شبح البطلان يهدد أول مجلس شعب منتخب بعد الثورة، ذى الأغلبية الإخوانية والسلفية. حكم المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار مجدى العجاتى، الصادر منتصف الأسبوع الجارى، والذى أحال بعض نصوص مواد قانون مجلس الشعب إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستوريتها، خصوصا ما يتعلق بطريقة تكوين المجلس (ثلث أعضائه فردى والثلثان الآخران قوائم)، قد يؤدى فى النهاية إلى حل المجلس، إذا ما تم التثبت من عدم دستورية مواد القانون، ومن ثَم التثبت أيضا من الإخلال بمبدأ المساواة والتكافؤ، تماما مثلما حدث مع برلمان 1987. «حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الخامسة (مكرر) من القانون رقم 38 لسنة 1972، فى شأن مجلس الشعب، المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986، فى ما تضمنته من النص على أن يكون لكل دائرة عضو واحد يتم انتخابه عن طريق الانتخاب الفردى، ويكون انتخاب باقى الأعضاء الممثلين للدائرة عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية».. هكذا قضت المحكمة الدستورية العليا فى جلستها المنعقدة بتاريخ 19 مايو سنة 1990، برئاسة المستشار ممدوح مصطفى حسن، رئيس المحكمة، فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 37 لسنة 9 قضائية «دستورية»، مما ترتب عليه حل مجلس الشعب المنتخب عام 1987، وهى أيضا نفس الحيثيات التى ذكرها حكم المحكمة الإدارية العليا الذى صدر الإثنين الماضى برئاسة المستشار مجدى العجاتى، فى شأن قانون انتخابات مجلس الشعب الحالى. فإذا كانت أسباب الحكمين التى استندت إليها المحكمة الدستورية العليا عام 1990، ومحكمة القضاء الإدارى عام 2012، واحدة ومتطابقة، فهل تفعلها المحكمة الدستورية العليا للمرة الثالثة فى تاريخها، وتقضى بحل مجلس الشعب الحالى، على غرار مجلسى 1984 و1987؟ محاولة الإجابة عن التساؤل السابق دفعت «التحرير» إلى نشر حيثيات حكم «الدستورية العليا» فى 19 مايو 1990، الذى أدى إلى بطلان مجلس 1987. الحكم الشهير تعود ملابساته إلى تاريخ 31 مارس 1987، حين أحالت محكمة القضاء الإدارى ملف الدعوى رقم 2516 لسنة 41 قضائية، إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية الفقرة الأولى من المادة الثالثة والمادة الخامسة «مكرر» من القانون رقم 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986، حيث كان يجرى نصهما على النحو التالى: المادة الثالثة فقرة أولى: «تقسم جمهورية مصر العربية إلى ثمان وأربعين دائرة انتخابية ويكون تحديد نطاق كل دائرة ومكوناتها، وكذلك عدد الأعضاء الممثلين لها وفقا للجدول المرافق لهذا القانون». المادة الخامسة «مكرر»: «يكون انتخاب أعضاء مجلس الشعب عن طريق الجمع فى كل دائرة انتخابية بين نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية ونظام الانتخاب الفردى، بحيث يكون لكل دائرة عضو واحد يتم انتخابه عن طريق الانتخاب الفردى ويكون انتخاب باقى الأعضاء الممثلين للدائرة عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية، ويكون لكل حزب قائمة خاصة، ولا يجوز أن تتضمن القائمة الواحدة أكثر من مرشحى حزب واحد، ويحدد لكل قائمة رمز يصدر به قرار من وزير الداخلية ويجب أن تتضمن كل قائمة عددا من المرشحين مساويا لعدد الأعضاء الممثلين للدائرة طبقا للجدول المرافق ناقصا واحدا، كما يجب أن يكون نصف المرشحين بكل قائمة حزبية على الأقل من العمال والفلاحين...» إلى آخر النص. حكم الدستورية قطع فى حيثياته ب: أن هذين النصين يقومان على أن الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القانون المشار إليه إذ قضت بتقسيم الدولة إلى ثمان وأربعين دائرة انتخابية وإذ نصت المادة الخامسة (مكرر) منه على الجمع بين نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية ونظام الانتخاب الفردى فى كل دائرة من هذه الدوائر الكبرى على اتساع مساحتها وترامى أطرافها وضخامة عدد سكانها، فإنه يستحيل على المرشح الفردى المستقل مباشرة حقه الدستورى فى الترشيح على قدم المساواة وفى منافسة انتخابية متكافئة مع مرشحى القوائم المنتمين إلى أحزاب سياسية تساندهم بإمكانياتها المادية والبشرية التى تعجز عنها طاقة الفرد، كما أنه لم يراع