د. محمد السعدنى ألا تري معي أن مصر بعد ثورتنا العظيمة قد حولها غباء الإعلام وانتهازية الساسة إلي مسرح اللامعقول والفوضي، فبدا النيل العظيم بحيرة آسنة تطفوا علي سطحه أسماك ميتة تشغلنا بأسئلة الإدانة والإهانة والتخلف والطمع عن أسئلة العدالة والتقدم والمصير.؟ إن أسئلة الوجود حولنا كثيرة وقديمة وأبدية والطبيعة حولنا كتاب مفتوح نادراً ما يستهوينا للقراءة والتدبر والتفكير. ولقد تعودنا جميعاً أن نمر علي ظواهر الكون والأشياء فلا نعبأ بها ولا نتفكر كيف لهذا العالم المادي حولنا أن يستمر ويعمل ويتجدد. نحن نري الأشياء لا بعيوننا وعقولنا وإنما بصور ذهنية كوناها بحكم العادة والتكرار فأصبحنا من خبراتنا وتجاربنا نعلم أنه يمكن لورق الشجر والخشب والفحم والزيت أن يشتعل في الهواء بينما ذلك لا يحدث مع حبات الرمال أو مكعبات الثلج. واعتدنا أن نري أمواج البحر في مد وجذر بينما هذا لا يحدث في النهر، ورأينا عشرات المرات كيف تمزق الجسم الصلب للسفينة "تايتانيك" عند إصطدامها بجبل الثلج وإذا بها تغرق، ولم نتساءل ولماذا لم يحدث العكس فيلتئم جسم السفينة الصلب تحت المياة وتطفو من جديد. ألم تسأل نفسك مرة لماذا مكتوب علي كل الكائنات الحية أن تموت يوماً ما؟ وغيرها أسئلة كثيرة ربما دارت في أذهان العلماء ولم يخطر علي بالك يوماً أن تعيرها اهتمامك وأن تفهم لماذا تسقط التفاحة من الشجرة ولا يحدث العكس، ولم تسأل نفسك لماذا يشيب الولدان ويموتون، وكيف نشعر بمرور الزمن ووقع أقدامه علي أجسادنا وجوارحنا والحياة حولنا دون أن نراه أو نلمسه. إنها قوانين الحياة والطبيعة يا عزيزي وأنت تشاهدها آلاف المرات دون أن تقترب من معانيها ودلالاتها. هناك من قوانين الطبيعة ماهو محتوم علينا طاعته حتي يمكننا أن نعيش، ومنها ما يتوجب علينا مقاومته حتي تستمر بنا الحياة. وعليك أن تعرف أنه ليس هناك واحدة من المتراكبات الكيميائية في أجسادنا أو الداخلة في تكوين الأشياء التي نحبها ونألفها حولنا، يمكنها أن تبقي وأن تستمر حتي ولو جزء من الثانية ما لم يمكنها مقاومة القانون الثاني للديناميكا الحرارية وإعاقة قابليته ورغبته في التحقق والحدوث. القانون الثاني للديناميكا الحرارية " الثرموديناميكس" هو سر الأسرار الذي أكتشفه العلماء وقننوا له في منتصف القرن التاسع عشر، منهم كلفن وجول وكارنوت وغيرهم. إنه القانون الذي يفسر معظم هذه الظواهر، ليس هذا فحسب وإنما يمكنه أيضاً أن يفسر مفاهيم استقرت في وجدان الناس وأذهانهم عن الإقتصاد والإجتماع والسياسة أيضاً. القانون الثاني ليس مجرد فكرة علمية غريبة وإنما هو معني بتفسير كثير من الظواهر وكل ما تقع عليه عيوننا وأبصارنا، وربما لاتدركه بصائرنا وأفهامنا. فإذا كان القانون الأول للديناميكا الحرارية هو قانون بقاء الطاقة، ذلك أن الطاقة لا تفني ولا تستحدث من عدم، هي فقط يمكنها أن تتحول من صورة إلي أخري، وأنت تري ذلك كل يوم إذ يحول دينامو سيارتك طاقة الحركة إلي كهرباء، بينما يحول الموتور طاقة الإحتراق داخله إلي حركة، وهكذا .. أما القانون الثاني فهو يشير إلي أن الطاقة تميل تلقائياً لتنساب من حيث هي مركزة إلي أن تتسرب وتتوزع في كل الأنحاء التي يمكنها الوصول إليها، وكأنها تفتح باباً للتدفق والإنتشار والمشاركة وعدالة التوزيع واللامركزية. ذلك القانون هو ما يقيس معدلات الفوضي في النظام وفاقد الطاقة الذي يسمي معامل "الإنتروبيا"، وبمعني بسيط إذا كانت طاقة أي نظام فيزيائي أو هندسي أو حتي بيولوجي هي H فإن الجزء الأكبر من هذه الطاقة G هو القادر علي إحداث تغيير أو تأثير أو تفاعل، والجزء الآخر المتناهي الصغر S هو الذي ينتشر تلقائياً، إنه معامل التسرب وهو مقياس الخلل والفوضي في ذلك النظام، إنه معامل الإنتروبيا، وإذا ما زاد تحول النظام إلي فعل عشوائي أو فوضي تهدد كيان النظام سواء في الخلية أوالمجتمع والدولة وتشعرنا بوطأة مرور الزمن وحتم النهاية. من هنا يأتي الخوف من المتغيرات المناخية والإحتباس الحراري وزيادة حرارة كوكب الأرض، لأن في ذلك مؤشر علي زيادة الإنتروبيا والعشوائية وربما نهاية الحياة. يزداد معامل الإنتروبيا أيضاً بزيادة حرارة التفاعلات وهذا ما نشاهده ونرصده في حياتنا السياسية، حيث تتحول الإنتروبيا إلي ألعاب صبيانية تعيق النهوض وتجهض آمال وطموحات الناس. إن طاقات المجتمع السياسية التي تركز علي الشكل أكثر من تركيزها علي المضمون والتي تعيد ترتيب أولوياتنا الوطنية طبقاً لطموحات وانتهازية جماعات التخلف والرجعية وصراعها علي السلطة، فتشغل الناس بصغائر الأمور وتلهيها عن كبارها وتحول قضايا المستقبل والمصير والتقدم العلمي والتنمية الإقتصادية والحضارية رهناً لإنتخابات رئاسية أوبرلمانية، ما هي إلا تكبير لمعاملات الإنتروبيا علي حساب طاقات الإنتاج والتفاعل البناء والتقدم والنهضة. إلي هنا أحسبك قد عرفت الآن لماذا تموت الكائنات ومتي؟ ذلك عندما تتحول طاقتها الكلية والنوعية والإيجابية إلي المكون الأصغر "معامل الإنتروبيا" الذي يتزايد حتي يبتلع الحياة والتدفق والتراتب والنظام. وهكذا يفسر لنا العلم خطورة الإنتروبيا التي تهدد حياتنا العامة في التعليم والإقتصاد والثقافة والاجتماع والسياسة. ولعلك قد فهمت الآن لماذا الأسماك الميتة وحدها يجرفها التيار وتتصدر المشهد؟ ولماذا يبدو الحمقي واثقين من كل شئ لايداخلهم شك؟ من مقالات "في الفكر والسياسة" 2011.