صور| وفاة أم حزنا على دخول ابنها في غيبوبة بعد تعرضه لحادث سير بطنطا    ننشر التفاصيل الكاملة للقاء المشترك بين مصلحة الضرائب واتحاد الصناعات    إسرائيل تقصف شحنة أسلحة تابعة لحزب الله    سعيدة نغزة تعلن ترشحها للانتخابات الرئاسية المقبلة بالجزائر    عاجل - مباشر حالة الطقس اليوم × الإسكندرية.. كم درجات الحرارة الآن في عروس البحر؟    عيد الأضحى 2024.. الإفتاء توضح مستحبات الذبح    هل يجوز الاضحية بالدجاج والبط؟ عالم أزهري يجيب    مصطفى كامل يتعرض لوعكة صحية خلال اجتماع نقابة الموسيقيين (تفاصيل)    بعد إصابته ب السرطان.. دويتو يجمع محمد عبده مع آمال ماهر في مكالمة فيديو    اندلاع مواجهات بين شبان فلسطينيين والاحتلال في بلدة أبو ديس شرق القدس المحتلة    زيلنسكي يصل إلى برلين للقاء شولتس    احتفالا بعيد الأضحى، جامعة بنها تنظم معرضا للسلع والمنتجات    عيد الأضحى في تونس..عادات وتقاليد    إيلون ماسك يهدد بحظر استخدام أجهزة "أبل" في شركاته    التجمع الوطني يسعى لجذب اليمينيين الآخرين قبل الانتخابات الفرنسية المبكرة    عمرو أديب: مبقاش في مرتب بيكفي حد احنا موجودين عشان نقف جنب بعض    أيمن يونس: لست راضيا عن تعادل مصر أمام غينيا بيساو.. وناصر ماهر شخصية لاعب دولي    ضياء السيد: تصريحات حسام حسن أثارت حالة من الجدل.. وأمامه وقتًا طويلًا للاستعداد للمرحلة المقبلة    زكي عبد الفتاح: منتخب مصر عشوائي.. والشناوي مدير الكرة القادم في الأهلي    صحة الفيوم تنظم تدريبا للأطباء الجدد على الرعاية الأساسية وتنظيم الأسرة    رئيس هيئة ميناء دمياط يعقد لقاءه الدوري بالعاملين    محافظ أسيوط يناقش خطة قطاع الشباب والرياضة بالمراكز والأحياء    بعد 27 عاما من اعتزالها.. وفاة مها عطية إحدى بطلات «خرج ولم يعد»    تراجع سعر الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الثلاثاء 11 يونيو 2024    مصر ترحب بقرار مجلس الأمن الداعي للتوصل لوقف شامل ودائم لإطلاق النار في غزة    إنتل توقف توسعة مصنع في إسرائيل بقيمة 25 مليار دولار    تعليق ناري من لميس الحديدي على واقعة تداول امتحانات التربية الوطنية والدينية    عيد الأضحى 2024.. إرشادات هامة لمرضى النقرس والكوليسترول    الحق في الدواء: الزيادة الأخيرة غير عادلة.. ومش قدرنا السيء والأسوأ    مختار مختار: غينيا بيساو فريق متواضع.. وحسام حسن معذور    وزراء خارجية بريكس يؤيدون منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة    تحذير عاجل ل أصحاب التأشيرات غير النظامية قبل موسم حج 2024    مجموعة مصر.. سيراليون تتعادل مع بوركينا فاسو في تصفيات المونديال    «جابوا جون عشوائي».. أول تعليق من مروان عطية بعد تعادل منتخب مصر    إخماد حريق داخل حديقة فى مدينة 6 أكتوبر دون إصابات    مصرع سيدة صدمتها سيارة أثناء عبورها لطريق الفيوم الصحراوى    «اختار الأهلي».. كواليس مثيرة في رفض حسين الشحات الاحتراف الخليجي    أحمد كريمة: لا يوجد في أيام العام ما يعادل فضل الأيام الأولى من ذي الحجة    رئيس خطة النواب: القطاع الخاص ستقفز استثماراته في مصر ل50%    قصواء الخلالي: وزير الإسكان