خيرني عز الدين باش شاوش، أول وزير ثقافة تونسي بعد ثورة 14 يناير، بين مجموعة أسطوانات لتسجيلات موسيقي تقليدية ولوحات للخط العربي مستنسخة من كنوز متحف رقادة الشهير في القيروان.. فتذكرت البياتي واخترت الخط. فعلي الهاتف كنت أتحدث، قبل نحو عشرين عامًا، إلي صديقي الشاعر العراقي الكبير عبدالوهاب البياتي- أثناء وجوده في منفاه بمدريد- أسأله عما يحتاج إليه لأحضره معي من القاهرة، فرد قائلاً: "لوحة صغيرة تحمل شيئاً من الخط العربي". لذا يمكنك "عزيزي القارئ" أن تتخيل مدي سعادتي عندما اتصلت بي الصديقة عائشة العاجل من الشارقة، وأنا في الكويت أتابع الندوة السنوية لمجلة "العربي"، لتبلغني بنبأ اختياري للمشاركة في بينالي الشارقة الخامس للخط العربي الذي يستهل أعماله الليلة تحت رعاية الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، عضو المجلس الأعلي للاتحاد، تحت عنوان دال كبير هو "كَون" في إشارة إلي أن التجربة الثرية للفنان العربي تجعل من الحرف كوناً في حد ذاته، تنبثق منه معاني الوجود الظاهرة، والخفية، ويصنع منه مرآة تنعكس علي صفحتها تجليات بصرية مكتنزة بوهج معرفي وآفاق نور لا حدود له. اقترحت أن تكون مشاركتي حول "كنوز الخط العربي في القيروان" عندما وجهت إليّ عائشة السقطري، نائب المنسق العام للملتقي، الدعوة ووضعت أمامي محاوره: الاتجاهات الخطية الحديثة التي تتضمن التجارب الجديدة ومختلف فنون الصورة الخطية كالحروفيات بأنواعها وسبل معالجاتها، والتيار الأصيل الذي يقصد به مختلف الأنواع التقليدية للخطوط العربية ذات القاعدة، وأيضا الفنون التي تستلهم الحرف: الحفر، الليتوجراف، والسيروجراف، والطباعة الرقمية، وكذا: الخزف، والنحت، والطباعة، ووسائط التصميم، ومختلف فنون الصوت والصورة والتراكيب الفراغية. يصر هشام المظلوم، مدير إدارة الفنون بدائرة الثقافة والإعلام، باعتباره المنسق العام للملتقي، علي أن تحقيق أهداف هذا البينالي الذي يحتفي بفن الخط العربي والحفاظ عليه باعتباره تراثاً إنسانياً جمالياً، والتعريف به نظرياً وعملياً، بتفرعاته ومدارسه ومذاهبه، وكذا تفعيل الدراسات والبحوث النظرية المتصلة بفن الخط العربي، وتنمية التذوق الجمالي وتعميقه لدي المتلقي وربط معارف الأجيال تربوياً وإبداعياً، فضلاً عن الإسهام في بناء وتوضيح الصورة الحضارية لفنوننا العربية والإسلامية، والعمل علي نشرها، وتكريم مبدعيها في إطار الحوار الإنساني، مع عدم إغفال التجارب الخطية الأخري علي المستوي الدولي. هدف متعدد الأغراض يأتي بأسماء مهمة في لجنة فحص الإنتاج المقدم للعرض: إسرافيل شيرجي (إيران)، ومحمد علان (الأردن) وصباح الأربيلي، ووسام شوكت (العراق)، وخالد الساعي (سوريا)، فضلاً عن المقررين: عائشة السقطري (الإمارات) ومصعب شامل (العراق) وقد أجازت 332 عملاً للمشاركة في المعرض العام الذي يخصص مجموعة من الجوائز: ثلاث جوائز في مجال التيار الأصيل قيمة كل منها (6000) دولار، وجائزتان في مجال الاتجاهات الخطية الحديثة قيمة كل منهما (6000) دولار، وجائزتان في مجال الفنون التي تستلهم الحرف قيمة كل منهما (6000) دولار، فضلاً عن جائزة لعمل متميز تختاره لجنة التحكيم وقيمتها (6000) دولار، ويبلغ عدد الأعمال التي تعرض في رحاب المعرض العام والمعارض الفردية ومجموعة المعارض الجماعية داخل الشارقة وفي مدن المنطقتين الوسطي والشرقية ألف عمل، وقد تم اختيارها وفقاً لمجموعة من الأسس والمعايير التي تضمن انتقاء أفضل الأعمال، مع استبعاد غير المتوافقة مع شروط الملتقي، أو المقلدة، وكذا الأعمال الكلاسيكية التي وردت فيها أخطاء إملائية أو عبارات منافية للأعراف والذوق العام. بقي أن أقول إن مصر تحضر في هذا البينالي من خلال معرض فنانتنا مروة عادل الذي يفتتح في السابعة من مساء الغد بمتحف الشارقة للفنون وذلك في إطار النشاط الدولي لهذا البينالي، وكذا ندوة بعنوان "ديوان الخط العربي في مصر في عصر أسرة محمد علي" التي يشهدها رواق الشارقة للفنون في الثامنة والنصف من مساء الغد ويتحدث فيها فنان الخط الباحث محمد حسن.