إسكندرية إكوادور أهم من القاهرة وأكثر نشاطا! الثلاثاء 19 ديسمبر: كنت مستغرقا في النوم عندما تسللت إلي أذني أصوات غير عادية. فاليوم عاشر صباح لنا في الباخرة منذ غادرنا لوس أنجلوس أصحو فيه علي لاصوت. ففي البحر لاتسمع أصواتا غير صوت الموج.. لاصدي فرح قادم من الجانب الآخر أو سرادق بعيد اقترب منك بميكروفوناته أو باخرة أخري تجذب انتباهك بأغانيها أو حتي صفارتها.. فالمحيط شاسع ولابد أن هناك نظاما يمنع البواخر من الاقتراب من بعضها إلا في الموانئ أما وسط المحيط فلو رأيت باخرة فعلي مسافة عدة كيلو مترات! وسط المحيط لاتسمع غير صوت موج البحر الذي تعتاده الأذن وتنام عليه أما عندما تقترب الباخرة من البر فيتسلل في البداية صوت الطيور التي تكون دائما في الانتظار وأول المستقبلين. وهكذا فإنه عندما فتحت عيني في السابعة صباحا كانت باخرتنا كريستال قد توقفت في ميناء مدينة جوياكيل التي اكتشفنا أنها المركز الاقتصادي والتجاري والصناعي لدولة إكوادور. أنها أكبر مدن إكوادور.. وسكانها نحو مليوني نسمة أي أكثر من ضعف سكان العاصمة كويتو المحشورة جغرافيا داخل البلاد بعيدا عن المحيط الذي تمتد عليه أكثر من 2200 كيلو متر فاذا كانت كويتو هي القاهرة فان جوياكيل هي الاسكندرية وهي الأهم والأزحم لكن شواطئها ليست مغرية كما هي الشواطئ في كابولوكاس في المكسيك أو كالديرا في كوستاريكا بالاضافة إلي أن الجو أكثر رطوبة.. ولذلك كانت ملابس المواطنين بسيطة.. فلابدل أو فساتين تقليدية علي الأقل في النهار الحار. ولم تكن المدينة نفسها بعيدة عن الميناء وإتما كان الميناء جزءا من المدينة كما هو الحال في الاسكندرية وبورسعيد.. أما الزحام فكان مألوفا لنا في القاهرة ولكن مع خضرة أكثر كثيرا ونظافة عادية مثل التي في كل الدول التي مررنا وسنمر بها. وقد أخذت إكوادور اسمها من كلمة خط الاستواء الذي لاتبعد عنه والذي احتفلنا في اليوم السابق بالتوقف فوقه دقيقة وسلم قائد الباخرة كل راكب شهادة مختومة بمرورنا فوق خط الاستواء. وبعد ذلك أقامت الباخرة غداء خاصا تحت الشمس الحارقة في الطابق الثاني عشر الذي به حمام السباحة عبارة عن بوفيه قدموا فيه الأكلات المشهورة في جنوب أمريكا. ولكن قبل الغداء كان هناك فاصل من بعض التقاليد القديمة في المنطقة ومنها تقدم من يريد من الركاب لينام علي ظهره فوق سرير أشبه بسرير المستشفيات وقيام عدد من موظفي الباخرة بتلوين وجهه بكميات كبيرة من المعاجين الملونة الحمراء والخضراء والصفراء وأيضا تلطيخ ملابسه بهذه المعاجين الملونة ثم تقريب سمكة كبيرة من أنفه ما أن يشمها حتي يقوموا بحمله وإلقائه في حمام السباحة فتغسل المياه ماعلق بوجهه وملابسه ويقفز سعيدا. وترتفع الضحكات.. ولم يشرح لنا أحد ماالمقصود, لكن الكل كان يضحك, والوجوه التي إعتادت اللقاء أصبحت أكثر معرفة وألفة وابتساما. ولم يكن هذا آخر إحتفال نهاري تحت الشمس ففي معظم الأيام التي كنا نمضيها مبحرين في المحيط تعددت ألوان البوفيهات.. فمرة إيطالي ومرة