مُستمتع بالتعنت ضد الإعلام والصحافة    خبير اقتصادي: انخفاض التضخم نجاح للحكومة.. ولدينا مخزون من الدولار    إبراهيم عيسى: طريقة تشكيل الحكومة يظهر منهج غير صائب سياسيا    هل خروف الأضحية يجزئ عن الشخص فقط أم هو وأسرته؟.. أمين الفتوى يجيب (فيديو)    منتخب السودان بمواجهة نارية ضد جنوب السودان لاستعادة الصدارة من السنغال    وفد من وزراء التعليم الأفارقة يزور جامعة عين شمس .. تفاصيل وصور    مفاجأة في حراسة مرمى الأهلي أمام فاركو ب الدوري المصري    بالصور.. احتفالية المصري اليوم بمناسبة 20 عامًا على تأسيسها    «أونلاين».. «التعليم»: جميع لجان الثانوية العامة مراقبة بالكاميرات (فيديو)    إصابة 4 أشخاص في حادث انقلاب أتوبيس بالمنوفية    هل تحلف اليمين اليوم؟ الديهي يكشف موعد إعلان الحكومة الجديدة (فيديو)    وزيرة الثقافة تفتتح فعاليات الدورة 44 للمعرض العام.. وتُكرم عددًا من كبار مبدعي مصر والوطن العربي    عالم موسوعي جمع بين الطب والأدب والتاريخ ..نشطاء يحييون الذكرى الأولى لوفاة " الجوادي"    أخبار 24 ساعة.. الحكومة: إجازة عيد الأضحى من السبت 15 يونيو حتى الخميس 20    الرقب: الساحة الإسرائيلية مشتعلة بعد انسحاب جانتس من حكومة الطوارئ    منسق حياة كريمة بالمنوفية: وفرنا المادة العلمية والدعم للطلاب وأولياء الأمور    إبراهيم عيسى: تشكيل الحكومة الجديدة توحي بأنها ستكون "توأم" الحكومة المستقيلة    هل يجوز الأضحية بالدجاج والبط؟.. محمد أبو هاشم يجيب (فيديو)    وزير الصحة: برنامج الزمالة المصرية يقوم بتخريج 3 آلاف طبيب سنويا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دليل المواطن الذكي إلي الانتخابات العامة ؟‏!‏
من القاهرة
نشر في أخبار مصر يوم 01 - 05 - 2010

عزيزي القارئ‏:‏ فيما يلي سوف تجد دليلا للمواطن الذكي نحو الانتخابات العامة‏,‏ فلا يخفي عليك أن موسما ممتدا لعام ونصف العام تقريبا للانتخابات التشريعية.
شوري وشعب ثم الرئاسية‏,‏ قد بدأ مع إطلاق إشارة البداية بأن انتخابات مجلس الشوري سوف تجري في الأول من يونيو‏..‏ وكما هي العادة فإن هذا الشهر سوف يكون مزدحما بعمليات الترشيح والطعون وتحديد القوائم الانتخابية ووسائل المراقبة‏,‏ وهكذا إجراءات تنتهي دوما بالانتخابات وإعلان النتائج‏.‏ وسوف تتكرر هذه المسيرة في شهر أكتوبر القادم‏,‏ ومن بعدها سوف يكون الانتظار المثير حتي العام القادم وإعلان المرشحين للمنصب الرفيع حتي يأتي يوم الانتخاب‏.‏
المهم في الموضوع كله أنه بين انتخابات وأخري سوف تكون الساحات الإعلامية والفكرية مشغولة تماما بالحديث عن الموضوع‏,‏ ومهما كانت الكلمات والتعبيرات معروفة مسبقا‏,‏ فإن استخدامها سوف يبدو كما لو كان مطروحا لأول مرة‏.‏ ووسط هذا الضجيج الكبير سوف يكون علي المواطن أن يتخذ الكثير من القرارات الصعبة‏,‏ وأكثر من ذلك سوف يكون هناك من سيجتذبه ذات الشمال وذات اليمين محاولا استخدامه في ألعاب سياسية متنوعة‏.‏
