر أياً كان الفائز برئاسة مصر ينبغي عليه ان يعي جيداً انه لم يحصل علي الأغلبية المريحة التي تمكنه من الاستئثار والتسيد والجلوس مطمئناً علي كرسي الحكم... فلو كان الرئيس متفوقاً بأكثر من النصف بقليل، فقد حصل منافسه علي أقل من النصف بقليل. وعليه أن يعي أيضاً ان قسطاً معتبراً من الأصوات التي حصل عليها جاءته نكاية في الآخرللحيلولة دون تولي المنافس للرئاسة، وليس اقتناعاً بجدارته بحكم البلاد. لهذا عليه ان يضع نصب عينيه هذا النصف الآخر، بل ينبغي ان يعيد دراسة الحساب، فعلي عكس كل ماتعلمه، لن يعطي حاصل جمع النصفين واحداً صحيحاً.لأن النصفين اللذين توجها للانتخاب ليسوا كل الشعب المصري.هناك اللامبالون، والمقاطعون، والمبطلون، ولكل فريق من هؤلاء منطق وجيه من زاويته الخاصة، وكل هؤلاء الذين يمثلون أكثر من نصف الشعب المصري لم ينتخبوه. لكن مسؤوليته القدرية ان يكون رئيساً لهم جميعاً. وأياً كانت النتيجة فمن الواجب علي الخاسر إعلاء مصلحة الوطن، والانسحاب برجولة وشرف، وإن لم يستطع مصافحة منافسه الفائز وتهنئته، فلا أقل من ان يتمني له التوفيق في إدارة سفينة البلاد.ولايمنع هذا من بقائه معارضاً نزيهاً قوياً، فاتحاً عينيه ومشرعاً كل قرون استشعاره لدرء أي خطأ أو خطر ينتج من أداء الرئيس الجديد. وإن لم يقتنع بنتائج الانتخابات فليحتفظ بأدوات احتجاجه في ساحات القضاء، وليُبقٍّ سقف ضغوطه الجماهيرية سلمياً ولاداعي للتحريض والشحن الجماهيري والتصعيد لحافة الصدام. فالبلاد منهكة بما يكفي، وتشرذمت، وفقدت أرواحاً وسالت فيها الدماء بما يكفي. ومايزال أمامنا الطريق طويلاً وشاقاً، فنحن نحبو نحو الهدف وتعددت عثراتنا ولانملك من ترف الوقت ما نهدره في صراعات شخصية وأيديولچية كما إننا لانملك رفاهية وقف آلة الزمن فالمسيرة كما يلاحظ تبدأ من جديد. مذبحة الصحافة القومية مسكينة الصحافة القومية .. تتعامل معها الدولة باعتبارها واحدة من إمائها أو سباياها.فهي بنص القانون ملكية خاصة لها ويتولي مجلس الشوري مهمة المالك بمنطق من حكم في ماله ما ظلم. ينتظر منها النظام ان تكون بوقا دعائياً له. ربما كان ذلك مألوفاً قبل الثورة وإن لم يكن مقبولاً أو مسكوتاً عنه. فكم من معارك دارت رحاها بين الصحفيين ونقابتهم من ناحية، وبين المجلس الأعلي للصحافة ومجلس الشوري من ناحية أخري سعيا لتحسين الأوضاع وتوسيع هامش حرية واستقلال الصحف القومية، ودفاعاً عن حقوق صحفييها وتجنيبهم إساءة استعمال السلطة الغاشمة. لكن بعد الثورة لم يعد مقبولاً ان تستمر علاقة السبي القائمة بين الدولة والصحافة القومية، فنواجه اعادة انتاج الأساليب التسلطية القديمة تحت غطاء الثورة وباسمها. وكأن مجلس الشوري قد تفرغ من كل مهامه التي نص عليها قانون إنشائه، ولم يجد ما يمارس فيه صلاحيته وسلطاته سوي الصحافة القومية، وبنفس منطق الملكية الغاشم، وبذات منطق الاستبداد والتحكم القديم، فيطيح برؤساء تحرير، ويأتي بآخرين علي هواه