من حق مافيا نهب أراضي الدولة أن تشعر بالقلق، فالقصة أصبحت عنوانا للفساد، والفساد أصبح العائق الأكبر أمام أي تنمية حقيقية أو إصلاح جاد، والقضية لم تعد مجرد حكايات تتندر بها الصحف أو فضائح ينكشف القليل منها فيثير الذهول من جرأة الفساد والمفسدين، وإنما القضية أصبحت ان هذا الفساد »ونهب الأرض أحد عناوينه العريضة« قد أصبح خطرا علي كيان الدولة بأكمله. من حق مافيا نهب أراضي الدولة أن تشعر بالقلق من قرار رئيس الدولة بشأن قرية آمون.. ليس فقط لأنه فتح ملف علاقة المال بالسلطة، وليس فقط لانه كشف صفقة فاسدة قد لا تكون قيمتها المادية كبيرة بالنسبة لأصحابها، ولكن خطرها -بالنسبة لهم- يأتي من أن تكون بداية لمنهج جديد في التعامل معهم، خاصة انها تشير إلي أن الصفقة حين تطرح من جديد لن تكون علي أساس بيع الأرض ولكن فقط بحق الانتفاع ولمدة لا تزيد علي 94 سنة. وقد التقط فريق في الحكم هذه الاشارة ليعلن ان كل عمليات التصرف في أرض الدولة ينبغي ان تتم علي هذا الأساس، وبحق الانتفاع فقط، معترضا علي ما تم من تخصيص آلاف الافدنة لأشخاص بعينهم وبأسعار زهيدة لتكون مصدرا لتحقيق ثروات هائلة.. وهو تطور هام ستواجهه مافيا الأراضي بكل شراسة وبكل نفوذها الذي حققته ودوائر الفساد التي خلقتها في السنوات الماضية. وإذا كانت مخاوف مافيا الاراضي هنا تتعلق بالمستقبل إذا تم الالتزام بسياسة »حق الانتفاع« بدلا من بيع أراضي الدولة، فإن هناك تطورات اخري تثير مخاوف هذه المافيا من الحساب علي ما مضي وما فيه من تجاوزات وجرائم. فمع قضية »السليمانية« ينفتح ملف المساحات الهائلة من الاراضي التي تم الاستيلاء عليها بأسعار رمزية علي أساس استصلاحها للزراعة، فإذا بها تتحول الي منتجعات سكنية فاخرة يباع فيها المتر بآلاف الجنيهات في أرض تم نهبها بخمسين جنيها للفدان!! وهناك أيضا الحكم الذي صدر ببطلان عقد بيع اراضي مشروع »مدينتي« والذي يؤكد ان من حق الدولة ان تحصل علي أضعاف ما حصلت أوستحصل عليه ثمنا لهذه الاراضي اذا طبقت القواعد المعروفة وباعت الأرض بسعر السوق وقت التعاقد كما تفعل مع كل عباد الله الغلابة. ورغم ان الحكومة استأنفت الحكم ايمانا بأن القناعة كنز لا يفني »!!« فإن الحكم يكتسب أهمية مضاعفة لانه يتيح وضع صفقات عديدة تم فيها اهدار المال العام أمام المراجعة القضائية.. وهو خطر تعمل له مافيا الاراضي ألف حساب!! القضية واضحة، والمعركة هي بين العنوان الأكثر وضوحا للفساد، وبين مجتمع أصبح يدرك انه لا مجال للحديث عن التنمية أو التقدم أو الاصلاح إلا بضرب هذا الفساد من جذوره.. فلماذا، ولمصلحة من يجري خلط الاوراق ويحاول البعض تصوير الامر علي انه معركة بين رواد التعمير والعمران وبين القلة الحاقدة اياها التي تكره القطاع الخاص، والتي لا تري المعجزات التي حققها هؤلاء الرواد الذين مروا علي الصحرا فطرحت منتجعات فاخرة وقصورا عامرة وملاعب جولف وبحيرات صناعية، لينتهي خلط الاوراق بالسؤال الخطأ: أليس هذا العمران هو الأفضل، أم ترك الأرض كما هي.. صحراء جرداء قفراء؟! السؤال خطأ.. لانه لا أحد صادر علي حق أحد آخر في أن يبني ما يشاء من قصور ومنتجعات، وهناك مقاولون محترمون بنوا وباعوا وربحوا دون أن يسألهم أحد في شيء ما داموا يعملون في اطار القانون.. ومع الاخذ في الاعتبار انهم ليسوا المسئولين عن توفير السكن للمواطن الفقير أو محدود الدخل فهذه مسئولية الدولة، وانما هم مستثمرون يبحثون عن الربح ويجدونه في بناء هذا النوع من المساكن الفاخرة التي لها زبائنها حتي ولو كانوا قلة لا تتجاوز ال 5٪ من المجتمع. ليست هذه هي القضية، ولكن القضية ان يستولي البعض علي آلاف الافدنة بحجة اعدادها للزراعة، فتعطيها