يبدو أن مجلس الشعب بأغلبيته الدينية قد قرر الدخول فى معركة مع المحكمة الدستورية العليا، تحسبا لصدور حكم منها -المتوقع صدوره خلال شهر يوليو المقبل- بحل البرلمان، وأمام ذلك الأمر قرر البرلمان بأغلبيته «الإخوانية» أن يقضى على المحكمة الدستورية نهائيا قبل أن تعصف به، فى نموذج فاضح لترزية القوانين والتشريع ولمصلحة الحزب الحاكم. أولى خطوات المعركة تمثلت فى مشروع قانون تقدم به نائبان عن حزب النور السلفى، يقضى بإدخال تعديلات على قانون المحكمة الدستورية، بما يسمح بإعادة تشكيلها لتضم عناصر قضائية من خارجها، أما الأخطر فهو أن تكون أحكامها مجرد رأى استشارى غير ملزم، لتتحول المحكمة وفق هذا التعديل إلى مجرد «مجلس استشارى». التعديلات التى يطالب بها النواب تتضمن أيضا نصوصا خطيرة، منها أنه يلغى الرقابة الدستورية على القوانين، حيث نص فى أحد تعديلاته على أنه للبرلمان إذا وافق أغلبية 3\4 على أى قانون فإنه يصبح محصنا من الرقابة عليه من المحكمة الدستورية، النص الخطير الذى يكشف أيضا نيه الإخوان والسلفيين وهدفهم من هذه التعديلات، وهى القضاء على المحكمة الدستورية قبل أن تصدر حكما بحل البرلمان، هو ذلك الذى ينص على أنه إذا قضت المحكمة الدستورية بحل مجلسى الشعب والشورى فإنه لا ينفذ إلا بعد انتهاء مدة المجلسين! حالة من الغضب انتابت أعضاء المحكمة الدستورية العليا من مشروع القانون، الذين سارعوا بعقد جمعية عمومية طارئة لاتخاذ موقف حيال المخطط الذى يدار بالبرلمان حاليا للتخلص من المحكمة الدستورية، التى استمر انعقادها حتى مثول الجريدة للطبع. من جانبها، حذرت المستشارة تهانى الجبالى، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، مما سمته بالمخطط للقضاء على المحكمة من جانب فصيل سياسى معين، وذلك على أثر موافقة لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس الشعب على إجراء تعديلات على قانون المحكمة الدستورية يجعل أحكامها غير ملزمة للبرلمان ويقضى بإعادة تشكيل المحكمة. الجبالى أكدت وجود حالة من الغضب الشديد بين أعضاء المحكمة تجاه ما يثار بالبرلمان بشأن المحكمة الدستورية، مشيرة إلى انعقاد الجمعية العمومية للمحكمة بشكل طارئ لاتخاذ موقف حاسم تجاه ما يثار من إجراء تعديلات على قانون المحكمة، والتى استمرت منعقدة حتى مثول الجريدة للطبع. وقالت الجبالى، فى تصريحات ل«التحرير»، إن هذا القانون عنوانه هو العدوان على دولة القانون وسيادته واستقلال القضاء، واعتبرته أنه بمثابه مذبحة جديدة للقضاء، بل قالت إنها أخطر من المذبحة التى وقعت للقضاة عام 1969، حيث إنها كانت تستهدف أشخاصا أما الآن فالهدف هو المؤسسة الدستورية بأكملها وتغيير طبيعة الهيئة دون اعتبار أن الدستور هو الذى نظمها. وأضافت الجبالى أن هذا التشكيل الذى يريدون تغييره خاض ضد دولة مبارك معارك كثيرة وأصدر أحكاما بحل البرلمان مرتين، ومع ذلك لم يجرؤ نظام مبارك المستبد أن يعصف بالتشكيل القائم، هذا التشكيل الذى يحمل وراء كل عضو فيه تاريخا طويلا. ووصفت نائب رئيس المحكمة الدستورية مشروع القانون المقدم من نائبين بحزب النور السلفى بأنه مشروع «مشبوه»، ويمثل جزءا من محاولات القضاء على كل مؤسسات الدولة من جانب التيار الدينى وإعاده هيكلة هذه المؤسسات، بما يخدم مصالحهم وأهدافهم، ودللت على ذلك بأن النص الذى وضعوه فى مشروع القانون والذى يتحدث عن إعادة تشكيل المحكمة يتضمن أشخاصا بعينهم، كأن يضم التشكيل رئيس محكمة استئناف قنا، وتساءلت الجبالى «اشمعنى رئيس محكمة قنا؟» وكأنه يتم اختيار شخصيات بعينها فى تشكيل المحكمة الدستورية. وتابعت الجبالى: البرلمان يريد افتعال أزمة مع المحكمة، بل ما يتم هو محاولة لإرهاب المحكمة وأعضائها وعرقلة المؤسسة الدستورية عن أداء دورها وكأنهم يقولون «يا تحكموا على