»مصر هبة النيل« حقيقة اكدها المؤرخ هيرودوت واثبتتها وقائع التاريخ علي مدي آلاف السنين. ولمزيد من التوثيق فانه يمكن ان نضيف إلي هذه الحقيقة ان النيل هبة من الله لمصر وبالتالي فان احدا لا يملك ولا يستطيع الاقدام علي حرمانها مما افاض المولي عز وجل عليها. لاجدال ان مياه النهر العظيم تمثل شريان الحياة لمصر لما تقوم به من سد احتياجات الزراعة ومتطلبات حياة الانسان المصري الذي اثري الحضارة الانسانية بالكثير من مقوماتها.. ولكن من ناحية اخري فاننا وللاسف لم ننجح خاصة في عصورنا الحديثة في تحقيق الاستثمار الامثل لهذا الكنز الهائل التي كتب له الله ان ينساب في اراضينا من الجنوب إلي الشمال. لابد أن نعترف بالقصور في استخدام مياه نهر الدين وبالاخص في الاستجابة لمتطلبات التوسع الزراعي بالاخذ بتكنلوجيا الري الحديثة والتي يمكن أن توفر 57٪ من فائدة الري بالطرق القديمة بالاضافة إلي صيانة الارض الزراعية خاصة في الدلتا من »التطبيل« . في هذا المجال أيضا فإنه يمكن أن يكون مجري النيل وسيلة للانتقال ونقل البضائع كما كان يفعل اجدادنا في الأزمان السابقة وهو مايمكن أن يؤدي باستخدام الاساطيل الحديثة إلي تخفيض تكلفة النقل .. ورغم محاولة التحرك في هذا الاتجاه الا ان مازال تقدمنا يتسم بالعجز وسوء التقدير والتقييم.. ان المسئولين عن ادارة شئون هذا البلد وفي نفس الوقت الذي يشكون فيه من ارتفاع الانفاق وانخفاض الموارد نجدهم يسمحون بتسرب مئات الملايين من الجنيهات في عمليات نقل البضائع بين مدننا.. كان من الممكن توفير الجانب الاكبر من هذه الاموال لو أننا لجأنا الي نقلها بوسائل النقل النهري استثمارا للنيل العظيم. بالطبع فإن مثل هذه الخطوة تحتاج إلي عقول واعية وخبرة وفكر اقتصادي متجدد ومستثمرين من غير فئة اخطف واجري المتوافرين حاليا. كان لابد من ان يكون هناك جهاز قومي نضع تحت امره كل الامكانات وقادر علي الاستعانة بالخبرة الاجنبية لاقامة العديد من المشروعات التنموية العملاقة للنقل النهري.. كان بمقدورنا الاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال خاصة الدول الاوروبية التي استخدمت انهار الراين والماين والسين والدانوب والتيمز وغيرها من الانهار الكثيرة والعابرة لحدود الدول الاوروبية. تبني مثل هذه المشروعات يحتاج إلي عمليات تطهير وتعميق لبعض مناطق مجري النهر وتحديد مسارات الابحار وتزويدها بمعدات الارشاد الحديثة التي توفر المساعدة والامان. واذا كانت السياحة النهرية الفندقية قد شهدت انطلاقات ناجحة إلا ان ذلك لا يمنع من الاشارة إلي المشاكل الكثيرة التي تواجهها وفي مقدمتها ما تتعرض له المراكب السياحية من اخطار نتيجة عمليات »الشحط« وعدم العناية أو الاهتمام بتوفير وسائل الانقاذ واطفاء الحرائق علي طول مسار رحلاتها. من ناحية اخري فانه من الضروري الاشارة إلي فشلنا علي مدي سنوات طويلة في اعداد الموانيء المجهزة لرسو هذه المراكب وتقديم الخدمات اللازمة لها. ان الحديث لا يتوقف منذ سنوات طويلة عن مشروعات في هذا المجال ولكن وحتي الان مازالت تتعثر ولا تجد من يأخذ بيدها لتظهر الي الحياة. ولا يقتصر الامر علي ذلك وانما هناك ايضا الاجراءات التي تؤثر علي اقتصاديات الاستثمار السياحي للنقل النهري والذي يمكن ان يكون موردا ضخما للاقتصاد الوطني. يتمثل ذلك في وقف الرحلات السياحية الطويلة منذ عدة سنوات. كان هذا القرار قد اتخذ مع بداية التسعينات بعد الاعمال الارهابية التي استهدفت بعض هذه الرحلات وهو ما كان سببا في حرمان مئات الألوف من ابناء مناطق الجنوب من لقمة عيش شريفة وفرص عمل كثيرة.. لابد من التجاوب مع ازدياد الوعي بالاهمية التي تمثلها السياحة في مواجهة البطالة وانخفاض مستوي المعيشة في المدن والقري التي تقع في مسار الرحلات النيلية السياحية الطويلة والتي كان يتم تسييرها بين القاهرة والاقصر واسوان.. لقد حان الوقت لإعادة النظر في قرار حظر هذه الرحلات.. حيث من المؤكد ان استئنافها يعد عنصرا مهماً لجذب نوعيات كثيرة من السياح العاشقين والمبهورين برومانسية وجمال هذه الرحلات وما تزخر به من فرص لمشاهدة معالم اثرية كثيرة ومبهرة. اعتقد انه وبعد تعاظم جهود الدولة لرفع معدلات التنمية في محافظات الصعيد ان المناخ اصبح مهيأ تماما لاتخاذ قرار استئناف هذه الرحلات وهو ما يعد اضافة ايجابية كبيرة للسياحة.. صناعة الامل في مصر.