ولعل أول الأسئلة المطروحة علي المواطن المصري‏,‏ هو هل يشارك في الانتخابات العامة أم لا؟‏!‏ فالمسألة كما يتصورها البعض هي صداع لا ينتهي‏,‏ ولا يعلم أحد له فائدة علي أي حال‏.‏ ولو أن الإجابة سارت علي سوابقها فإن صاحبنا علي الأرجح لن يذهب إلي الانتخابات علي الإطلاق‏,‏ فما حدث في الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة في عام‏2005‏ هو أن‏23%‏ من الناخبين المسجلين شاركوا في الاختيار‏,‏ أما في الانتخابات البرلمانية التي جرت في نفس العام‏,‏ فقد ارتفعت النسبة قليلا إلي‏26.2%,‏ وهي نسبة لا تزال مخجلة‏.‏ ولم يكن ما جري في عام‏2005‏ استثناء من القاعدة‏,‏ بل كان تعبيرا عن قاعدة شائعة‏,‏ حيث شارك‏24%‏ فقط في الانتخابات البرلمانية عام‏2000.‏
هنا‏,‏ علينا أن نلاحظ أن حساب النسبة يجري علي الناخبين المسجلين‏,‏ أما إذا نسبناهم إلي هؤلاء في سن التصويت فإن النسبة سوف تنخفض في المتوسط إلي نحو‏18%‏ فقط‏.‏ ومن الواضح أن الحالة الحماسية الشائعة في القنوات التليفزيونية الفضائية وغيرها من وسائل الإعلام لم تنعكس علي الجمهور‏,‏ أي أن الجمهور كان في حالة نفسية ومعنوية أخري‏,‏ أو أن المسألة ببساطة هي‏,‏ أنه لا يوجد ضمن قدرات نظام الانتخاب ما يسمح للناخب بالوصول إلي صندوق الانتخابات من الأصل‏,‏ لأن عدد الصناديق لا يكفي إطلاقا لعدد من وجب عليهم التصويت‏.‏
إن لدي عدة أسباب تدعو المواطن المصري إلي الاهتمام بالانتخابات‏,‏ والذهاب يوم الاختيار‏,‏ والإدلاء بصوته‏,‏ منها بالطبع أسباب أخلاقية ووطنية للموضوع‏,‏ فالممارسة السياسية هي من صميم المواطنة‏,‏ وفي العصر الحديث فإن المواطن لا يكون مواطنا ما لم يدفع الضرائب التي نعرفها‏,‏ وما لم يدفع ضريبة الدم بالتجنيد في القوات المسلحة‏,‏ وما لم يقم بالتصويت في الانتخابات العامة أيضا‏.‏ ولكن هذه الأسباب لا تكفي‏,‏ برغم أهميتها‏,‏ ف المصلحة الشخصية المباشرة لا تقل أهمية‏,‏ ففي وقت من الأوقات لم يكن هناك ما يدعو الناس للمشاركة لأن الحكومة في الحقيقة تقوم بتعليم المواطن وتشغيله‏,‏ وانتزاع ما تري انتزاعه من ضرائب من المنبع ساعة الحصول علي المرتبات‏.‏ وحينما قررت الدولة أن الموظف العام ينتمي فعليا إلي جماعة الفقراء‏,‏ فإن فكرة الضرائب لم يعد لها وجود‏.‏
إن الأصل في النظرية الديمقراطية هو أنه لا ضرائب دون تمثيل‏,‏ لكن العكس أيضا صحيح‏,‏ وهو أنه لا تمثيل دون ضرائب‏.‏ والحال الآن في مصر أقرب إلي الحالة الأولي منها إلي الثانية‏,‏ فقد بات علي الإنسان المصري إذا أفلت من ضرائب الدخل أن يدفع الضرائب العقارية‏,‏ وإذا لم يكن لديه عقارات إطلاقا فإنه يدفع ضريبة للمبيعات في كل الأوقات‏;‏ وإذا أضيفت إلي كل ذلك أشكال مختلفة من الرسوم‏,‏ والدمغات‏,‏ والضرائب المحلية‏,‏ والجمارك المتنوعة‏,‏ فإنه يصبح من قبيل الذكاء المشاركة في الانتخابات العامة لاختيار من ينظر بعقل إلي مسألة الضرائب العامة‏,‏ وإذا ابتلع المر وأقرها‏,‏ فإنه يعمل ويكد من أجل حسن إنفاق الأموال التي تأتي منها‏,‏ ومعها كل الأموال العامة‏.‏
ولكن المواطن الذكي سوف تكون لديه مشكلة أخري‏,‏ فهو ليس خليا من الشكوك والهواجس حول ما جري في بعض العمليات الانتخابية في الماضي‏,‏ وهو لا يعلم إن كانت إرادته سوف يتم احترامها فعلا أو أنه سوف يجري التلاعب بها بأشكال متنوعة من السحر وخفة اليد وحتي ثقلها‏,‏ وحتي لو تم احترام الآراء‏,‏ يكون التساؤل هو هل يستطيع ممثل الشعب أن يغير شيئا تريده الحكومة؟‏.‏
وبالطبع‏,‏ فإنه لا يمكن أن نستبعد من ذهن المواطن أنه حتي عندما تم الإشراف القضائي فوق كل صندوق انتخابي فإن عدد الطعون في نزاهة الانتخابات لم يقل بل زاد‏;‏ وبعد أن انتهت ضجة الانتخابات لتبدأ الممارسة في المجلس‏,‏ بدا وكأن أحدا لايعلم بدقة الكثير عن الدور الذي قام به أعضاء مجلسي الشعب والشوري في إصدار القوانين العامة خلال خمس سنوات‏.‏ وإجابتي المباشرة لكل المصريين هي أنه لا يوجد ما يهدئ الشكوك والهواجس والمخاوف إلا بأن يصل حجم المشاركة إلي الدرجة التي يستحيل معها التلاعب بشكل أو آخر حين تقف الملايين حارسة علي إرادتها‏.‏ وبالطبع فإن هناك وسائل متنوعة لحماية أصوات الناخبين‏,‏ كان منها القضاة في كل اللجان‏,‏ وفي اللجان العامة‏,‏ وجري استخدام المجتمع المدني‏,‏ وكانت الدعوة للمشاركة الأجنبية في الرقابة علي الانتخابات تجد كثرة تستهجنها في بلد يفوق تخوفه من التدخل الأجنبي خوفه من التلاعب بالانتخابات العامة‏.‏
المواطن الذكي يستطيع أن يحصل علي أفضل الانتخابات بالمشاركة المباشرة‏,‏ وإذا كان الوصول إلي صناديق الانتخابات صعبا‏,‏ فإن معركة وجود الصناديق الكافية هي معركة تستحق خوضها من جانب المواطن لفرض انتخابات نزيهة‏,‏ ومن جانب الحكومة أيضا حتي لا يصدر عليها الرأي العام أحكاما صعبة بعد الانتخابات‏.‏ وإذا كان لدي المواطن شك في قدرات ممثليه فإن عليه مراجعة التعديلات التي أدخلها نواب الشعب علي القوانين التي قدمت بما فيها قوانين للضرائب‏,‏ وحتي القوانين التي جري سحبها من قبل الحكومة لأنها لم تجد لها التأييد الكافي‏,‏ والموضوعات التي لم تقدم من الأصل مثل تلك الخاصة بالصكوك الشعبية لأنها لم تجد قاعدة تسمح بمرورها من النقاش إلي التشريع‏.‏
إذا ما قرر المواطن المشاركة فإن الأسئلة المطروحة عليه تزداد صعوبة وتعقيدا‏,‏ فهو لا يعرف من يختار علي وجه التحديد بين طوائف متنوعة من المرشحين أصحاب الميول الحزبية المختلفة‏,‏ وحتي بين المستقلين الذين لا تقل ميولهم اختلافا‏.‏ وبالطبع فإنه في بعض مناطق مصر‏,‏ تبدو المسألة محسومة باختيار الأقرب إلي العائلة أو القبيلة والعشيرة حيث لا يكون الدم ماء‏,‏ وإنما قرب يكفي لتعزيز المصالح‏.‏ ولكن مصر ليست كلها كذلك‏,‏ وحتي الأقرباء وأبناء الناحية تحدث لديهم تغيرات كثيرة في الملبس والقول بعد وصولهم إلي القاهرة‏,‏ وأحيانا تحدث الكارثة وينقسم أبناء العمومة بين أكثر من مرشح ولا تعود الأيام الطيبة إلي سيرتها الأولي أبدا‏.‏
والحقيقة أن المواطن الذكي وغير الذكي أيضا لأن الأمر لا يحتاج كثيرا من الذكاء عليه أن يختار ما بين مرشح يريد تمثيل الدولة كلها وليس دائرته فقط‏,‏ ويكون منوطا به إصدار التشريعات التي تهم المواطن المصري‏,‏ من الإسكندرية إلي أسوان‏,‏ وتحتكم إليه الدولة في جميع أنشطتها‏,‏ بل أكثر من ذلك يقوم بدور رقابي لضمان وضع الخطط موضع التنفيذ‏,‏ علي نحو يتطلب إلمامه بقدر معقول من الثقافة القانونية والدراية التامة بالدستور المصري واللوائح الداخلية لمجلسي الشعب والشوري ومعرفة اتجاهات السياسات العامة في البلاد‏(‏ مثل الرعاية الصحية والتعليم والإسكان والبطالة والفقر وارتفاع الأسعار والأجور‏)‏ والإحاطة بالتطورات التي يشهدها العالم المعاصر‏,‏ وبين مرشح آخر يسعي لأن يكون نائبا خدميا‏,‏ أي يجعل مهنته ليست تمثيل الشعب‏,‏ وإنما تسهيل أعمال أبناء دائرته في الحصول علي خدمة أو قضاء مصلحة‏.‏
ومنذ عشر سنوات‏,‏ أجري استطلاع للرأي العام في مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام للتعرف علي المعايير التي يستخدمها الجمهور المصري في التصويت للاختيار بين المرشحين المختلفين في الانتخابات‏.‏ وقد أظهرت النتائج أن قدرة المرشح علي تقديم الخدمات للناخبين هي المعيار الأساسي للاختيار بين المرشحين بنسبة‏64.2%,‏ أما الاختيار علي أساس سياسي‏,‏ سواء كان علي أساس برنامج المرشح أو انتمائه لحزب الحكومة أو لأحزاب المعارضة‏,‏ فإن نسبة الأخذ بمثل هذه المعايير السياسية لم تزد علي‏9.3%‏ من إجمالي المواطنين‏.‏ ويبدو أن ذكاء المواطن المصري قد قاده إلي النتيجة المضمونة بالانحياز إلي المرشح المهتم بقضايا الدائرة‏,‏ أما القضايا الكونية فإن للبيت دائما ربا يحميه ويتولي أمره‏,‏ وعلي أي الأحوال فإن أهل القاهرة لديهم قدرة فائقة علي الشكوي طوال الوقت مع التأكيد علي القدرة في اللحظة نفسها علي حل مشاكل الكون‏.‏
لكن كل القضايا ليست دائما بهذه السهولة‏,‏ فالمواطن الذكي يواجه في الانتخابات المصرية الأخيرة إشكالية التداخل بين الديني والمدني‏,‏ حيث تعد ثنائية الدين والدولة واحدة من أبرز القضايا المثيرة للجدل العام في مصر‏,‏ سواء علي مستوي القوي السياسية المختلفة أوالتيارات الفكرية المتنوعة‏,‏ الأمر الذي سمح لهذا الفصيل السياسي أو ذاك التيار الفكري بتفسير تلك العلاقة وفقا لتصوره الخاص‏,‏ وقدوم انتخابات عدة تعيد فتح باب الحوار من جديد حول طبيعة الدولة المصرية‏,‏ لاسيما مع الرؤي الغامضة والملتبسة التي تطرحها القوي السياسية ذات المرجعية الدينية‏,‏ وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين التي زاد عدد مقاعد النواب الممثلين لها من‏17‏ مقعدا في برلمان‏2000‏ إلي‏88‏ مقعدا في برلمان‏2005‏ بزيادة تماثل خمسة أمثال سابقتها‏.‏
إن السؤال الذي يوجهه النائب للمرشح‏:‏ ماذا تريد بالضبط ؟‏,‏ دولة دينية يسيطر عليها رجال الدين وأصحاب الفتاوي وهيئة كبار العلماء المنتخبة أو غير المنتخبة‏,‏ والعلنية أو السرية‏,‏ أم دولة مدنية تكون المرجعية فيها للدستور والقانون ويحكمها رئيس جمهورية ويرسم وينفذ سياستها رئيس وزراء ومعه مجموعة وزراء‏,‏ فضلا عن برلمان منتخب لأعضائه القول الفصل في أمور الدولة‏.‏ وهنا يتفرع سؤال آخر‏,‏ فما هي وظيفة مجلس الشعب؟‏,‏ وهل هي التشريع والرقابة أم الإفتاء في أمور الدين والتضييق علي الحريات العامة؟ وإذا كانت الإجابة هي الأخيرة‏,‏ فما هي أوجه الاختلاف عن وظيفة مؤسسات أخري خولها المجتمع للقيام بهذه المهمة منها‏:‏ الأزهر الشريف ودار الإفتاء بالنسبة للمسلمين‏,‏ والكنائس ذات المذاهب المختلفة بالنسبة للأقباط‏.‏
والنصيحة للمواطن الذكي ليست سهلة‏,‏ فكم من أحزاب وجماعات مدنية تتمسح في مقولات دينية علي سبيل التقية‏,‏ وكم من أحزاب دينية تتمسح بشعارات مدنية لعلها تحتسب من المعاصرين‏,‏ وهناك خلط مخيف للأوراق‏,‏ لكن ما ليس مخفيا علي أحد هو نموذج الدولة المتقدمة حيث لا توجد بين مثل تلك الدول دولة دينية واحدة‏,‏ وكلها تقوم علي الحكمة الجامعة للبشر الذين يصيبون ويخطئون‏.‏ كما أنه ليس خافيا علي أحد تلك التجارب التي جرت للدول الدينية في إيران والسودان وأفغانستان وغزة‏,‏ فضلا عما فعلته الأصوليات الدينية المختلفة في دول مثل الجزائر واليمن ولبنان‏,‏ حيث كان ثمن محاولة إقامة الدولة الدينية دماء غزيرة‏.‏
وإذا كانت الإشكالية السابقة تمس أوتارا حساسة داخل قلب وعقل المواطن‏,‏ فإن هناك إشكاليات تمس مصالحه مباشرة لأنها ترتبط بنوعية التنمية التي يريدها‏,‏ وعما إذا كان المرشح الذي يريده مهتما بالدفاع عن أفكار الليبرالية الاقتصادية وحرية السوق القائمة علي آليات العرض والطلب وتشجيع دور القطاع الخاص للقيام بدور محوري في عملية التنمية‏,‏ أم محبذا لاقتصاد موجه تصبح فيه الدولة اللاعب الرئيسي أم خليطا بين الاثنين معا ؟
الشائع لدي المواطن المصري هو الحديث عن تفضيل الاختيار الأخير‏,‏ لأن الذكاء هنا هو أن تبقي كل الخيارات مفتوحة‏,‏ وفكرة الاقتصاد المختلط تبدو كما لو كانت تجمع ما بين حسنات النظامين الاقتصاديين‏.‏ وهناك دائما بين أصحاب الحكمة‏,‏ أو مدعيها‏,‏ من يقول إنه لا يوجد نظام نقي في العالم‏,‏ ولكن قلب المواطن يظل دائما مع الدولة لو أنها تتكفل به من المهد إلي اللحد‏;‏ وحتي عندما قامت الدولة بتمليك العمال عددا من الشركات العامة‏,‏ لم يلبثوا أن أعادوها إلي الدولة مرة أخري‏,‏ وكانت مصر في ذلك تجربة فريدة لتجربة خصخصة عادت مرة أخري إلي التأميم بالإرادة الحرة لمالكي الأسهم‏.‏
ولا يوجد لدي حل لهذه المعضلة‏,‏ ربما لأنها تتحدي الذكاء المعروف في العالم‏,‏ ومن الجائز أن الذكاء هنا يقوم علي الخوف من انقلاب الموازين حينما يتم التركيز علي الثروة بدلا من الفقر‏,‏ خاصة مع تزايد إقبال العديد من رجال الأعمال علي ترشيح أنفسهم أعضاء في البرلمان‏,‏ حيث تمتع‏37‏ منهم بعضوية برلمان‏1995,‏ ودخل‏77‏ من رجال الأعمال برلمان‏2000,‏ ودخل‏68‏ من رجال الأعمال برلمان‏2005‏ وقد تزامن تصاعد عدد رجال الأعمال تحت قبة البرلمان‏,‏ مع تزايد عددهم في تشكيل الحكومة وتوليهم عدة وزارات‏,‏ وهنا يحدث التباس بين الهدف الأساسي من ترشحهم كجماعة مصلحة وهو الحصول علي عائد مناسب من استثماراتهم وتحقيق مصالحهم الخاصة‏,‏ وبين ضرورة أن يضع رجال الأعمال في حساباتهم ومشروعاتهم المصلحة العامة‏.‏ ولكن للقضية وجها آخر‏,‏ وهو أن دخول رجال الأعمال أو رجال الاستثمار إلي ساحة البرلمان قدم تنمية الثروة المصرية إلي قائمة الاهتمامات العامة بدلا من تركيزها المفرط علي معالجة سوءات الحاضر‏.‏
القضايا معقدة علي أي حال‏,‏ وربما كانت للمواطن المصري تقاليده وذكاؤه الذي يقوده نحو مصالحه‏,‏ لكن المهم دائما أن يكون لديه اختيارات كثيرة في البشر والأفكار والبدائل‏,‏ وطوبي لمن يوفرون له كل ذلك‏,‏ وساعتها سيكون الذكاء في مكانه ولا يحتاج لمن يضع دليلا له‏!.‏
* نقلا عن جريدة الاهرام المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.