ويتدخل في أعمال وإدارة تلك الصحف، ويضع نفسه رقيباً علي حساباتها علي الرغم من خضوعها فعلياً الي أجهزة الرقابة والمحاسبة الرسمية. في الآونة الأخيرة ترددت كثيراً "شكوي" الأغلبية البرلمانية من عدم امتلاكهم آلة إعلامية مناسبة أو ما أسموه تهذباً ب "الاعتراف بالقصور" في آلتهم الإعلامية، وبعدم توفر الأبواق الدعائية القادرة علي الترويج "لإنجازاتهم"، وبما أنهم أصبحوا حكاماً فقد وجدوا ضالتهم المنشودة في الصحافة القومية التي يمتلكونها، وتمادت شكوي الأغلبية الحاكمة من سوء تعامل الصحف القومية معهم، وكثافة انتقاداتها لهم.مع أنهم لو نظروا بموضوعية لاعترفوا بأن كثيراً مما تحمله الصحف القومية من انتقادات لممارساتهم صحيح، بصراحة لا أتوقع خيراً من الأداء الحالي لمجلسي الشوري والأعلي للصحافة. وأخشي من ان تكون الهجمة الراهنة علي الصحافة القومية نوعاً من التشفي وتصفية الحسابات. و لو أنصف مجلس الشوري لتريث قليلاً أمام مذبحة الصحافة التي ينتويها حتي يتم البت قانونا في صلاحيته واستمراره أوبقول آخر في دستورية انتخابه. ضحك كالبكا لاتبدو الثورة وكأنها حققت شيئاً من أهدافها. ولو تأملت بعض نماذج الارتباك لتعجبت أشد العجب من الأداء الثوري المزعوم. النماذج كثيرة ومؤسفة من مغالبة ومحاصصة تسيطر علي أهواء القوي السياسية التي انكبت علي مصالحها الضيقة ولم ترع مصالح الوطن كما أقسمت للشعب. اعترف بأنني كنت أغالب الضحك حين قرأت خبر مطالبة الدولة لأعضاء مجلس الشعب المنحل برد القروض التي حصلوا عليها بموجب عضويتهم في البرلمان. لم تمض علي عضويتهم شهور في الهيئة التشريعية حتي سارعوا بالحصول علي قروض من ميزانية هذا الشعب البائس. تكالبوا علي المميزات المادية ونبشوا في القنوات التي يمكنهم الاستفادة منها ولم يهدروا وقتهم. حتي لو كان ذلك إجراء معمولاً به في العهد البائد، فلم يعد من اللائق في برلمان الثورة ان تستمر عمليات استغلال النفوذ والركض وراء المصالح الشخصية، تماماً كما كان ركض النواب السابقين للحصول علي الحصانة البرلمانية. نموذج آخر يعذب الكثيرين انه لم يصدر حتي الآن حكم إدانة واحد علي من قتل المتظاهرين بخلاف الرئيس السابق ووزير داخليته، أين من أمسك بالسلاح وقتل الثوار بيديه؟ كل الضباط المتهمين حصلوا علي أحكام قضائية بالبراءة، وهنا تحضرني نبوءة صديقي الكاتب الكبير د.عبد الحليم قنديل حين قال لي ذات مرة: أخشي من مهرجان البراءة للجميع. ودعوني أطرح سؤالاً فائق السذاجة: كيف ستكون نفسية هؤلاء الضباط الذين اتهموا حين يعودون الي أعمالهم، وكيف سيتعاملون بشكل أو آخر مع الشعب؟ هل سندخل في دوامة ثأر وقصاص؟ الأدهي ان أحكام البراءة المتواترة بسرعة البرق تزامنت مع إقرار مجلس الشعب " المنحل" لقانون زيادة تعويضات أهالي الشهداء فيما بدا وكأن السلطة قد قررت ترضية هؤلاء المكلومين، وراعت حرقة قلوبهم من عدم معاقبة قتلة أبنائهم فحددت انفرادياً زيادة التعويضات كنوع من الدية الواجبة لأنها تعرف مقدماً ان هؤلاء الأهالي لن يقبلوا الدية مقابل أرواح أبنائهم لأنها تعني التسامح في دماء الشهداء. مصريتنا والدراما المدبلچة يسألني الصحاب: بتشوفي "الأوراق المتساقطة؟".. لا. طيب "الوردة البيضاء؟".. لا. طيب شفتي حريم السلطان؟ يبقي اكيد بتتفرجي علي "فاطمة"؟ ولأني لست من هواة المسلسلات التليفزيونية، ولي طبيعة انتقائية في مشاهدتها، فقد أردت ان انفي عن نفسي الاتهام بالجهل والانطواء وتجولت علي المحطات الفضائية لأفاجأ بكم هائل من المسلسلات التركية "المدبلجة" علي القنوات المصرية الخاصة. بصرف النظر عن موضوعات تلك المسلسلات التي تعكس قضايا اجتماعية شديدة المحلية، تتسق مع طبيعة المجتمع التركي وقيمه التي تمزج بين الخلفية الإسلامية، والواقع العلماني القريب من الغرب.كان أهم مالفت نظري هو المتعة البصرية التي تقدمها تلك المسلسلات من مناظر طبيعية، ومستوي معيشة يجعلنا نغبط الأتراك علي حياتهم المترفة حتي لدي أفقر الطبقات لديهم. مع ذلك هناك شئ ما لايريحني، ليس في الدراما التركية وحدها ولكن في كل الدراما الأجنبية المدبلچة. إنها تفقدني الاستمتاع بجرس اللغة الاصلية، رغم اعترافي باجتذابها لقطاعات كبيرة من المشاهدين لسهولة وصولها الي غير المتعلمين منهم، وأصحاب النظر الضعيف الذين يجدون مشقة في قراءة شريط الترجمة المصاحب لكل مشهد. ما يحدث من غزو الدراما التركية - ومن قبلها الدراما المكسيكية - المدبلچة للفضائيات المصرية يصاحبه انتشار هائل وترويج للهجة الشامية التي نحبها بلاشك ونستلطفها، لكن ما يسوء المرء ان رواج لهجة أخري غير المصرية علي قنواتنا الخاصة، بل علي القنوات العربية أيضاً، يخصم من رصيد الألفة والمحبة التي تتمتع بها اللهجة المصرية بين الأشقاء العرب الذين طالما كانت سائدة ومحببة الي نفوسهم بفضل الدراما المصرية. وحين كنا نلتقي بأصدقائنا من الدول العربية الشقيقة دائما ما تغمرنا البهجة حين يتحببون الينا بالنكات والقفشات المصرية التي اتقنوها من الأفلام والمسلسلات. الآن وقد فرضت آليات السوق انكماشاً في انتشار الأعمال المصرية لصالح دراما أخري أكثر جاذبية، فليس أقل من الحفاظ علي لهجتنا. المؤسف في الأمر حقاً هو انكماش حركة الترجمة في مصر والغياب شبه المطلق للترجمة الصوتية، وما يثير غيرتي ان كثيراً من الأعمال الثقافية والمطبوعات الصادرة حديثا بلغات أجنبية اجدها مترجمة في دول عربية اخري وتتصدر لبنان حركة النشر والترجمة بشكل لافت. كما تتصدر اللهجة اللبنانية والسورية حركة الترجمة الصوتية في الأعمال الدرامية المدبلجة وهونوع من "البزنس" الرائج. وأعجب لماذا نستسهل استيراد هذه الأعمال ولم يجرؤ أحد من كبار الناشرين المصريين علي اقتحام مجال الترجمة النصية والصوتية لاسيما ونحن لدينا الخبرات المهنية والتقنية القادرة علي التفوق في هذا المجال. هل هو جبن رأس المال؟ أم بخل رجال الأعمال عن الإنفاق علي هذا الحقل الثقافي الهام ؟