كشف قانون يوسف بطرس غالي للضريبة العقارية عن عشوائية بالنسبة لاصدار القوانين وكذلك بالنسبة لتطبيقها خاصة بالنسبة لهذا القانون الجديد. فقانون الضريبة العقارية جاء في وقت غير مناسب لا اجتماعيا ولا سياسيا ولا اقتصاديا. لأن ظروف مصر الحالية في هذه المرحلة لا تسمح بأي تجارب أوارهاق المواطنين بأعباء جديدة لما سببته الأزمة الاقتصادية العالمية التي كان لابد أن تتأثر مصر بها. الشعب المصري فوجيء قبل أن يسترد أنفاسه من مشكلة انفلونزا الطيور بأزمة انفلونزا الخنازير.. كما أن الشعب المصري وجد نفسه مشتتا بين طوابير الخبز وطوابير استمارات الضريبة العقارية. الجو السياسي والاجتماعي في مصر متوتر وليس في حاجة الي مزيد من التوترات التي خلفتها قضية الضريبة العقارية والغريب في الأمر أن تلك الأزمة وذلك التزاحم أمام مأموريات الضريبة العقارية. كان يمكن تلافيه بكل سهولة لأن الغالبية العظمي من المواطنين الذين يتزاحمون للحصول علي استمارات تلك الضريبة لايخضعون لتلك الضريبة وبالتالي وحسب المنطق السليم فلم تكن في حاجة الي كل تلك الضجة وذلك لأن النسبة الأكبر من المواطنين لا علاقة لهم بتلك الضريبة التي لايخضعون لها.. تلك الشريحة من المجتمع المصري وغير المطالبة بتلك الضريبة يبلغ عددها اكثر من 28 مليون مواطن. وقد اعلن الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية أن الضريبة العقارية لن تطبق الا علي 5.4% من الذين أجبروا علي تقديم الاستمارات الخاصة بتلك الضريبة. وهنا لابد أن نتساءل.. تلك الشريحة الكبيرة من المواطنين الذين لايخضعون للضريبة. لماذا يجبرون علي تقديم الاستمارات والتزاحم علي شراء تلك الاستمارات في السوق السوداء؟ في أحد البرامج التليفزيونية تساءل ضيوف البرنامج وكذلك المشاركون علي الهاتف عن الحكمة من فرض تلك الاقرارات علي تلك الشريحة العريضة التي لن تخضع لقانون الضريبة العقارية. كان من ضيوف البرنامج أحد العاملين في الضرائب كذلك اتصل مدير الضرائب.. ولما سئلوا عن سبب إجبار غير الخاضعين للضرائب العقارية لتقديم الاقرارات الضريبية عن تلك الضريبة بالذات.. جاءت اجابات المسئولين غير مقنعة.. مدير الضرائب وموظفه أعلنا أن تقديم الاقرارات لا شأن له بالضريبة فهو مجرد احصاء للتعرف علي العقارات في كل انحاء مصر وحصرها.. وقد رد ضيوف البرنامج وكذلك اتصل مدير الضرائب.. ولما سئلوا عن سبب اجبار المتداخلون علي الهاتف.. بأن عملية الإحصاء للمساكن والعقارات ليست من اختصاص وزارة المالية.. ولكن هناك جهات رسمية متخصصة في جمع البيانات عن كل ماهو موجود في مصر. مما يجعل وزارة المالية تتدخل في اختصاصات غير اختصاصاتها. ونحن نتساءل.. إذا كان وزير المالية مشغولا بالبحث عن اساليب جديدة للجباية.. فإن هناك جهات سياسية كان يجب أن تفكر فيما يمكن أن تحدثه تلك الضريبة التي لابد أن تكون لها أثار سلبية في هذه المرحلة التي تستعد فيها مصر لتغيرات سياسية كبيرة. كان لابد أن يفكر الحزب الوطني في أن الاصرار علي اقرار قانون الضريبة العقارية يمكن أن يسبب مصاعب سياسية في تلك المرحلة. كذلك نتساءل.. لماذا تسابق أعضاء مجلسا الشعب والشوري في الموافقة علي هذا القانون وفي هذا الوقت غير المناسب. لأن اعضاء مجلسي الشعب والشوري الذين انتخبهم الشعب المصري كان عليهم أن يقفوا الي جانب أفراد الشعب لتخفيف العبء عنهم؟ كان يمكن لممثلي الشعب المصري أن يطالبوا بتأجيل تنفيذ قانون الضريبة العقارية في هذه المرحلة خاصة أن هناك سابقة مشابهة.. فقد وافقت الدولة علي تأجيل تنفيذ قانون الشيكات لأكثر من ثلاث سنوات بحجة الأزمة الاقتصادية. وكأن الأزمة الاقتصادية لها تأثيرات علي رجال الأعمال والرأسماليين ولكنها لا تؤثر علي عامة الشعب المصري المطحون!! القانوني شوقي السيد عضو مجلس الشوري وصف هذا القانون بل كل صناعة التشريع في مصر بالمأساة وقال: ان العديد من التشريعات التي يتم سنها. مخالفة بل ومغايرة لما يحتاجه الواقع الاجتماعي ومطالب غالبية الشعب. في الوقت الذي يفترض فيه أن تنطلق هذه التشريعات في اتجاه خدمة مصالح المجتمع. وذكر شوقي السيد أن هناك مايسمي الانحراف في استعمال السلطة التشريعية. نظرا لأن العديد من القوانين تأتي جاهزة من الحكومة والحزب الوطني ويتم اقرارها. ثم يفاجأ الشعب بأنها ليست في مصلحته ولاتعبر عنه. وهذا ماحدث في قانون الضريبة العقارية. وإذا كانت جماهير القاهرة والمدن الكبري تعاني من اختفاء استمارات الإقرارات الضريبية فالوضع في الأرياف اكثر صعوبة. القانون اكد علي كتابة اقرار لكل مبني صغير كان أو كبيرا.. ولذلك فإن الفلاح الذي يعيش في عشة متر وبجوارها عشة أخري للماشية وثالثة للدواجن فإنه مطالب بتقديم ثلاثة اقرارات رغم ندرة الاستمارات ما يضطره للسفر الي عاصمة المحافظة للحصول علي تلك الاستمارات ولو بشرائها من السوق السوداء. كذلك نشطت فئات في القري للتربح من تلك الضريبة لأنهم يقدمون خدماتهم للفلاحين لكتابة الاقرارات في مقابل مادي كبير. وإذا كانت تلك الفئة تستغل الفلاحين لكتابة الاقرارات الضريبية لهم.. فإن الدولة ممثلة في الدكتور يوسف بطرس غالي تستغل تلك الفرصة وما سيحدث من تخلف الملايين عن تقديم الاقرارات لفرض الغرامات عليهم.. فالغرامات علي تلك الاعداد الوفيرة من المتخلفين والذين لاعلاقة لهم أصلا بتلك الضريبة.. تعتبر مصدرا آخر للجباية من جانب وزارة المالية. الحقيقة أننا لسنا ضد فرض ضرائب عقارية علي المساكن.. ولكن ليس هذا الوقت وقتها فالدولة والحزب الوطني يجدان في محاولة كسب اكبر قطاع من الجماهير.. ولكن وزير المالية بل ومجلسي الشعب والشوري يدمران كل تلك الجهود بسبب غياب الحس السياسي. إذا كان وزير المالية يهدف فعلا لتدبير موارد للدولة فالطريق الاقرب والأكثر عدالة هو الضرائب التصاعدية المعمول بها في الدول المتحضرة.. ان ما يمكن تحصيله من سكان الفيلات والقصور لايعني شيئا إذا حسبنا مقدار الضريبة علي كل وحدة سكنية ولكن الضرائب التصاعدية وليست التبرعات التي يتفاخر بها كبار الرأسماليين في مصر هي التي يمكن أن تحقق الموارد للدولة. نحن نعلم أن الأغنياء في مصر هم الأقدر علي احباط كل محاولة من جانب الدولة لاجبارهم علي المساهمة في حل الأزمات الاقتصادية ولكن لان كبار الرأسماليين ورجال الاعمال في مصر هم من الوزراء وأعضاء مجلسي الشعب والشوري.. فيظلون قادرين علي منع صدور أي تشريع يقترب من ثرواتهم التي ينفقونها علي نزواتهم سواء داخل مصر أو خارجها. قد يستطيع يوسف بطرس غالي استحداث ضرائب جديدة ولكنه لايستطيع أن يقترب من الرأسمالية المصرية الجديدة التي ترفض أي محاولة لفرض الضرائب التصاعدية في مصر. * نقلا عن صحيفة الجمهورية