له الدولة بأسعار رمزية علي أمل زيادة الرقعة الزراعية فإذا بها تتحول الي منتجعات سكنية فاخرة!! والقضية هي ان تمنح الدولة آلاف الافدنة لمستثمر واحد دون أن يدفع جنيها واحدا، وان تتحمل نفقات توصيل المرافق للأرض.. لا لكي تساعد في بناء مساكن لمحدودي الدخل، بل لتقام مساكن فاخرة تباع فيها الشقة التي لا تزيد مساحتها علي 09 مترا بما يزيد علي نصف مليون جنيه!! والقضية هي ان الذين تخصصوا في الاستيلاء علي أراضي الدولة بأرخص الأسعار وتحقيق الثروات الهائلة من الاتجار فيها هم أنفسهم الذين تجدهم في كل مكان فيه فدان واحد يمكن الاستيلاء عليه.. نفس الاسماء ونفس الوجوه، من طريق مصر اسكندرية الي طريق الواحات، ومن أرض الساحل الشمالي »أو ما بقي منها« إلي أراضي المناطق الصناعية، ومن البحر المتوسط إلي جنوب أسوان!! والقضية هي انهم لا يكتفون بما اخذوه، فهناك -وفقا لتصريحات المسئول عن جهاز أراضي الدولة- 5.2 مليون فدان جاري الاستيلاء عليها بوضع اليد إذا لم تتحرك الدولة وتوقف هذه الجريمة. لم تكن القضية، ولن تكون هي الاختيار بين العمران وبين بقاء الأرض قفراء جرداء.. ولكنها قضية الاختيار بين أكبر عملية نهب للمال العام وبين الاستمرار في هذه الجريمة التي أصبحت العنوان الأكثر وضوحا لفساد لم يعد ممكنا السكوت عليه أو التعايش معه!! ولم تكن القضية، ولن تكون، هي العداء للقطاع الخاص.. لأن القطاع الخاص المنتج والراغب في التنمية هو ضحية أساسية لهذه الممارسات غير المشروعة التي يدفع ثمنها من سمعته ومن قدرته علي المنافسة أمام حيتان يمارسون الاحتكار ويستولون علي أراضي الدولة ثم يتركون المنتجين الحقيقيين ومعهم مشروعات معطلة لا تجد الأرض التي تقام عليها إلا عند الحيتان وبالأسعار التي يفرضونها عليهم!! والقطاع الخاص المنتج يدفع الثمن مرة اخري حين تذهب الاموال المتاحة للاستثمار لبناء المنتجعات الفاخرة أو المصايف التي لا تستخدم إلا اسابيع في السنة بدلا من ان تذهب في مشروعات صناعية حقيقية هي الباب الصحيح للتنمية، ولكن أصحابها يعانون الامرين ليجدوا الأرض في مناطق الاستثمار والتي وزعت علي المحظوظين، أو ليجدوا التمويل الذي ذهب لقصور لا يسكنها أحد!! والقطاع الخاص المنتج هو أول المستفيدين من اعلان الحرب علي الفساد، ومن مطاردة من نهبوا أرض الدولة ومن عقدوا الزواج المحرم بين المال والسلطة، ومن مرروا الصفقات المشبوهة، ومن رفض كل محاولات تبرير هذه الجرائم بدعوي أن التعمير أو العمران يمكن ان يغفر ما تقدم من فساد وما تأخر!! فالفارق كبير بين »التعمير« و»التهليب« وخلط الأوراق بينهما لن ينجح في التشويش علي معركة لابد منها ضد الفساد والمفسدين.. معركة لن تكون سهلة، ولكنها وحدها القادرة علي فتح الباب نحو الاصلاح والتنمية.. والعمران الحقيقي!! آخر كلام فازت اسبانيا بكأس العالم بعد عمل شاق ومخطط علي مدي 51 سنة. نحن بالطبع لا نطمع إلا بأن نكون موجودين فقط في كأس العالم القادمة في البرازيل فهل نبدأ التخطيط من الان، وقبل ان ينشغل الجميع بحكايات جدو، ومشكلة الحضري، ومباريات الدوري الذي نعرف الفائز به قبل أن يبدأ؟! الحمدلله.. عبرنا بخير مرحلة »أنا مش خرنج« لندخل مرحلة »شربت حجرين ع الشيشة« اخر ابداعات الغناء في زمن يباع فيه تراثنا الغنائي في صفقات مشبوهة، وتترك الساحة خالية لنجوم »خليها تاكلك«!! أخيرا.. لجأت نقابة الاطباء للقضاء لايقاف الجريمة التي تتم في محطات تليفزيونية تحت اسم العلاج بالاعشاب.. حيث يتحول الجهلة والادعياء إلي اطباء يعطون روشتات القتل علي الهواء.. الشكر للدكتور حمدي السيد ومجلس نقابة الاطباء، والأمل كبير في ان يضع القضاء نهاية لهذه المهزلة!!