يطل سور مجرى العيون على القاهرة القديمة مثل كائن أسطوري، يروي للزائرين وسكان الحي القديم الذي يحمل اسمه حكايات من العصر المملوكي التليد، ويقدم للمتخصصين في فنون الهندسة نموذجا فريدا من نماذج العمارة الإسلامية التي لم تعرف المستحيل. ويعد السور واحدا من أهم معالم القاهرة الإسلامية، ويرجع تاريخ بنائه إلى عهد السلطان الغوري، أي ما يزيد على نحو 800 عام. كان الهدف الرئيسي من تشييد هذا السور العظيم، هو مد قلعة صلاح الدين بمياه الشرب النقية من النيل، عن طريق رفعها بالسواقي إلى مجرى السور، حيث كانت المياه تجري إلى أن تصل إلى القلعة، التي كانت مقرا للحكم في مصر منذ العصر الأيوبي. وكان السلطان قنصوه الغوري حسب معظم المراجع التاريخية أمر في العام 914 هجرية، الموافق 1508 للميلاد، ببناء مجرى العيون لزيادة كمية المياه المتجهة إلى القلعة، وكان المجرى يتكون عند إنشائه من ثلاثة أجزاء رئيسية، أولها برج المأخذ وهو سداسي الشكل وتتوسطه بئر، كانت المياه ترفع منه بواسطة ست سواق، لأعلى سطح البرج، حيث تصب في حوش تندفع من المياه على قناة لتتجه نحو القلعة، مرورا بعقود السقاية، ومجرى السقاية حيث كان الماء ينقل من فم الخليج على النيل، إلى القلعة فوق جبل المقطم. كانت الساقية المخصصة للسور تدار بواسطة الحيوانات، حيث كانت ترفع المياه لنحو عشرة أمتار تتدفق بعدها في القناة فوق السور، وتسير بطريقة الأواني المستطرقة حتى تصل إلى القلعة. ويقول المؤرخون عن ذلك: “نظرا لقرب القاهرة وبعدها في نفس الوقت عن الشاطئ الشرقي للنيل، تعددت جهود توفير مياه الشرب النقية لسكانها، فعلى عهد الفاطميين تم حفر “الخليج الحاكمي” الذي كانت المياه تدخل إليه من قنطرة السد، بعد وصول مياه الفيضان في فصل الصيف، وكان الخليج الذي تحول إلى شارع بورسعيد حاليا، يعد من أشهر متنزهات القاهرة، تسير فيه المراكب خلال فصل الصيف. ورغم أن السور نسب إلى السلطان قنصوه الغوري في العديد من المراجع التاريخية، إلا أن بعض المؤرخين يقولون إن المنشئ الأصلي لقناطر مياه القلعة، هو السلطان العادل أبو بكر بن أيوب، الذي تولى الحكم من سنة 596 هجرية، حتى سنة 615 هجرية، ويقول هؤلاء إن السلطان العادل فكر في تلك الفكرة، حتى تصل مياه النيل إلى القلعة، بعد أن استقر رأيه على الإقامة الدائمة فيها بدلا من حصن القاهرة، الذي اضطر إلى الإقامة فيه كل من سبقه من سلاطين الأيوبيين. وجدد السور من بعد ذلك السلطان الناصر محمد بن قلاوون سنة 712 هجرية، بأن أنشأ له أربع سواق على النيل لنقل الماء في مجراه فوق القناطر إلى القلعة، قبل أن يشيد بعد ذلك مجموعة أخرى من السواقي عند ساحل النيل، بعدما حفر بئرا ثانية ركب عليها هذه السواقي حتى اتصلت مياهها عبر القناطر المملوكية بالقناطر الأيوبية في بئرين، فصار ماؤها واحدا يجري إلى القلعة.