مصطفى عبدالله في الوقت الذي ألغينا فيه حصة الخط العربي من مدارسنا، ونسينا شكل كراس الخط، واغتربنا داخل لغتنا، وفرطنا في هويتنا وثقافتنا العربية الفريدة. فوجئنا بهؤلاء المستعربين والمستشرقين والأجانب المفتونين بالخط العربي من مختلف بقاع الأرض يتوافدون، مع كبار خطاطينا وشبابهم، علي ساحة الخط في قلب إمارة الشارقة ليتسابقوا في عرض منجزهم المثير للجدل واللافت للانتباه في مجال إبداع الخط العربي أو دراسته أو التأريخ له سواء أكان منحوتاً علي الحجر كما رأينا في حالة المستعرب الإسباني خوسيه ميخيل بويرتا فِلشز.. الغرناطي الذي أهدي الساحة كتاباً بخمس لغات، وفيلماً عبقرياً حول الخطوط والنقوش العربية، والآيات القرآنية وأبيات الشعر التي تزين قصر الحمراء الذي يقصد الأندلس سنوياً لزيارته ما يربو علي ثلاثة ملايين سائح، أو الدكتور خالد أرن، المدير العام لمنظمة أرسيكا للفنون الإسلامية في تركيا، ومواطنيه: الخطاط حسين كوتلو، آدم صقال، وحسن موسي الخطاط، والتشكيلي السوداني القادم من جنوبفرنسا، وإيبون هيث من أمريكا، و"للا السعيدي" الفنانة المغربية المقيمة في الولاياتالمتحدة، ومواطنيها: بشير آمال، الحسين ميموني، ونور الدين ضيف الله، والخطاط الجزائري الكبير محمد سعيد شريفي، الذي نسخ القرآن الكريم عدة مرات، واليمني الدكتور عمر عبدالعزيز، واللبناني الدكتور جمال نجا، والعراقي ثائر الأطرقجي، والفلسطينيان: الدكتور عبدالكريم السيد، وعبدالله العزه، والدكتور عبدالله عطار من السعودية، والدكتور غازي أنعيم من الأردن. ومن مصر جاء مبدعون لهم باع طويل في الفن والنسخ كرمهم الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة في افتتاح الدورة الخامسة لهذا البينالي، يأتي في مقدمتهم الخطاط الكبير محمد حمام الذي ألزمه تقدم السن الجلوس علي مقعد متحرك، فبادر الحاكم بالتقدم إليه، وهنأه وطبع قبلتين علي وجهه وهو يقول: واحدة تقديراً لعطائك والثانية أهديها إلي مصر، وكذا الخطاط الكبير محمود إبراهيم، والفنانون : د.السيد القماش، الاستاذ بكلية الفنون الجميلة بالمنيا، ود. أشرف أيوب المقيم منذ فترة في بودابست، والفنان أحمد عبدالعزيز، ومروة عادل ذات الثمانية وعشرين عامًاً التي ظفرت بمعرض فردي ومحمد حسن من مكتبة الاسكندرية. وقد استهل البينالي أنشطته بندوة دولية ناقشت العديد من القضايا المتصلة بكونية فن الخط العربي واستلهامه في اللوحة التشكيلية، ونجح الباحث والمبدع المصري محمد مهدي حميدة الذي اسندت اليه مهمة إعداد هذه الندوة، في تسيير أعمالها كما أدار إحدي جلساتها، وكذا شارك ببحث حول"صورة الحرف .. من القولبة إلي التجاوز" ، في حين أدار باقي الجلسات : حسن موسي ، د. السيد القماش، ود. عبدالكريم السيد. وفي افتتاح هذه الندوة بمتحف الشارقة للفنون الإسلامية يذكر هشام المظلوم، المنسق العام للبينالي أن الحرف العربي بهيبته الراسخة وتحرره اللانمطي استطاع أن يجد السبل الجمة للولوج إلي حيز التشكيل انطلاقاً من اللوحة المسندية، وصولاً إلي فنون الصورة الضوئية والمتحركة ببعديها، وهو ما خلق علاقات متلاحقة فيما بين الحرف والتشكيل، يمكن نعتها، في أبعاد منها، بالكونية.. الحرف بما يختزنه في هيئته من طاقات بصرية، والتشكيل بما يتيحه من تنوع تقني وأسلوبي يفسح أمام المشتغلين مساحات مشرعة للممارسة والتجريب والإنتاج الفني الذي دعم ركائزه عبر الخبرات الرائدة والإعمال المتلمس للفكر البحثي القادر، في قسم غير قليل منه، علي التجديد والتجاوز بما يرقي بالنتاج التشكيلي المرتبط بتوظيف واستلهام الحرف المفرد أو ذلك المجموع منه في كلمة ونص إلي العالمية بالمعني الأقرب، والكونية بمعناها الفلسفي الشامل. ولذا فإن طرح موضوع "كونية الحرف" علي مائدة البحث العلمي والممارسة التنظيرية إنما يأتي مواكباً لأهداف الملتقي في دعم تلك النوعية من التواشج الحادث بين إنتاج الفنون وما يرتبط بها من علوم تحليلية وتكشفات فلسفية وإسهامات نظرية قادرة علي التوثيق والرصد والقراءة والتفسير والنقد والتنظير ومن ثم تقديم معادل فكري له موقعه الدال والمكمل للصورة الإبداعية بأطرافها المتممة.