محمد حسن البنا في المقالة السابقة تحدثت عن أشهر 3 أنظمة سياسية في العالم الديمقراطي.. وانتهينا إلي انها النظام الرئاسي.. والنظام البرلماني.. والنظام الرئاسي البرلماني. وبقي لنا أن نري موقعنا من العالم.. وهو نظام عجيب.. لا هو بالرئاسي ولا هو بالبرلماني ولا هو حتي مختلط.. انما ننفرد عن بقية العالم الديمقراطي بنظام يهيمن فيه الرئيس علي كل السلطات.. مقدرات الأمة كلها بيده وحده.. هو الرئيس الأعلي للشرطة والرئيس الأعلي للقوات المسلحة والرئيس الأعلي للسلطة القضائية والرئيس الأعلي للسلطة التنفيذية ورئيس الحزب صاحب الأغلبية البرلمانية الكاسحة والأحزاب الأخري تنشأ بعد موافقته الضمنية! الرئيس في مصر هو كل شيء.. صورة منتشرة داخل السلطات الثلاث.. أي انه الملهم لانه رمز الدولة.. كما انه صاحب الرؤية في اختيار القيادات العليا والجهات السيادية وحتي الرقابية.. فلا يمكن أن يعلن قرار من جهة رقابية مثلا دون green line أي خط اخضر من مؤسسة الرئاسة.. اذن الرئيس هو الملهم للفنانين والادباء والنخبة والكتاب.. ولهذا يرأس احتفالاتهم السنوية.. وحتي العمال والفلاحين.. هو الذي يمنح ويعطي ويهب.. وسبحان الله العلي العظيم الوهاب! إذا كان هذا هو شكل الدولة المصرية علي مر العصور التي عشتها حتي الآن.. فما بالك بعهود الفراعنة والملوك السابقة علي ثورة 2591.. وإن كنا نسمع ان في عهد الفرعون.. كان هناك الفلاح الفصيح الذي يقدم الشكوي للمسئول.. ليرد عليه احتراما لآدميته.. والنظام السياسي لمصر يميل إلي الديكتاتورية.. وقد رأينا كيف كانت تدار الدولة في الفترات الماضية منذ عهد عبدالناصر مرورا بعهد السادات وانتهاء بعهد حسني مبارك.. كما قلنا الرئيس هو كل شيء.. أهل الثقة فوق أهل الخبرة.. لا معيار لاختيار القيادات في الدولة إلا ابن من.. ومدي الثقة فيه.. وليس مدي كفاءته ومهاراته وقدراته علي تولي المنصب.. ثم هل هو من المنضمين الي التنظيم الطليعي أم من الثورجيين.. وهل هو منتم للاتحاد القومي ومن بعده الاتحاد الاشتراكي أم لا.. كانت هذه المؤهلات المطلوبة أيام عبدالناصر.. هل يحفظ »ميثاق 03 مارس«.. يقولون لا.. انما يحفظ القرآن الكريم.. يقولون اتركوه في الجامع يتعبد ويقرأ القرآن وحاذروا أن يكون له مريدون! أما الجناية الكبري التي ارتكبها عهد عبدالناصر.. فكانت حل الأحزاب والتيارات والطوائف بدعوي انها ضد الثورة.. لهذا ظهرت جماعات ثورية تحت الأرض.. رغم ملء السجون بأبناء التيار الشيوعي والاسلامي.. واستمر هذا الوضع حتي جاء السادات.. وكانت ثورة الطلبة علي السادات لانهاء حالة اللاسلم واللاحرب.. وبعد ذلك ارتأي السادات ان يؤسس الأحزاب بمعرفته واطلق عليها اسم »المنابر«.. ثم تحولت إلي أحزاب.. وكانت احزابا ضعيفة ويكفي أن نقول انها احزاب مصنوعة من السلطة.. اذن أي معارضة يمكن ان تقوم بها.. وحاول حزب الوفد العودة إلي الحياة عن طريق القضاء.. وحصل علي حكم قضائي شهير.. وعاد يمارس المعارضة.. وكانت