آسيوي ومرة أمريكي.. وهكذا.. ولو استسلم الراكب لاغراءات الطعام الذي يقدم طوال اليوم دون مقابل ولا حساب لزاد كل يوم كيلو جراما علي الأقل. ولهذا فان أكبر اختبار يواجه الراكب هو كيف يقاوم الأطباق والأنواع والألوان والحلويات التي يغرف منها مايشاء، وضرورة أن يمارس الرياضة حتي يقاوم بعض الوزن الزائد الذي حتما سيزداده! غادرنا الباخرة إلي رصيف ميناء جوياكيل وكالعادة كان في الإنتظار الأتوبيس المتفق عليه سلفا بواسطة إدارة الباخرة المختصة بأمور السياحة والرحلات في المدن التي نمر بها لكي يصحبنا في جولة طويلة بطول النهار. وقد وجدنا المدينة مليئة بالمباني الحديثة التي تأخذ تصميمات غير تقليدية إلي جانب المباني القديمة التي نجت من الزلازل التي مرت بها إكوادور. ويستطيع الزائر تمييز هذه المباني التاريخية القديمة إن لم يكن باللون الصفر الداكن الذي طليت به, فبالطراز التاريخي الذي لاتغفله العين وما به من أعمدة وزخارف لاتختلف كثيرا عن التي تتميز بها المبان القديمة في مصر التي كانت واجهة كل مبني منها عبارة عن لوحة جمالية تجذب العين.. وإذا كانت مصر قد مرت بمرحلة بعد الستينات من القرن الماضي حولت عمائر مصر إلي مباني صماء عبارة عن جدران ممتدة خالية من الجمال والزخارف, إلا أنني عندما زرت مدينة السادس من أكتوبر فوجئت بعودة التصميمات القديمة وواجهات المباني العديدة التي راحت تتنافس في الجمال وتؤكد الجينات الحضارية القديمة المترسبة منذ الفراعنة, كذلك فإن لاكوادور أيضا تاريخها الحضاري القديم الذي يعود إلي شعب سكن المنطقة أطلق عليه اسم الإنكا ولكنني أؤجل الحديث عنه لأتحدث أولا عن أحدث مشروعات المدينة الذي أطلقوا عليه اسم ماليكون2000 وهو عبارة عن كورنيش للمشاة يمتد عدة كيلو مترات علي طول شاطئ نهر جاياس وقد صنعوا أرضيته من الخشب. وهو علي ثلاثة طوابق يتنقل الزائر بينها ويمكن أن يتوه, وله انحناءه تشبه إنحناءه شاطئ ستانلي بالاسكندرية, ولكنه عامر بالمقاهي والبارات والمطاعم والمكتبات والبوتيكات والمحال المتنوعة التي يبلغ عددها ألفي محل ولهذا كان اسم2000 للمشروع. قال لنا المرافق الاكوادوري في بداية الجولة إن لاسم جوياكيل أكثر من حكاية لكن الشائع بين المواطنين إرجاع الاسم إلي أحد مقاتلي الإنكا الأبطال الذي حارب ضد الأسبان وكان اسمه جويا وبعد أن تأكد له انتصار الأسبان واستيلاؤهم علي المدينة فان زوجته طلبت إليه أن يقتلها حتي لاتقع في يد الأسبان، ونفذ جويا طلب الزوجة وكان اسمها كييل وبعد ذلك قتل الزوج نفسه غرقا.. وراجت حكاية الزوجين وأصبحت رمزا للفداء.. فكما أن هناك حكاية قيس وليلي وحسن ونعيمة وروميو وجولييت فهناك أيضا حكاية جويا وكيل التي من كثرة ترديدها أصبحت المدينة تحمل اسميهما معا جوياكيل! آخر كلام المكسيك: من دول أمريكا الشمالية وفي الوقت نفسه من دول أمريكا اللاتينية التي تتحدث إما الأسبانية أو البرتغالية بسبب الاحتلال الأسباني والبرتغالي لهذه الدول. * نقلا عن جريدة الاهرام المصرية