العلمانية صارت لفظا سييء السمعة,لكنها في واقع الامر ليست ضد الدين, فحتي وفاة الرئيس عبدالناصر كانت ممارسة الدين ليس لها علاقة بالمشروع السياسي. فقد أقبل عليها القراء من كافة المشارب, وانشغلوا بشخوصها واحداثها, وتعقبوا خفاياها, فتعددت طبعاتها بشكل يفوق كل التوقعات, وترجمت الي لغات عالمية متعددة, ووزعت في الغرب مئات الآلاف من النسخ, وحققت له شهرة تقارب نجوم السينما. وتحولت الي فيلم, ومسلسل,, وبات يعرفها العامة مثل النخبة, ويحلو للبعض ان ينسب اليها الفضل في اعادة الاعتبار للأدب وفعل القراءة وتوسيع لأقصي مدي. واثبتت روايته الثانية شيكاغو قدرته علي تجاوز مأزق العمل التالي علي نجاح كبير, وهو اختبار كبير للمبدعين الجادين, وحظها لم يكن اقل من سابقتها, وحققت في مصر والدول العربية والخارج مبيعات اكبر من عمارة يعقوبيان. هو الآن امام مشكلة العمل الثالث الذي يجلو الموهبة ويدشن صاحبه مبدعا معتمدا لدي الخاصة والكافة؟! مستوي الروايتين يشير بوضوح الي ان قدرات علاء الأسواني باتت خارج المأزق, وبعيدا عن أفق الاختبار الضيق, حيث تحلق في فضاءات الإبداع الرحبة. وازداد اهتمامه بالشأن العام, ومن المنادين بالديمقراطية والحريات والتغيير السلمي, وان كان لايحب ان يصفه البعض بالناشط السياسي لانه بالاساس روائي لديه رؤي ومواقف سياسية, وليس سياسيا يتعاطي الادب, لكنه بات من اعلام المجتمع المصري بعد ماحازه من نجاح وشهرة يضعها في خدمة بلده, ويحرص في المنتديات الثقافية التي يدعي اليها في الخارج ألا يتحدث في السياسية, بل يقبل علي الجميع بصفته اديبا. اجتمعت له خبرة الحياة, وطب الاسنان, والادب, والثقافة واختلطت بوجدانه فقدمت لنا مبدعا جادا, يتوفر علي مشروعه بثقة ودأب ومهارة. أنت تثير التساؤلات سياسيا وأديبا, فهل روايتك الجديدة مرشحة لإثارة الجدل مثل يعقوبيان وشيكاغو؟ الرواية تدور عن مصر في الاربعينيات, في جزء منها تاريخية, وأناقش فيها كل القضايا التي تشغلنا حتي الآن كالطبقية والظلم الاجتماعي وعلاقتنا بالغرب وهل نحن نستحق العدل الذي أراه موازيا للديمقراطية ام لاب. وهل هذه القضايا مازالت موجودة وتستحق المناقشة؟ السؤال الانساني موجود منذ وجد الانسان, ومنه السؤال المصري الذي نطرحه حول العدل وعلاقة الفقراء بالأغنياء, وللأسف حين نعود الي القضايا المثارة منذ الأربعينيات نجد أنه لم يتم حلها للآن ومنها علاقة المصري بالتراث والشريعة الاسلامية ونوع الدولة التي نريدها سواء دولة مدنية ام اسلامية؟؟ ما الدولة المدنية من وجهة نظرك؟ هي الدولة التي لايرتب فيها الدين حقوقا سياسية, فأنت مواطن لأنك تنتمي الي هذه الدولة بغض النظر عن ملتك ودينك ولك فيها كافة حقوق المواطنة امامها سواء كنت مسلما ام مسيحيا ام بهائيا, المؤسسات فيها لاتقوم علي اساس ديني. أي دولة علمانية؟ لنضرب مثالا بالوفد الذي يعد اكبر ظاهرة حزبية في تاريخ مصر, والذي للأسف لم تتم دراسته بالشكل الكافي حتي من جانب المنتمين اليه والقائمين عليه الآن, فقد كان الوفد حزبا مدنيا ديمقراطيا يسعي لاقامة دولة مدنية وكان مصطفي النحاس باشا متدينا ويوقف اجتماعات الوفد لاقامة الصلاة وكان يؤدي كافة العبادات ولايفوت فرضا, وهناك واقعة شهيرة له عندما اراد احمد حسين اطلاعه علي برنامج حزب مصر الفتاة ومن مجرد نظرة واحدة الي الورقة قام بطيها وأرجعها اليه قائلا بانه لن يقرأها لانه بدأ باسم الله وانه عندما يضع لفظ الجلالة في برنامج سياسي.. يبقي دجال. يتم النظر اليك كناشط سياسي من جانب الكثيرين, وما رأيك ؟ لا أحب لقب الناشط سياسي وترجمتهاactivist, في العالم الديمقراطي يعمل في مناخ ديمقراطي وما أقوم به من عمل عام تجاه البلد الآن اعتبره واجبا وطنيا واذا تحققت الديمقراطية بمعناها الشامل سأفقد الاهتمام, فأنا اعمل لان هناك موقفا يدفعني للاشتراك في العمل. لكن هل يتم التعامل معك في الغرب باعتبارك ناشطا سياسيا بجانب الاديب؟ لاطبعا.. أنا حريص جدا, ولا أدلي بأية احاديث سياسية في الخارج اطلاقا لأسباب مهنية ولأني عرفت ونجحت كروائي ؟ وسمعت مشورة أصحاب دور النشر الكبري التي تنشر لي بألا أقدم نفسي بغير صورتي, فأنا روائي بالأساس لديه افكار سياسية ولست سياسيا يكتب روايات, ولست ناشطا سياسيا ولا أسعي للرئاسة واي حوار معي يكون أدبيا او عن المجتمع المصري, ربما يكون في الحوار سؤال او اثنان عن السياسة. تتحدث دوما عن دور المثقف ودفع عجلة الثقافة فمن هو المثقف من وجهة نظرك؟ الانسان لايتجزأ, فلا يمكن ان يكون فنانا او أديبا ويقف مكتوف اليدين فيما يخص قضايا شعبه ووطنه, وأنا شخصيا اشارك بالكلمة والفعل قدر الاستطاعة وأسعي الي طرح المفاهيم وعندي ندوة اسبوعية منذ عام1996 قدمت من خلالها أدباء كثيرين أصبحوا نجوما المشكلة الرئيسية ان الثقافة المصرية قوية جدا لكننا لاندرك قيمة انفسنا. ما الثقافة بشكل محدد؟ ثقف تعني في اللغة شذب وهذب وهي تستخدم للغصن والسيف, والمثقف يملك رؤية تؤدي به الي موقف وهذا في العالم كله, فهناك فرق بين المثقف وصاحب المعلومات حيث يوجد كتاب معروفون كثيرون غير مثقفون لانهم لديهم معلومات لم تتبلور في مواقف من الحياة عشنا تحت وطأة هذا التعريف للمثقف زمنا طويلا فصار هناك مثقف في بلادنا بدون موقف وهو لايساوي شيئا. هلا أعطيتنا أمثله تدل علي صحة كلامك؟ الذين وقفوا ضد حرب الخليج هم أفضل المبدعين في السينما والشعر والمسرح كمدافعين عن قيم العدل والحرية, وما فعله اهم روائي علي قيد الحياة الآن وهو الكاتب الكولومبي الكبير جارسيا ماركيز من أجل القضية الفلسطينية يؤسفني ان أقول إنه ربما أكثر فاعلية من مواقف كتاب عرب كثيرين وللأسف كان ذلك موجودا في مصر قبل السبعينيات وقد دفع المثقفون المصريون الثمن من أجل آرائهم مثل حسن فؤاد وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس وغيرهم وحتي نجيب محفوظ كان قد كتب ثرثرة فوق النيل وميرامار أيام عبدالناصر وكانتا أقوي من مائة مظاهرة ولابد ان نقر بأن مواقف المثقفين المصريين معروفة ومنها ما قاله الرئيس السادات بأن بيان دعم الحركة الطلابية الذي وقع عليه نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويشرفني ان والدي الكاتب عباس الاسواني كان معهم وغيرهم, هذا البيان كان من الأسباب الرئيسية التي عجلت بحرب اكتوبر فالمثقف غير صاحب الحرفة. في الوسط الثقافي من لايفضلون أعمال علاء الاسواني وينظرون إليها كأنها مجرد طرح رؤي اجتماعية تقوم فيها بمجرد كشف المستور والحرفة الأدبية فيها غير مكتملة كيف تري هذه الانتقادات؟ الحمد لله أخذت مايكفيني لسنوات قادمة من كبار النقاد في مصر منذ أعمالي الأولي, وان كنت أري انه أولي بنا كمنادين بالديمقراطية ان نبدأ بأنفسنا, فكل إنسان له حريته ومايراه, ولقد أخذت من الحفاوة ما يجعلني غير محتاج لشهادات نقدية إضافية. هناك عدم احتفاء بفكرة الاكثر مبيعا التي اشتهرت بها؟ أن يتحول الاقبال علي أعمالي الي شيء سلبي فهذا شيء مدهش! وان كان صحيحا أن الاقبال علي الأعمال لايعني أنها الأفضل, إذن فالنفور منها لايعني بالضرورة أنها أعمال أدبية سيئة فمثلا الشاعر الكبير محمود درويش أهم الشعراء العرب ووصل الي درجات من المبيعات لم يصلها شاعر في الشعر العربي علي الاطلاق وكذلك صلاح جاهين وجارسيا ماركيز الذي لم يكن فقط الأعلي مبيعا ولكنه غير أرقام البيع في تاريخ الأدب فقبله كانت الرواية تبيع من5 إلي10 ملايين نسخة قفز هو بها الي50 مليون نسخة فلو الرواية يقرؤها3 افراد فقط صار هناك150 ملايين قارئ لكاتب واحد يشكلون جمهورية جارسيا ماركيز وبالتالي فعلي من يطرحون تلك المفاهيم ان يراجعوها. ما دوافعهم لمهاجمتك؟ حتي أكون منصف نحن في مجتمع محبط وأي مواطن مصري يسير في الشارع يعتقد يقينا انه يستحق اكثر مما هو فيه, وهناك في علم النفس معادلة التعايش مع الاحباط, وفيها يري الشخص انه موهوب وانه لم يأخذ حقه فيحيل ذلك الي البلد والمجتمع وأنهم السبب في مشاكله الشخصية ولو نجح احدهم في الخارج يمنح البعض المبرر بأنه في الخارج ولكن في المقابل لو نجح شخص من نفس البلد الذي بدأ معك وتترددون يوميا علي نفس الامكنة والندوات فتحدث المشكلة فجزء من هؤلاء يكرهونك فعلا لانك تفسد عليهم تعايشهم مع الاحباط وتثبت لهم انهم كان من الممكن ان يحققوا نجاحا مثلك وتكشف لهم تقصيرهم وقلة قدرتهم. وهل اعتدت علي هذا وتعايشت معه؟ كنت أنزعج ولكني تعايشت.. ولي ناشر فرنسي قال لي بالحرف.. لم ار كاتبا يثير غيرة الآخرين من الكتاب المصريين والعرب مثلك!! وانني رغم كل شيء متفهم موقفهم وبواعث الغيرة الأدبية وإن كنت أري أنهم يجب ان يغيروا مفاهيمهم لأن مهمتهم أصبحت صعبة بسبب الاعتراف الأدبي الدولي بي والرقم موثق حيث تمت ترجمت اعمالي الي29 لغة في87 طبعة ووصلت المبيعات الي مليون نسخة في غير اللغة العربية, ويجب ان نعترف بعدم وجود الادب المصري علي الخريطة العالمية عدا استثناءات قليلة مثل نجيب محفوظ وجمال الغيطاني وبهاء طاهر. لماذا يقل تواجدنا من وجهة نظرك؟ الفكرة ان الادب العالمي له معايير للمنافسة وكيفية كتابة الرواية العالمية ونصها شكل وطريقة صناعة وليس من حقنا ان لم نصل الي هذا المستوي ان نتهم الآخرين بالتآمر. لكن هل من لم تتم ترجمة اعمالهم ليسوا ادباء من وجهة نظرك؟. بالطبع لا.. فنحن عندنا مشكلاتنا في تقديم أدبنا ونحن المسئولون في الكثير من الاحيان عن التقصير في تقديم الادب العربي فنجيب محفوظ كان يستحق نوبل منذ الخمسينيات وهناك عشرون اسما يستحقون نوبل لو كانت المعايير منضبطة, ولكن دعيني أقل إن الأدب الذي لايصلح للترجمة ليس أدبا فالأدب فن انساني عابر لكل الفروق الثقافية, اي ان الأديب الحقيقي تقرأ اعماله في العالم كله, فإذا كان مقصورا عن ان يقرأ بلغات اخري فهذا الادب ضعيف إن لم يصلح للقراءة بعد عشر سنوات في أماكن اخري فأنت كأديب لديك مشكلة حقيقية وأنت مسئول عنها هل كان نجاح رواية يعقوبيان أكبر من شيكاجو؟؟ غير صحيح.. شيكاجو حققت041 ألف نسخة في مصر وحققت تغطية وثناء نقديا هائلا. رددت أنك تحديت نفسك في شيكاجو.. كيف؟ أنا أسميها معادلة شيكاجو فقد تعمدت بعد نجاح عمارة يعقوبيان ان أقدم عملا مختلفا لاثبت ان النجاح الذي حدث يخص الكاتب وليس الموضوع فكتبت عن أمريكا ونجحت في أمريكا! هل كان فيلم عمارة يعقوبيان سببا في زيادة مبيعات الرواية ؟ غير حقيقي فمن المعروف أن وجود فيلم للرواية لا يؤدي إلي زيادة المبيعات بالعكس وهذا يحدث في العالم كله عدا بلد واحد هو فرنسا وأنا لا أكتب الرواية فحسب ولكنني أدرس الأدب العالمي ولي وكيل أدبي الآن هو أندرو ويلي في نيويورك ويعد من أكبر الوكلاء الأدبيين في العالم وهو وكيل الكاتب التركي أورهان باموك وغيره من أكبر ادباء في العالم. هل كان الخروج الي العالمية وترجمة أعمالك مجهود شخصي؟ طبعا.. فلا يوجد كيان ثقافي مصري فعال.