فى تقسيم الدوائر الانتخابية مبدأ المساواة التقريبية بين عدد الناخبين الذين يمثلهم النائب فى كل دائرة مما يترتب عليه اختلاف الوزن النسبى لصوت الناخب من دائرة إلى أخرى، فضلا عن التمييز بين المرشحين حسب انتماءاتهم السياسية، حيث حدد القانون لنظام الانتخاب الفردى فى جميع الدوائر الانتخابية ثمانية وأربعين مقعدا نيابيا بواقع مقعد واحد فى كل دائرة انتخابية يتنافس عليه المرشحون المستقلون مع غيرهم من أعضاء الأحزاب السياسية، بينما ترك لمرشحى القوائم الحزبية على مستوى الجمهورية باقى المقاعد النيابية التى يبلغ عددها أربعمئة مقعد، وكل ذلك يؤدى إلى المساس بحق الترشيح والإخلال بمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة بالمخالفة للمواد 8، و40، و62 من الدستور. وحيث إن الدستور، حسب ما جاء فى الحيثيات، إذ كفل -فى المادة 62 منه- للمواطن حق الترشيح غير مقيد بالانتماء الحزبى، وقرر فى المادة 40 منه المساواة بين المواطنين فى الحقوق العامة، ومنها حق الترشيح، وحظر التمييز بينهم فيها بسبب اختلاف الآراء السياسية، فإن مؤدَّى هذه النصوص مترابطة ومتكاملة، أن المواطنين المستوفين لشروط الترشيح لعضوية مجلس الشعب يُعتبرون، بالنسبة إلى حق الترشيح، فى مراكز قانونية متماثلة بصرف النظر عن انتماءاتهم الحزبية. وحيث إنه لما كان مؤدَّى نص الفقرة الأولى من المادة الثالثة والمادة الخامسة (مكرر) -متضامنين- من القانون رقم 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986، أن المشرِّع قد نص على تقسيم الجمهورية إلى ثمان وأربعين دائرة انتخابية وجعل انتخاب أعضاء مجلس الشعب عن طريق الجمع فى كل دائرة انتخابية بين نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية ونظام الانتخاب الفردى، وإذ حدد لكل دائرة انتخابية عددا من المقاعد النيابية خص بها مرشحى الأحزاب السياسية عدا مقعدا واحدا خصصه لنظام الانتخاب الفردى وجعله مجالا للمنافسة الانتخابية بين المرشحين من أعضاء الأحزاب السياسية والمرشحين المستقلين عن هذه الأحزاب.. يكون القانون قد خالف الدستور من عدة وجوه، إذ خص مرشحى القوائم الحزبية فى كل دائرة انتخابية بعدد من المقاعد النيابية يصل فى بعضها إلى ثلاثة عشر مقعدا بينما حدد لنظام الانتخاب الفردى مقعدا واحدا ولم يجعله حتى مقصورا على المرشحين المستقلين عن الأحزاب السياسية، بل تركه مجالا مباحا للمنافسة بين هؤلاء المرشحين وغيرهم من أعضاء الأحزاب السياسية فميز القانونُ بذلك بين فئتين من المواطنين، إذ خص المرشحين بالقوائم الحزبية بعدد من المقاعد النيابية تصل فى جملتها على مستوى الجمهورية إلى ما يقرب من تسعة أعشار المقاعد النيابية فى مجلس الشعب، بينما هبط بعدد المقاعد المتاحة للمرشحين المستقلين غير المنتمين إلى أحزاب سياسية -يفرض فوزهم بها- إلى عُشر إجمالى المقاعد النيابية بزيادة طفيفة لما كان ذلك. كما جاء فى الحيثيات أيضا: وإذا كانت انتخابات مجلس الشعب قد أُجريت بناء على نص تشريعى ثبت عدم دستوريته بالحكم الذى انتهت إليه المحكمة فى الدعوى المماثلة، فإن مؤدَّى هذا الحكم ولازمه أن تكوين المجلس المذكور يكون باطلا منذ انتخابه، إلا أن هذا البطلان لا يؤدى البتة إلى ما ذهب إليه المدَّعِى من وقوع انهيار دستورى ولا يستتبع إسقاط ما أقره المجلس من قوانين وقرارات وما اتخذه من إجراءات خلال الفترة السابقة وحتى تاريخ نشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية، بل تظل تلك القوانين والقرارات والإجراءات قائمة على أصلها من الصحة، ومن ثم تبقى صحيحة ونافذة، وذلك ما لم يتقرر إلغاؤها أو تعديلها من الجهة المختصة دستوريا أو يقضى بعدم دستورية نصوصها التشريعية بحكم من المحكمة الدستورية العليا إن كان لذلك ثمة وجه آخر غير ما بُنى عليه هذا الحكم. لهذه الأسباب: حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة الخامسة «مكرر» من القانون رقم 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعب المعدل بالقانون رقم 188 لسنة 1986 فى ما تضمنته من النص، على أن يكون لكل دائرة عضو واحد يتم انتخابه عن طريق الانتخاب الفردى ويكون انتخاب باقى الأعضاء الممثلين للدائرة عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية.