وزير الصحة: العزوف عن مهنة الطب عالميا.. وهجرة الأطباء ليست في مصر فقط    محمود محيي الدين: الأوضاع غاية في التعاسة وزيادة تنافسية البلاد النامية هي الحل    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    سيناتور روسي: في غضون دقائق أوكرانيا ستكون بدون رئيس    فرنسا: ندعم المحكمة الجنائية الدولية واستقلالها ومكافحة الإفلات من العقاب    هل يرحل زيزو عن الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية؟ حسين لبيب يجيب    «بيتهان وهو بيبطل».. تعليق ناري من نجم الزمالك السابق على انتقادات الجماهير ل شيكابالا    تعرف على استخدامات شات جي بي تي    نتيجة الشهادة الإعدادية البحيرة 2024.. موعد الظهور وكيفية الحصول على الدرجات    أحمد حلمي يغازل منى زكي برومانسية طريفة.. ماذا فعل؟    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    وزير الصحة: القطاع الخاص قادر على إدارة المنشآت الصحية بشكل اكثر كفاءة    خط ملاحى جديد بين ميناء الإسكندرية وإيطاليا.. تفاصيل    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    سائق توك توك ينهي حياة صاحب شركة بسبب حادث تصادم في الهرم    مندوب مصر بالأمم المتحدة: العملية العسكرية في رفح الفلسطينية مرفوضة    واشنطن: نرفض مساواة المحكمة الجنائية الدولية بين إسرائيل وحماس    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    مصطفى أبوزيد: احتياطات مصر النقدية وصلت إلى أكثر 45 مليار دولار فى 2018    7 مسلسلات وفيلم حصيلة أعمال سمير غانم مع ابنتيه دنيا وايمي    الخميس آخر يوم فى الموجة شديدة الحرارة.. الأرصاد تبشر المواطنين    وزيرة التعاون الدولي تُشارك في فعاليات المؤتمر الإقليمي للطاقة من أجل المرأة    اتحاد منتجي الدواجن: السوق محكمة والسعر يحدده العرض والطلب    التصريح بدفن جثمان طفل صدمته سيارة نقل بكرداسة    الاحتلال يعتقل الأسيرة المحررة "ياسمين تيسير" من قرية الجلمة شمال جنين    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    إبراهيم عيسى: حادثة تحطم طائرة الرئيس الايراني يفتح الباب أمام أسئلة كثيرة    وزير الصحة: 5600 مولود يوميًا ونحو 4 مواليد كل دقيقة في مصر    إصابة شخصين في حريق شب بمزرعة بالفيوم    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    جدول مباريات الدوري المصري اليوم والقنوات الناقلة    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    وزير الرياضة يهنئ منتخب مصر بتأهله إلي دور الثمانية بالبطولة الأفريقية للساق الواحدة    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي؟.. مصطفى أبوزيد يجيب    إجازة كبيرة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    متى تنتهي الموجة الحارة؟ الأرصاد الجوية تُجيب وتكشف حالة الطقس اليوم الثلاثاء    على باب الوزير    «حماني من إصابة قوية».. دونجا يوجه رسالة شكر ل لاعب نهضة بركان    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    تكريم نيللي كريم ومدحت العدل وطه دسوقي من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الوهاب الأسواني: إذا نجحت ثورات الربيع العربي.. ستنحسر الرواية!
نشر في إيجي برس يوم 28 - 11 - 2011


قال لنا إن الفن احتجاج
عبد الوهاب الأسواني: إذا نجحت ثورات الربيع العربي.. ستنحسر الرواية!

أرفض الواقعية السحرية.. وألف ليلة وليلة لم تعجبني!

أعترف أنني مقصر في حق أدبي .. والنقاد أبرياء من تجاهل أعمالي

نعم لم أتوقع فوزي بجائزة الدولة التقديرية سوى بنسبة 60%

مائة صفحة عطلت «امبراطورية حمدان» عن النشر!

ذنب جوليا اليونانية في رقبة حمدان!


تبت عن كتابة السيناريو بسبب اللسان المر!

حوار أجراه: محمد مهنا








لا سينَ ولا جيمَ في هذا الحوار!. لا أسئلة معدة سلفًا، وأحاول حفظها طوال الطريق إلى بيت الروائي الكبير عبد الوهاب الأسواني، عطر الجنوب المعَتّق، ولم أكن أنتظر أجوبة منه تكفي الأسئلة، ويتعجل نهاية الحوار. حوار؟!. مَنْ قال إنه حوار؟، هو جلسة عائلية ودودة امتدت لأكثر من أربع ساعات من قبل منتصف الليل، حتى مشارف فجر اليوم الجديد. مثلما توقعت وجدت عمنا عبد الوهاب الأسواني مهمومًا بشأن ثورة 25 يناير الوليدة، ويخشى أن يطول بقاؤها في «الحَضّانة»، بتشديد الضاد، ويضع يده على قلبه من محاولات البعض خنق أحلام الثورة في الحرية والعدالة الاجتماعية. يُقَلّب في القنوات التلفزيونية، يلهث وراء أخبار الثوار، يتابع، يصغي جيدًا، يقلق، ثم يدعو الله بأن نعبر هذه الفترة العصيبة بخير وسلام.
ليس غريبًا على روائي كبير مثله، حريص على استيعاب القضايا التي يعيشها، حتى ينسجها في عمل سردي فائق الجودة، يلضم خيوطه بإتقان، فتجيء رواية بديعة الصنع. ومنذ بواكير كتاباته، وجدنا الحدث السياسي غالبًا على الشخصية المصرية في صعيد مصر، تمامًا مثل الحجر الذي يحرك الماء الراكد، فما بين اهتمامه بثورتي عرابي، ويوليو، ونقده لما جرّه الانفتاح الاقتصادي من خراب على مصر، جاءت رواياته، أخبار الدراويش، النمل الأبيض، وكرم العنب.
رجل مثل عبد الوهاب الأسواني لا يهتم سوى بمشروعه الأدبي، يعكف عليه، ويطول انتظار القراء لما يكتب؛ لأنه غالبًا ما يعيد الكتابة، بالإضافة، أو بتغيير بعض التفصيلات الصغيرة، لا يُنقذ العمل من بين قلمه سوى الدفع به إلى النشر، فلو تُركَ العم عبد الوهاب لوسوسته، لما خرجت من بين يديه رواية إلى النور، كما قال في دردشته معي، وتقرأها في السطور التالية. وأبرز مثال على ذلك أننا قرأنا خبرًا عن جاهزية روايتيه القادمتين، «امبراطورية حمدان»، و«جوليا اليونانية»، غير أن هذا الخبر لم يكن دقيقًا!. تفاصيل ذلك نعرفها من حواره ل«الكاتب». وقبل أن تقرأ أعترف للعم عبد الوهاب أنني سأخون عهدي معه، وأفشي سرًا ائتمنني عليه؛ وهو أن شخصية البطل في «جوليا اليونانية» تتماس مع شخصيته!.


٭متى ستصدر روايتك «امبراطورية حمدان» التي تعكف على كتابتها منذ عدة سنوات؟
- هي كانت جاهزة للنشر، ولكن حدث شيء عطل ذلك.
٭؟!!!!!!
- اتصل بي الصديق الدكتور أحمد مجاهد، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، وطلب مني الرواية، الجاهزة فعلا لنشرها، وفوجئت أن هناك ما يقرب من مائة صفحة مكتوبة بخط لا يستطيع أحد قراءته، فقررت أن أعيد كتابة تلك الصفحات بخط واضح، ولكن من عاداتي التي لا أقدر على تغييرها؛ أنني ما إن تقع عيني على الورق المكتوب، أجدني تلقائيًا أبدل وأغير، وأضيف، وأحذف، ولا ينقذ العمل مني سوى المطبعة!.
٭ومتى ستنتهي من ذلك؟
- حقيقة لا أعلم.
٭إذن لا زلنا في انتظار حمدان وامبراطوريته!. لكن من حقنا أن نعرف من هو ذلك الامبراطور يا عم عبد الوهاب.