هوانا يا إما نخلعكو» . وشددت الجبالى على أن التيار الدينى يريد أن يهدم مؤسسات الدولة بالكامل ثم يبنيها بما يخدم مصالحه، وهذا لم يتضح فقط فى رغبتهم فى القضاء على المحكمة الدستورية وحسب، بل حاولوا ذلك من خلال مشروع القضاء الموحد -دمج مجلس الدولة فى الهيئات القضائية الأخرى- وكذلك مشروع قانون الأزهر، واتهمت الجبالى البرلمان بأنه يمارس الآن الانحراف التشريعى فى أوضح صوره، فهو يريد أن يجعل من أحكام المحكمة الدستورية مجرد رأى استشارى غير ملزم، وأن يتخلص من الرقابة الدستورية على القوانين بعد إصدارها. وأوضحت الجبالى أن ما يدلل على كلامها من أن البرلمان يمارس الآن الانحراف التشريعى، هو ما ينص عليه جزء من التعديلات المقترحة فى مشروع القانون، والذى يتضح من هذا الجزء لماذا يريدون السيطرة على المحكمة الدستورية، حيث يقول النص «وقف تنفيذ حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية أى نص قانونى يترتب عليه حل مجلسى الشعب والشورى والمجالس المحليه إلا بعد انتهاء مدتها»، وعلقت الجبالى بأن البرلمان يريد أن يحصن هذه المجالس ضد أى أحكام تنال من دستوريتها. وقال المستشار ماهر سامى، نائب رئيس المحكمة الدستورية، ل«التحرير» إن ما يتم تصويره على أنه لتحقيق استقلال المحكمة ما هو إلا رغبة فى استئناس تلك المحكمة وتحويلها إلى مجرد هيئة تابعة للبرلمان، ولا يلتزم بأى حكم من أحكامها إلا بموافقة أغلبيته. وأكد أن معنى هذا أن البرلمان يعيد مبدأ «سيد قراره» حتى على المحكمة الدستورية نفسها، فمن غير المقبول تطبيق نص يدمر دولة القانون بالقول إن الرقابة السابقة على القوانين للمحكمة الدستورية، لكنه فى حالة الحكم بعدم دستورية نص قانونى، فمن حق البرلمان وقف تنفيذ حكم المحكمة بموافقة أغلبيته. وتساءل أيضا: «كيف نقبل أن يكون قرار حل البرلمان فى حال عدم دستوريته فى يد البرلمان نفسه؟.. وفقا للنص المقترح فى هذا المشروع والذى يقول إنه فى حال الحكم بعدم دستورية نص قانونى يترتب عليه حل أحد المجالس النيابية أو المحلية المنتخبة، فلا يتم الحل إلا بعد انتهاء دورة المجلس». وعما يقترحه المشروع من عدم تعيين رئيس الجمهورية لرئيس المحكمة الدستورية فقال سامى إن من وضع هذا المشروع لم يقرأ قانون المحكمة الدستورية الحالى المعدل فى يونيو 2011، الذى تصدت له الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية بنفسها، وينص على أن رئيس المحكمة يتم تعيينه بقرار من رئيس الجمهورية من بين أقدم 3 نواب لها وبعد موافقة الجمعية العمومية عليه، أى أن المحكمة الدستورية هنا أكثر استقلالا من أى هيئة قضائية أخرى، لأن الهيئات الأخرى يتم تعيين رؤسائها من بين أقدم نوابها دون شرط موافقتها على من يتم اختياره. وأوضح أن هذا التعديل المراد إدخاله على قانون المحكمة الدستورية هو استهداف للمحكمة، ووراءه أغراض ومصالح شخصية وليس من أجل الدولة، كما يتم الترويج له من قبل مقترحيه، وطالب اللجنة التشريعية بمجلس الشعب بعدم تمرير هذا المشروع قبل عرضه على المحكمة الدستورية حسب ما ينص عليه قانونها. «هذا تفكير كارثى ولا يمكن تصور أن يشرع البرلمان القوانين بناء على خصومات سياسية متوهمة»، هكذا علق الدكتور جابر جاد نصار، أستاذ القانون الدستورى بجامعة القاهرة، على مشروع القانون المقدم فى البرلمان لتعديل قانون المحكمة الدستورية العليا، وقال إن البرلمان يتصور أن هناك خصومة بينه وبين المحكمة، لذلك يريدون القضاء عليها من خلال ذلك المشروع. وأكد نصار أن هذا المشروع ما كان يجرؤ مبارك ونظامه على التقدم به أو حتى مجرد التفكير فيه، حيث إنه أمر كارثى، إذا اختلف البرلمان مع مؤسسة دستورية فإنه يعيد تشكيلها، ووصف نصار المشروع بأنه مذبحة قضائية جديدة تذكرنا بتلك التى وقعت عام 1969، وقال إن من فكر فى هذا القانون هو شخص آثم يتلاعب بمقدرات الشعب ومؤسساته المستقلة، فلا يمكن أن يصل التفكير إلى حد تحطيم مؤسسة مثل المحكمة الدستورية نثق فيها ونحترمها. وأشار أستاذ القانون الدستورى إلى أن التعديلات تتضمن نصا خطيرا يكشف بصورة فاضحة هذا التعديل والخاص بإعادة تشكيل المحكمة، وكأنهم يختارون أشخاصا محددين للمحكمة، وأيضا النص الذى يقول إذا وافق البرلمان بأغلبية 3\4 على القانون فإنه يكون محصنا من الرقابة القضائية عليه، وهذا أمر كارثى يؤدى إلى استبداد البرلمان ويخلق منه «فراعين» جددا. وفى أول رد فعل سريع على رفض المحكمة الدستورية مشروع القانون المقدم بإعادة تشكيل المحكمة الدستورية قال النائب حسن أبو العزم والذى قدم مشروع القانون لإعادة تشكيل المحكمة الدستورية، إن البرلمان دوره الرئيسى تشريعى ومن حقه إصدار بعض القوانين التى يراها فى صالح الشعب المصرى، مشيرا إلى أن رفض المحكمة الدستورية العليا مشروع القانون لا يعنى خضوع البرلمان لتعليماته، مضيفا أن لجنة الاقتراحات والشكاوى قد وافقت على تعديل القانون وعدم موافقة المحكمة الدستورية لا يعنى البرلمان فى أى شىء. أبو العزم أكد فى حديثه ل«التحرير» أن الآراء التى تؤكد أن مشروع القانون غير دستورى تعبر عن آراء فارغة، خصوصا أن دور البرلمان تشريعى، ولا يجوز الحجر على رأيه حينما يصدر بعض التشريعات، موضحا أن الدستور حينما يصدر سوف يقر كل القوانين التى أقرها البرلمان الحالى. بينما كشف الدكتور عصام العريان أن المحكمة الدستورية ليس لها الحق أن ترفض مشروع القانون لإعادة تشكيل المحكمة الدستورية، وأن ما يقوم به البرلمان من إجراءات على بعض تعديل مواد أى قانون واجب من حق البرلمان لأن دوره تشريعى. العريان قال فى حديثه ل«التحرير» إن المحكمة الدستورية يجب أن لا تعلق على مشروع القانون إلا بعد عرضه عليهم، موضحا أنه سوف يتم عقد جلسات استماع حول تعديل إعادة تشكيل المحكمة الدستورية، وذلك بحضور ممثلين من المحكمة الدستورية للتشاور حول القانون الجديد، موضحا أنه فى حالة رفض المحكمة الدستورية القانون من حقهم تقديم طعن عليه. العريان أكد أن إصدار البرلمان القانون أمر تشريعى، ومن اختصاص البرلمان لا كما يدعى البعض أن الموافقة على تشكيل إعادة المحكمة الدستورية غير دستورى. وكان النائبان عن حزب النور السلفى حسن أبو العزم ومحمد جعفر قد قدما مشروع قانون بتعديل قانون المحكمة الدستورية ووافقت عليه لجنة الاقتراحات والشكاوى، وجاء فى مشروع القانون الذى تقدم به أبو العزم النص على إعادة تشكيل المحكمة الدستورية العليا لتضم فى عضويتها أقدم نائبين لرئيس محكمة النقض من غير أعضاء مجلس القضاء الأعلى، وأقدم رئيسى استئناف تاليين لرئيس محكمة استئناف قنا، وأقدم نائبين لرئيس مجلس الدولة من غير أعضاء المجلس الخاص، وأحدث رئيسى استئناف، وأحدث نائبين لرئيس محكمة النقض، وأقدم نائبى رئيس الاستئناف، وأقدم نائبين لرئيس المحكمة الدستورية العليا. وتنص المادة الخامسة من القانون على أن يتولى رئاسة المحكمة الدستورية بعد إعادة تشكيلها أول مرة رئيس محكمة النقض، على أن يتم اختيار رئيس المحكمة الدستورية، بعد ذلك من أقدم ثلاثة قضاة بها. أما مشروع القانون الذى تقدم به النائب محمد جعفر فيدعو إلى انتخاب رئيس المحكمة الدستورية من بين أعضائها عن طريق الاقتراع السرى، وأنه يجب أن يكون ثلثا أعضاء المحكمة على الأقل من بين أعضاء الهيئات القضائية. ونصت المادة السابعة من مشروع قانون جعفر، على أنه تتولى المحكمة الدستورية إبداء الرأى فى مشروعات القوانين قبل إصدارها، سواء كانت تلك القوانين عادية أو مكملة للدستور على أن يكون رأيها غير ملزم. كما تضمن مشروع القانون أنه إذا قضت المحكمة الدستورية بحل البرلمان، فإن الحكم لا ينفذ إلا بعد انتهاء مدة البرلمان.