له كلمة مع فؤاد سراج الدين.. كما كان لحزب العمل الاشتراكي برئاسة المناضل إبراهيم شكري كلمة مستقلة أيضا.. وبدأت مصر تعرف نظام الاحزاب المعارضة القوية إلي حد ما.. وإن كانت قائمة علي شخصيات ورموز لها باع في المعارضة.. لكن هذه الطريقة ساعدت في اعادة الوعي لدي الكثير من المعارضين وجماهير الشعب.. وبدأت مرحلة من الوعي.. قابلها تقييد لنشأة الأحزاب وجاء عهد الظلم والديكتاتورية بعد مقتل السادات وتولي حسني مبارك الحكم.. وسط اجواء كئيبة قادتنا إليها أساليب الحكومة في كبت الحريات وملء السجون بالسياسيين ورموز الفكر والصحافة.. وهذا النظام اضافة إلي نظام عهد عبدالناصر.. ساعد علي العمل التحتي.. الذي انفجر في الرئيس الراحل أنور السادات.. وجاء حسني مبارك يبدو محاولا في اصلاح ما أفسدته الانظمة السابقة.. كان بريئا.. أو بمعني آخر خام لم يفطن العمل السياسي بعد.. ولهذا تعامل بتلقائية كانت تحسب عليه أحيانا.. أو تحسب له احيانا اخري.. ومع خمر السلطة تحول إلي ديكتاتور.. وأصبح ساديا.. وأحاطت به جوقة السلطان.. سواء من الساسة أو الاعلاميين أو مؤسسة الرئاسة.. وتطورت أمور الدولة إلي الأسوأ وظهرت مؤثرات العائلة في تكوينه.. وارتأي أن من الأصوب أن يفعل كما يفعل الملوك والأمراء.. وحافظ الأسد.. وان يرث ابنه الحكم.. وبدأت تظهر الاعتراضات.. لم يعبأ بها.. وصم اذنيه عما يحدث في الشارع.. ولم يقرأ سوي ما تريد الجوقة المحيطة أن يقرأه.. ولم يسمع سوي ما تريد الجوقة ان يسمعه وأصبح منفصلا عن الشارع.. بل منفصلا عن الوطن والرعية.. وانتهي عصره الذي اتسم بالظلم والفساد والديكتاتورية في لمحة بصر.. بثورة شباب 52 يناير 1102. وانهارت الدولة أو بالأصح انهار النظام بأركانه.. وبقي الفلول وبقيت القوات المسلحة تسعي إلي حماية الوطن داخليا وخارجيا.. واستبشرنا خيرا بالثورة.. واعتقدنا ان دولة المؤسسات قد بدأت.. لكن حتي الآن وبعد مضي 51 شهرا تقريبا.. نحن مقبلون علي انتخابات رئاسية مشكوك فيها.. لان الرئيس بلا صلاحيات حتي الآن.. وجري التشكيك في البرلمان رغم الشهادات المحلية والدولية بأنها انتخابات نزيهة.. والحكومة تتبع المجلس الأعلي للقوات المسلحة.. والاعلان الدستوري الصادم لكل الحريات والتطلعات بيد المجلس الأعلي للقوات المسلحة.. وهكذا نعيش لخبطة تشريعية ورقابية وسياسية وحكومة ضعيفة.. ومجلس أعلي يمسك بتلابيب البلاد.. والدولة بلا لون أو طعم سياسي معين.. لا هي ديمقراطية.. وليس لها دستور.. والمؤسسات تتناحر.. وتضرب في بعضها.. والبرلمان مهدد.. والحكومة تقلب القوي السياسية الفاشلة علي البرلمان.. والأحزاب ضعيفة وأصبحت شخشيخة في يد العسكري.. والمجلس الاستشاري لا لزوم له.. بل هو معوق وغير مفيد.. والمواطن حائر بين أجهزة اعلام مضللة.. وتيارات منفلتة.. ولا أحد يحب مصر ويخاف علي مصالحها! دعاء يريح البال اللهم اجمع قلوبنا علي طاعتك واجمع نفوسنا علي خشيتك واجمع أرواحنا في جنتك آمين يارب العالمين