- يضحك ويقول بسرعة: شوف من غير ما أحرق العمل. هو إنسان بسيط اتجه من أسوان إلى الإسكندرية في الفترة من 1915 حتى نهاية الأربعينيات من القرن العشرين، وكغيره من الشباب النازح من الصعيد، بحث عن لقمة عيشه، ورغم احتياجه للمال الذي يسد رمقه، إلا أنه رفض الاشتغال في الأعمال البسيطة، وفضل التجارة، واستطاع اتقانها، وشيئًا فشيئًا صار تاجرًا كبيرًا، له العديد من العلاقات التجارية المتشابكة مع الأجانب الذين كانوا يسيطرون على الاقتصاد المصري آنذاك، وبمهارته أجبر حمدان هؤلاء على أن يرفعوا له القبعة. ومع ذلك لم تكن تصرفاته تخلو من سذاجة المتعاملين على فطرتهم البدائية!. وقد تغلبت عليه في كل المواقف التي تعرض لها. باختصار نستطيع القول إن الرواية تتعرف على الجو الكوزمبوليتاني لإسكندرية القرن العشرين.
٭ولكن لماذا يرفع الأجانب القبعة لحمدان، ذلك الصعيدي القادم إليهم بسذاجته، وفطرته، التي لم يستطع الإقلاع عنها؟
- لأنهم وجدوا فيه منافسًا قويا، وكانوا يخشون من امتلاكه لمصنع كبير، يقاسمهم من خلاله السيطرة على الأسواق، التي انفردوا بها فترة طويلة.
٭هي رواية واقعية صرفة إذن يا أستاذ عبد الوهاب.
- بالعكس هي تأخذ الشكل الرمزي؛ تشعر أن مصر مجسمة في شخصيات، ومع ذلك فإن الرواية لا تغفل التفاصيل الصغيرة لكل شخصية.
٭إذن ذلك هو حمدان وامبراطوريته، ولكن ماذا عن «جوليا اليونانية». لماذا تتدلل علينا الست جوليا؟!. متى تدفع بروايتها للنشر؟
- ضاحكا: والنبي سيبك من جوليا دلوقتي، ما تجبليش سيرتها، أحسن تخليني أسيب حمدان وأتفرغ لها!
٭يعني هي اتدورت وكبرت، قصدي يعني الرواية اكتملت وبانت ملامحها؟!
- هي أوشكت على الانتهاء. ولكن تركتها لنشر «امبراطورية حمدان» قبلها.
٭لماذا؟
- لأن هناك ارتباطا بين الروايتين، والترتيب الزمني يحتم البدء بحمدان.
٭زدني تفصيلا يا عم عبد الوهاب.
- يعني أنت مصمم على أنك تجيب سيرة جوليا.
٭جدا!
- شوف. هي فتاة كانت تعيش بالإسكندرية في الفترة نفسها التي عاش فيها حمدان، ولكن بعد أن صار كبيرًا؛ لأنها ارتبطت مع ظهور ابن أخيه الذي نشأ في الإسكندرية، وارتبط بعلاقات كثيرة مع الأجانب ومن بينها العلاقات العاطفية، وأصبح يمتلك عالمين مختلفين؛ عالم الأجانب، وعالم عمه حمدان.
٭وجوليا حبيبته؟
- لا حبيبة صديقه.
٭نعم!
- قبل أن تندهش، فالكثيرون من أبطال الرواية اعتقدوا أن جوليا حبيبة البطل، لجرأته، وكثرة علاقاته العاطفية، إلا أنه في الحقيقة تعرف إليها عن طريق صديقه، وأوقعه ذلك في مشاكل؛ منها تقرب فتاة من أسرة أرستقراطية إليه، ظنًا منها أنه حبيب جوليا.
٭وماذا فعل؟
- يضحك: يكفيك ذلك أنت عاوز تحرق لنا الست جوليا كمان مثلما حرقت حمدان؟!
٭هل «جوليا اليونانية» هي باكورة رواياتك عن الإسكندرية التي عشت فيها صغيرًا؟
- تستطيع أن تقول إنها أول عمل عن الإسكندرية بشكل مكثف، ولكن سبقها «ابتسامة غير مفهومة» التي دارت أحداثها بين القاهرة والإسكندرية، وكذلك «سلمى الأسوانية».
٭لكن لماذا لم تخصص روايات كاملة قبل «جوليا اليونانية» عن الإسكندرية، رغم أنك لم تكن مجرد زائر لها، بل كنت مقيما بها فترة طويلة جدًا؟
- لأنني كنت أعيش في منطقة «سبورتنج» في سن السادسة عشرة، وكان معظم سكانها أجانب، لم أخالطهم، وتعرفت فقط على ثلاث عائلات مصرية، اصطفيت منهم اثنين فقط، كانت إحداهما مسيحية، لأن ابنها كان في مثل عمري، واتخذته صديقًا، نقرأ معًا مجلات الأطفال... وهناك سبب آخر جعلني أرتبط بمسقط رأسي أسوان، في كل كتاباتي؛ هو أنني كان في ذهني دائمًا نجيب محفوظ الروائي العظيم الذي كتب عن القاهرة فقط، ومع ذلك كنت أضع أمامي وأنا أكتب أعمالي مقولة (إمكانية الحدوث)، على حد تعبير شيخ النقاد الراحل الكبير د. محمد مندور؛ بمعنى أن القارئ الأسواني النشأة عندما يقرأ رواياتي يعرف أن أحداثها تقع في أسوان، في حين أن القارئ الآخر من مختلف البلاد المصرية يشعر أن أحداث العمل، من الممكن أن تقع في بلده هو.
٭إذن أنت تطبق مقولة الروائي العالمي المعروف جارسيا ماركيز إن «الطفولة مخزن الروائي». دعني أسألك، ماذا تبقى في خزانة ذاكرتك الطفولية من أحداث لتستمد منها روايات جديدة عن نشأتك؟. وهل سنرى أعمالا تتحرر مما علق بذاكرتك؟
- لا أعرف ما الذي سأكتبه فيما بعد، فأنا لديّ أفكارعديدة، ولكن عندما أشرع في الكتابة، يفرض الموضوع نفسه على قلمي، ومن الممكن أن أكتب عن أشياء خارجية؛ أي خارج إطار ما عايشته في طفولتي من أحداث؛ مثلما قال نجيب محفوظ إن الأحداث الخارجية تفجر الأحداث الداخلية التي تخص كل كاتب، وينوي الكتابة عنها.
٭قرأت لك تصريحات بعد فوزك بجائزة الدولة التقديرية هذا العام، أن نسبة توقعك للحصول عليها لم تزد عن 60%. لِمَ هذا التشاؤم؟
- أنا إنسان متشائم بطبعي، خاصة أن الذين يصوتون على الجائزة من أعضاء المجلس الأعلى للثقافة، يضمون خليطًا من الأدباء والفنانين التشكيليين والعلماء، والمطلوب للفائز أن يحصل على ثلثي الأصوات، وإذا كنت أضمن ثلاثة أرباع أصوات الأدباء، إلا أنهم أقلية. فضلا عن أنني لم أسع يومًا لترشيح نفسي لأية جائزة، ومن رشحني هو اتحاد الكتاب المصريين، وكان المرشحون أحد عشرة شخصية، منهم سبعة أساتذة للجامعات، وأربعة روائيين، وأنا كعضو مجلس إدارة وافقت على ترشيح هؤلاء، فقال أحد الزملاء: كيف يكون بيننا عبد الوهاب الأسواني ولا نرشحه؟!
٭نقرأ لك تصريحات كثيرة، تدافع فيها عن النقاد، رغم أنهم مقصرون في إعطائك حقك النقدي، فلِمَ هذا الدفاع؟
- لا لا لا أولا أرفض إقرارك أنهم مقصرون، فما كتبه عني النقاد يرضيني إلى حد كبير، ويكفي أن أقول لك إن رواية «النمل الأبيض» كُتب عنها أكثر من ستين مقالًا نقديًا، وكثيرون كتبوا عن رواياتي الأخرى، وإذا كان هناك تقصير في الفترة الحالية، فليس من النقاد، ولكنه مني أنا؛ لأنني كسول بطبعي؛ فكلما أنوي إرسال أعمالي للنقاد، لا أفعل. ولذلك فأنا أشفق على النقاد الحاليين، وأدافع عنهم؛ لأن المساحة المتاحة للنشر حاليًا تقلصت جدًا، عكس الفترة التي عشناها في الزمن الماضي؛ عندما كانت صحف كثيرة تفرد مساحات كبيرة، بل ملاحق كاملة للنقد الأدبي، فخرج لنا نقاد كبار، لن ينساهم أحد.
