كنت أول من استخدم تعبير »ترزية القانون« قبل سنوات عديدة في وصف ما يقوم به البعض من اعداد القوانين حسب الطلب ووفق رغبة النظام الذي سقط!!.. الآن يبدو تعبير »ترزية القانون« عاجزا عن وصف بعض مظاهر »المسخرة التشريعية« التي يقوم بها البعض في برلمان يفترض ان يكون برلمان الثورة، فإذا بالبعض يتعامل معه بمنطق »برلماني وأنا حر فيه.. برلماني أفرده وأتنيه«!! آخر تجليات هذه »المسخرة التشريعية« هي ما قامت به لجنة الاقتراحات والشكاوي بمجلس الشعب بالموافقة علي تعديلات خطيرة في قانون المحكمة الدستورية العليا لكي تتم اعادة تشكيلها من عناصر قضائية تحددها التعديلات الجديدة وأيضا لكي تتحول أحكامها إلي مجرد رأي استشاري غير ملزم، كما تعطي التعديلات للبرلمان حق تحصين القوانين التي يصدرها من رقابة المحكمة إذا وافقت عليها أغلبية معينة، ثم بعد هذا كله نأتي إلي بيت القصيد كما يقولون، أو الهدف الأساسي من التعديلات المشبوهة، حيث تنص التعديلات علي انه إذا قضت المحكمة الدستورية بحل مجلسي الشعب والشوري فان الحكم لا ينفذ إلا بعد انتهاء مدة المجلسين!! هذه المسخرة التشريعية لم يكن يجرؤ عليها برلمان مبارك وأحمد عز، ولكن برلمان الثورة »!!« يقول انه سيقدم عليها!! المحكمة الدستورية هي واحدة من أكثر المحاكم الدستورية احتراما في العالم كله، ودورها في حماية الحريات والانتصار للحق والقانون لا ينكره إلا صاحب غرض. وقد سبق لها ان حكمت ببطلان الانتخابات البرلمانية مرتين، وفي المرتين خضعت السلطة التنفيذية للحكم وتم حل البرلمان، وتأكدت مكانة المحكمة كمؤسسة دستورية لها كل الاحترام والتقدير. الآن.. يريد البرلمان المذعور من حكم ببطلان الانتخابات ان يحصن نفسه حتي لو كان الثمن هو تحطيم المحكمة الدستورية بكل تاريخها، والاعتداء علي قضاء مصر العظيم والمساس باستقلاله، بعد ان فشلوا قبل ذلك في تمرير مشروع مشبوه اخر لتوحيد القضاء!! والخطير ان الأمر لا يتوقف عند حدود القضاء والمحكمة الدستورية، فالمسخرة التشريعية تمتد لتضرب كل مؤسسات الدولة بما فيها الأزهر الشريف الذي يبحث البرلمان بأغلبية من الأحزاب الإسلامية مشروع قانون لضرب مرجعيته والانتقاص من صلاحياته!! مصر -ايها السادة- أكبر من ان تصدر فيها القوانين لتصفية الحسابات أو لتخدم مصالح احزاب وجماعات بدلا من خدمة المصلحة الوطنية. فأوقفوا هذه »المسخرة التشريعية« و..فضوها سيرة!!