٭ما رأيك في انتشار روايات الواقعية السحرية؟
- أعتقد أن أهم أسباب ذيوع هذا النوع من الروايات في أميركا اللاتينية، أنها منطقة غاصة بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، والظلم . هنا يجد الروائي ما يحتج عليه؛ لأن هناك مقولة شهيرة هي (الفن احتجاج)، ولذلك إذا قارنا مشاكل أوروبا نجدها أقل بكثير من مشاكل أميركا اللاتينية، لتخلف حكام الأخيرة (غالبيتهم من الديكتاتوريين). يضاف إلى هذا توافر عدد من الروائيين الموهوبين لأميركا اللاتينية، أبرزهم ماركيز العظيم. وأرى أن اللغة الإسبانية وذيوعها؛ لأنها اللغة الثالثة عالميًا بعد الإنجليزية والفرنسية، سبب آخر من ذيوع الرواية الواقعية السحرية. لذلك فإن روايات ماركيز كانت مقروءة عالميا قبل حصوله على نوبل، عكس نجيب محفوظ الذي لم يعرفه قراء الرواية في العالم، إلا بعد نوبل، رغم أنني أرى أن محفوظ لا يقل عن ماركيز أبدًا.
٭لماذا رفض نجيب محفوظ الاعتراف بالواقعية السحرية في رأيك؟
- أذكر أنني سمعت منه شخصيًا رأيه في واقعة الفتاة التي تجمع الغسيل، وطيرانها إلى السماء في رواية «مائة عام من العزلة»، قال لي بالنص: لولا أن ماركيز كاتب كبير، لنسفت هذه التفصيلة الرواية، بل والروائي نفسه!. حتى ماركيز عندما سألوه، قال إنه سمع تلك الخرافة من جدته، فكتبها في روايته.
٭بصراحة لماذا لم تكتب روايات واقعية سحرية؟
- ربما لأن حبي للتاريخ منذ الصغر، جعلني أنفر من أية كتابة غير واقعية، وعلى سبيل المثال حينما تعرفت على ألف ليلة وليلة، وأنا ولد صغير كنت أقرأها بصعوبة شديدة، وأنفر من أحداثها غير الواقعية. بالإضافة إلى أن العالم الذي أصوره في القرى الأسوانية مليء بتصرفات غير معقولة من أهله، فأنا لست بحاجة إلى أن أكتب أشياء غير معقولة من خيالي، لأن الواقع أمامي غير معقول!.
وأذكر أنني عندما كنت في الإسكندرية، مشاركًا في ندوة القهوة التجارية (وهي صاحبة فضل عليَّ)، كان زعيم الندوة محمد حافظ رجب، القاص السكندري العظيم، وكان يكتب أدب اللا معقول، ولكنه يمتلك المقدرة على إقناعك بما يكتب، وجميع من يحضر الندوة يكتبون الأدب اللامعقول، وكنت الوحيد بينهم الذي أكتب الواقعية، لذلك كانوا يقولون إنني متخلف، فلم أعبأ بهم، غير أنني توقفت فترة عن الكتابة؛ لأسأل نفسي لماذا يرفضون واقعيتي، وتوصلت إلى قناعة مفادها أن المجتمع الذي أكتب عنه لا يعرفه أحد، أما مجتمع حافظ رجب السكندري، فمعروف للقارئ السكندري والقاهري، لذلك يقدم شخصياته بطريقة غير معقولة.
٭هل تعتقد أن الروائيين الشبان في مصر والعالم العربي سيعودون للواقعية بعد ثورة 25 يناير 2011، وهل ستكون السياسة غالبة على أعمالهم؟
- لا أحد يستطيع أن يتنبأ بشكل الكتابة خلال السنوات القليلة القادمة؛ لسبب بسيط هو أننا لم نكن نعرف إلا القليل عما يحدث داخل مصر والبلاد العربية، لكن منذ سنوات قليلة ظهرت الفضائيات، وصار الواحد منا يجلس أمام التلفزيون، وبيده الريموت كنترول، ويعرف كل ما يحدث في جميع أنحاء العالم في التو واللحظة، حتى أخبار ما يحدث في بلده يجدها مصورة في فضائيات خارجية. إذن نحن أمام عالم جديد تمثله تلك المحطات (وما يتبعها من إنترنت وخلافه)، كل ذلك جعل الثورة تعم في عدد من البلاد العربية، وسوف تصل لبلاد أخرى لم تحدث فيها ثورات من قبل.
وفي رأيي الشخصي إذا نجحت الثورات التي تعم العالم العربي، فيما يطلق عليه الآن الربيع العربي، على أن يكون نجاحها مرهونًا بتحقيق العدالة الاجتماعية، فسيتبع ذلك تخلف الأدب بصفة عامة، والرواية بصفة خاصة؛ لأنني كما ذكرت من قبل أرى أن الفن احتجاج، والروائي أو الشاعر لن يجد ما يحتج عليه لسنوات، حتى تحدث تناقضات إثر هذه الثورات.
٭بمناسبة أدب الثورة، إذا صح التعبير، كم من الوقت تحتاج الثورة حتى تجيء الكتابة الإبداعية عنها أكثر نضجًا؟
- أية كتابة سواء في حالة وجود ثورة، أو في عدم وجودها يجب ألا تكون متعجلة، وعلى المبدع ألا ينشغل سوى بإنضاج عمله، لا بتعجله في النشر.
٭هل ستكتب رواية عن ثورة 25 يناير 2011؟
- لا أستطيع أن أجزم؛ لإحساسي بكبر سني، وإن كانت هناك إشارات في رواياتي السابقة تبشر بالثورات عمومًا على الأوضاع الخاطئة؛ ففي «النمل الأبيض» تنتهي الرواية بهدم السقف وحرقه، وفي «كرم العنب» اجتمعت ناس البلد في مراكب، وتوجهت لمركز الشرطة. فضلًا عما جاء على لسان إحدى شخصيات الرواية، وهي أن مصر تثور كل خمسين عامًا، ويبدو أن آخر ثورة مر عليها 49 عامًا. وقد نشرت روايتي قبل عامين أو ثلاثة من ثورة 25 يناير.
٭على ذكر الثورة أيضًا، أفرزت ثورة 23 يوليو1952 اهتمامًا كبيرًا بالأدب والثقافة عمومًا، وتبنت الدولة في ستينيات القرن الماضي إنشاء سلاسل ثقافية لنشر الإبداع.. هل تتخوف أن يحدث العكس مع ثورة 25 يناير 2011؛ حيث توقع هيمنة تيارات معادية للإبداع على مقدرات مصر في الفترة القادمة؟
- أتوقع أن يكون للإسلام السياسي مقاعد كثيرة في البرلمان، ولكنها لن تكون مهيمنة؛ لأنني أعتقد أن هناك تغييرًا حدث في الشخصية المصرية، وإذا كان الإسلام السياسي مؤثرا على بسطاء الناس في الفترة الماضية، فذلك لأن بقية المرشحين مكروهون من الشعب المصري؛ لأنهم كانوا من الحزب الوطني المنحل، أما وقد غابت أركان فساد الحزب المنحل في السجون، فقد أصبح المجال واسعًا أمام اختيار الناخب المصري، وسيتصدى غالبية المثقفين لآراء أصحاب الإسلام السياسي، ولن يجد الشعب من يزور إرادته، ويجبره على اختيار فصيل بعينه.
فضلا عن أن هناك ما يحد من نفوذ الإسلام السياسي، إذا حاز على أغلبية المقاعد؛ هو قصر المدة التي سيحكم فيها، وعدم تأبيدها مثلما كان يحدث في النظام السابق.. ومن العجيب أن دولة مثل تركيا التي يسيطر فيها حزب جاء على خلفية إسلامية، كشفت عدم إقناع فصيل الإسلام السياسي في مصر لرجل الشارع؛ فعندما جاء رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، طالبه عدد من رموز الإسلام السياسي في مصر باختياره خليفة للمسلمين، غير أنه صدمهم بقوله إنه يحكم دولة علمانية، وطالبهم بعدم خلط الدين بالسياسة.
٭لماذا لم تكرر تجربة السيناريو، بعد كتابتك لسيناريو روايتك «اللسان المر»؟
- هذا المسلسل واجه صعوبات كثيرة؛ أبرزها اعتراض الرقابة عليه، ولولا نفوذ نور الدمرداش لما عُرض. وبسبب كثرة الممنوعات في المسلسلات التلفزيونية، أحجمت عن تكرار التجربة، سيَّما ونحن في الرواية نقول ما نعتقد أنه ما يجب أن يقال؛ لأن الساحة الثقافية في مصر نجحت أن ترفع الرقابة عن الرواية.
٭لو عاد بك الزمن إلى الوراء، هل كنت ستعمل في الصحافة، أم تبتعد عنها تطبيقًا لرأي إرنست هيمنجواي أن «الصحافة مقبرة الإبداع»، وتهتم بغزارة إنتاجك الروائي والقصصي؟
- صحيح كنت أتمنى لو أنني تفرغت للأدب فقط، وبصفة خاصة الرواية، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه. وقد أجبرتني مهنة الصحافة على التوقف عن الكتابة الأدبية أربع أو خمس سنوات؛ لأنها شغلتني تمامًا. وهذا لا يمنع أنني استفدت من العمل في الصحافة استفادة عظيمة؛ فهي التي عرفت من خلالها الكثير من المشاكل التي تحدث في مصر والعالم، و خلال عملي في صحف يومية خارج مصر كنت أقرأ الكثير مما تبثه وكالات الأنباء عن طريق «التيكرز»، لما يحدث في مصر والعالم العربي، إلا أن هذه الأخبار ممنوعة من النشر في منطقتنا العربية كلها؛ لأن أسرارًا كثيرة كشفتها تلك الوكالات عن الحكام العرب، ولولا الصحافة لم أكن لأعرفها. فضلا عن تمكني من دخول أماكن كثيرة غير متاحة لأصحاب المهن الأخرى، وكل ذلك يصب في صالح كاتب الرواية. لذلك أجيبك عن سؤالك، لو عاد بي الزمن للوراء لاشتغلت في الصحافة أيضًا، مع تجنب التوقف عن الكتابة الأدبية الذي قلل إنتاجي.
٭هل تعتقد أن الترجمة ضرورية للمبدعين، روائيين، وكتاب قصة، وشعراء؛ حتى ينالوا نصيبهم من الجوائز العالمية ، وبصراحة لماذا هي بعيدة عن أعمالك؟!
- لم أكن أهتم بالتجربة، وبعضهم في الجامعة الأميركية كانوا يرسلون لي مع الروائي الراحل إدريس طلبهم بترجمة رواياتي، إلا أنني لم أهتم؛ لظني أن الأوروبيين لا تهمهم قضايانا، وإن كانت روايتي «أخبار الدراويش» قد ترجمت للروسية، وكذلك بعض قصصي القصيرة ترجمت للصينية والفرنسية.
٭في جملة قصيرة ماذا تقول عن كل من: بهاء طاهر، خيري شلبي، إبراهيم أصلان، صنع الله إبراهيم، محمد البساطي، جمال الغيطاني، إبراهيم عبد المجيد.. ومَنْ مِنَ الروائيين الشباب الذين قرأت لهم، وتتنبأ لهم بمستقبل جيد؟!
- بهاء طاهر، روائي على المستوى العالمي. خيري شلبي، ملك الحكائين، لكنه روائي في «وكالة عطية». إبراهيم أصلان، من ملوك القصة القصيرة، أبدع في «مالك الحزين». صنع الله إبراهيم، روائي صادق مع نفسه. محمد البساطي، الساحر في القصة القصيرة. جمال الغيطاني، حامل هموم مصر على رأسه. إبراهيم عبد المجيد، خير من يخدم الرواية في المعلومات الفكرية... ومن الروائيين الشباب أختار خالد إسماعيل؛ لأنه غواص جيد في الشخصية الصعيدية.


نقلا عن جريدة الكاتب التي تصدر عن اتحاد الكتاب المصريين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.